ابن المقفع أديب عربي من أصول فارسية تعلم العربية في البصرة وامتلك ناصيتها بلاغة وأدبا
اشتهر بترجمة كتاب كليلة ودمنة من الفارسية إلى العربية ووضعه على لسان الحيوانات ليكون متعة للعوام وعبرة للخواص ورغم تنكيل الحجاج به ، ورغم أنه عانى من انتقال الحكم بين الأمويين والعباسيين وقتل في النهاية بأمر المنصور إلا أنه كان شديد الحب للعرب كثير الإعجاب بلغتهم وآدابهم وعاداتهم ..
وبسبب انتمائه إلى ثقافتين مختلفتين وعيشه في فترة اضطراب سياسي كان كثير المقارنة بين الثقافات العربية والفارسية والهندية واليونانية ..
ومن النماذج التي علقت بذهني تساؤله عن أعقل الأمم في الدنيا وأكثرها ذكاء على وجه الأرض
حيث قال من أعقل الأمم في الدنيا ؟
هل هم الفرس ؟ كلا ؛ فهم قوم علموا فتعلموا ومثل لهم فامتثلوا ليس لهم استنباط ولا استخراج ..
هل هم الروم ؟ كلا ؛ فهم أصحاب أبدان وثيقة وبناء وهندسة
لا يعرفون سواهما ..
أما الصين فأصحاب أثاث وصنعة لا أصحاب فكر وروية .
و الترك سباع للهراش تسبق أفعالهم عقولهم ..
والهنود أصحاب شعوذة وحيلة ليس لهم في العلم
وسيلة
أعقل الأمم هم العرب ؛ إذ لم يكن لهم تؤمة ولا كتاب يدلهم أهل بلد قفر ووحشة في الأنس لجأ كل واحد منهم في وحدته إلى فكره ونظره وعقله وعلموا أن معاشهم من الأرض فوسموا كل شيء بسمته وأوقاته وزمانه (...)
ثم علموا أن شربهم من السماء فوضعوا لذلك الأنواء واحتاجوا إلى الانتشار في الأرض فجعلوا النجوم أدلة
على إطراف الأرض (...)
ثم جعلوا بينهم شيئا ينهاهم عن المنكر ويرغبهم في الجميل ويحضهم على المكارم (...)
ليس لهم كلام إلا الحث على اصطناع المعروف ثم حفظ الجار وبذل المال وابتناء المحامد (...)
وكل هذا يصيبونه بعقولهم ويستخرجونه بفطنتهم وفطرتهم .
لا يتأدبون لأن لهم طباعا مؤدبة ،
ولا يتعلمون لأن لهم عقولا مدركة ؛
لذلك أقول وما يزال الكلام لابن المقفع إن العرب أعقل الأمم لصحة الفطرة واعتدال البنية
وصواب الفكر وذكاء الفهم ...
انتهى ..
وتعليقا على هذا الكلام الذي ينم عن حسن ظن أبعث رسالة
لابن المقفع أقول فيها ...
رحمك الله يا صاحب كليلة ودمنة ؛ فبعد ألف ومائتي عام لم يعد في العرب شيء مما ذكرت ؛
فقد تركوا الصحراء وتطاولوا في البنيان وعاشوا حياة ترف وتخمة .. ولم تعد حياتهم تسمح بالتأمل والتدبر لفرط انشغالهم بلقمة العيش ( نهارا ) وستار أكاديمي وMBC4 ( مساء )
والسفر لأوربا ( صيفا ) وشرق آسيا ( شتاء ) ..
لم يعد لهم فكر سديد ولا عقل مجيد ولا صنعة تغنيهم عن بقية الأمم أما تناهيهم عن المنكر وحضهم على المكارم
فتحول من فطرة وواقع إلى ديكور ومظاهر ..
أما شجاعتهم فتحولت إلى تخاذل ، وعزتهم إلى تواكل ،
ونخوتهم إلى كسل وتجاهل ...
ثم عن أي عرب تتحدث أيها المخدوع الصالح ؛
فقد أصبحنا دولا عديدة وفرقا بديدة وتحولنا رغم كثرتنا إلى عرب بائدة وأصوات تائهة ومجرد غثاء كغثاء السيل !!
أيضا جانبك الصواب بخصوص ما ذكرته عن الفرس والروم والصين والهند ؛
فالفرس أصبحوا أصحاب روية وبرامج نووية ..
والروم توحدوا في " أوروبا عملاقة " تقود العالم في النزاهة وسياسة اللباقة ..
أما الصين فأصبحت " ورشة العالم " وتحقق نمو اقتصادي يفوق المفروض والعادي ..
أما الهنود فتركوا الشعوذة والحيلة وأصبحوا أرباب تقنية وعقول مبرمجة تقدم خدماتها عبر " الستالايت "
رحمك الله يا أبا محمد ؛ أعماك حب العرب عن شر قد اقترب
بعد ما كنا مفخرة الأمم تحولنا إلى مسـخرة العالم
وشوف كل واحد وهمه ...