دام زواجهما ستين عاما, عاشا في تقارب نادر, يتصارحان حول علاقتيهما ولا يخبئان أمرا عن بعضهما مهما بلغت حساسيته, محترمين خصوصية كل منهما, إلا أن الزوجة كان لها صندوق تضعه فوق خزانة ملابسها وطلبت من زوجها عدم التفكير أو محاولة فتح ذلك الصندوق, فاحترم الزوج رغبة زوجته ولم يحاول الاقتراب أو معرفة ما بداخله أو السؤال عن محتوياته, ومضت حياتهما سويا من غير أن يشوبها أي كدر أو صراخ بينهما, ومع مضي الزمن تهاوت الزوجة بفعل أمراض الشيخوخة, وسعى زوجها لتخفيف ألمها بعرضها على الأطباء والمختصين إلا أن آخر الأطباء أخبره بأنه لم يعد أمامها سوى أيام معدودات, حزن الرجل على شريكة حياته وأمضى الأيام المتبقية مع زوجته لا يغادرها بتاتا, ومع مكوثه الدائم كانت عيناه تتطلعان صوب الصندوق الذي استقر فوق خزينة ملابسها, فابتسمت له ابتسامتها الوديعة التي عهدها وهي تحرضه على جلب الصندوق, تحرك صوب خزانة الملابس وأحضر ذلك الصندوق العتيق, ووضعه بين يدي زوجته التي قالت له:
- لا بأس يمكنك فتحه الآن.
قام بفتحه بيدين مرتعشتين, واستغرب لأن الصندوق ليس بداخله سوى دميتين من القماش وابر نسيج, وخيوط متعددة الألوان, وأسفل الصندوق استقر مبلغ مائة ألف جنيه, وعندما لم يجد ما يسعفه لفهم محتويات ذلك الصندوق, سألها عن تلك المحتويات, فقالت الزوجة: قبل أن أتزوجك نصحتني أمي نصيحة ثمينة, قالت إن سر الزواج الناجح يكمن في الابتعاد عن الجدل ومناكفة الزوج, وأوصتني بكتم غيظي وغضبي, وقالت لي لو اصابك الغضب بددي غضبك بنسج دمية, وستجدين أن الابر التي تغرسينها في دميتك التي تصنعينها قد بددت غضبك تماما.
أوشك الزوج على البكاء وهو يتمسك بيد زوجته العجوز قائلا: توجد دميتان هنا يا عزيزتي, هل هذا يعني أني أغضبتك مرتين طوال زواجنا الذي استمر أربعين عاما.. ولكن ما هو سر هذا المبلغ المالي فأنا أعرف أنه ليس لك دخل من أي جهة.
ابتسمت ابتسامة حزينة: هذا هو المبلغ الذي جمعته من بيع الدمى التي نسيت عددها من كثرة نسج الدمى!!