بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
بعض المؤمنين يرتكبون أخطاءً تؤدِّي إلى تشويه سمعتهم، أو تشويه سمعة الفكر والمذهب الذي ينتمون إليه في نظر الناس .. وهم لا يبالون بذلك لتصورهم بأن وجهة نظر أتباع الأديان أو المذاهب الأخرى أمرٌ غير مهم!!
بينما نجد في مدرسة أهل البيت العديد من الأحاديث التي تؤكد على ضرورة الاهتمام بوجهة نظر الآخرين وعدم التسبب في تكوين انطباع سيئ عند أتباع الأديان أو المذاهب الأخرى..
ففي مجال جرح الآخرين وتناولهم بالسب أو تناول رموزهم بالإساءة والتجريح؛ نقرأ قول الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) : "ما أيسر ما رضي به الناس عنكم، كفُّوا ألسنتكم عنهم". [الكافي 8 : 341] .
وفي رواية أخرى عن الإمام الباقر (عليه السلام) في الصفات التي ينبغي أن يتَّصف بها المؤمن: "...وكف الألسُن عن الناس، إلا من خير". [الكافي 2 : 74 ، وأمالي الصدوق، ص625 ، وأمالي الشيخ الطوسي، ص735] .
ومنه يُفهم أن رضا الآخرين ليس أمراً فاقداً للقيمة في فكر أهل البيت عليهم السلام، بل لا بد من المحافظة عليه عن طريق كف اللسان وعدم الإساءة.
وفي الجزء الـ 16 من كتاب "وسائل الشيعة" بابٌ تحت عنوان (باب وجوب كف اللسان عن المخالفين وعن أئمتهم مع التقية) ، وهذا يعني أنَّ الحر العاملي (مؤلِّف الوسائل) ـ وهو من فقهاء مدرسة أهل البيت عليهم السلام ـ يُفتي بوجوب كف اللسان مع من يختلف مع المؤمن في الفكر والمذهب، وذلك بعدم التكلم معهم بما يسيء إليهم أو إلى أئمتهم ورموزهم.
وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "معاشرَ الشيعة كونوا لنا زيناً، ولا تكونوا علينا شيناً، قولوا للناس حُسناً، احفظوا ألسنتكم وكفوها عن الفضول وقبيح القول". الأمالي للصدوق، ص400 .
ومن هذا الحديث نفهم أنَّ الكلام الحسن مع الناس بما يجعل المؤمن مُشرِّفاً وزيناً، هو أمرٌ مطلوب، وأما الكلام غير المسؤول الذي يُقدِّم صورةً سَيِّئةً عن فكر المؤمن وانتمائه إلى أهل البيت عليهم السلام، فهو أمرٌ منهيٌّ عنه.
وقال الإمامُ الصادق عليه السلام: "...فإنَّ الرَّجُلَ منكم إذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدَّى الأمانة وحسُن خلُقه مع الناس، قيل هذا جعفري، فيسرني ذلك ويدخل علي منه السرور، وقيل هذا أدب جعفر، وإذا كان على غير ذلك، دخل علي بلاؤه وعاره، وقيل هذا أدب جعفر..." إلى أن قال عليه السلام: "تُسأل العشيرة عنه فتقول: من مثل فلان، إنه لآدانا للأمانة وأصدقنا للحديث". [الكافي 2 : 636] .
فحسن الخلق مع الناس مطلوب، فهو يجعل الناس يرضون عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وينجذبون إليهم.. بينما سوء الخلق يجلب نتيجةً معاكسةً بما يسيء إلى أئمة أهل البيت عليهم السلام.. وبديهي أن من يسيء إلى الآخرين أو إلى رموزهم، أو يتصرف تصرفات مشينة في نظرهم، لا يمكن أن يعده الآخرون حسن الخلق..
وقال الإمام الصادق عليه السلام: "كونوا دُعاةً إلى أنفسكم بغير ألسنتكم، وكونوا زيناً، ولا تكونوا شيناً..." [الكافي 2 : 77] .
وهذا يعني أن تصرفات المؤمن يلزم أن تكون مقبولةً في العرف السائد، وفي نظر المراقبين، ولو كان العرف والمراقبون ممن ينتمون إلى فكر آخر، وأن تكون المقبولية قوية بحيث تكون مُحبِّبة للآخرين في مدرسة أهل البيت عليهم السلام..
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إياكم أن تعملوا عملاً يعيِّرونا به، فإن ولد السوء يُعيَّر والدُه بعمله، كونوا لمن انقطعتم إليه زيناً، ولا تكونوا عليه شيناً، صلَّوا في عشائرهم، وعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، ولا يسبقونكم إلى شيء من الخير، فأنتم أولى به منهم...". [الكافي 2 : 219] .
فهذه الرواية تؤكِّد التحذير من صدور أي عمل من المؤمن يؤدِّي إلى تعيير أهل البيت ومدرستهم عليهم السلام..
وهناك مستوى من المعرفة والمعلومات لا تتحملها عقول الآخرين، وقد تؤدي بهم إلى مزيد من الابتعاد وإلى أن يكرهوا الحق وأهله.. فيلزم كتمان هذا النوع من المعرفة تجنباً للكراهية، والتحدث بما يسهل الاقتناع به والانجذاب من خلاله إلى الحق وأهله.. فعن الإمام الصادق عليه السلام: "رحم الله عبداً اجترَّ مودّة الناس إلى نفسه، حدثوهم بما يعرفون، واستروا عنهم ما ينكرون". ثم قال: "والله ما الناصب لنا حرباً بأشد علينا مئونة من الناطق علينا بما نكره..." [الكافي 2 : 222 ـ 223] .
فهذه الرواية تجعل المنفِّرين من الحق وأهله بمنزلة أعداء أهل البيت، بل أشد منهم وأسوأ.
نسأل الله أن يرزق المؤمنين البصيرة والفهم والتزام السلوك الذي يحبه أهل البيت عليهم السلام.