يعد قرار اليونسكو بشان نفي أي ارتباط تاريخي أو اثري بين المسجد الأقصى وحائط البراق في القدس، أكبر ضربة تلقتها الدعاية اليهودية منذ تأسيس الكيان الإسرائيلي، فالرواية الصهيونية كانت ومازالت قائمة على فرضية ارتباط اليهود بفلسطين وتحديداً في مدينة القدس ومعبد سليمان أو الهيكل والمسمى بالعبرية "بيت همقدش"، وتقول الرواية اليهودية إن هذا المعبد هو المعبد اليهودي الأول في القدس الذي بناه الملك سليمان، وقد دمره نبوخذ نصر الثاني بعد حصار القدس سنة 587 قبل الميلاد.
ويعد هذا المعبد أحد الأماكن المقدسة لدى اليهود ويعتقدون أن المسيح سيعيد بناء "بيت همقدش" ويروجون أن مكانه هو تحت قبة الصخرة المشرفة .
الصدمة في إسرائيل أكبر بكثير مما نتصور، فقد شطب القرار التاريخي لليونسكو كامل الرواية اليهودية التي استندت ومازالت الصهيونية العالمية عليها، والتي تربط بين فلسطين وتحديداً القدس باليهود، ومن هول تلك الصدمة تابعنا التصريحات المرتبكة والمضحكة لنتانياهو تعقيباً على القرار حيث قوله بأن إسرائيل لا علاقة لها بجبل الهيكل، يماثل القول بأن الصين لا علاقة لها بسور الصين العظيم، أو أن مصر ليس لها علاقة بالأهرامات، ويبدو أن الصدمة أنست نتانياهو أن الأهرامات هي أمر واقعي ومجسد على الأرض المصرية منذ سبعة آلاف عام، وكذلك الأمر بالنسبة لسور الصين العظيم في حين أن "الهيكل المزعوم" لم يثبت وجوده ولا مكان هذا الوجود وهو مجرد رواية أسطورية ملفقة لا علاقة لها بالواقع، وما قرار اليونسكو المشار إليه لهو أكبر دليل على سقوط رواية هيكل سليمان وقبة الصخرة وحائط البراق .
حالة التخبط والصدمة لدي الجانب الإسرائيلي دفعت الوزير الإسرائيلي، نفتالي بينيت، الذي يشغل منصب رئيس اللجنة الإسرائيلية المسؤولة عن العلاقات مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة، اليونسكو، إلى اتخاذ قرار بتعليق جميع فعاليات إسرائيل مع المنظمة وبحجة أن "اليونسكو تدعم الإرهاب " في تصريح سيصبح بمثابة "نكتة تاريخية" تفضح ضعف المنطق الإسرائيلي كما تفضح الدعاية الإسرائيلية القائمة على الاتهامية والمستندة لعنصرين أساسيين في مواجهة الآخر، ألا وهما إما انه معاد للسامية أو أنه إرهابي، وهنا علينا أن نتخيل كيف "قصفت اليونسكو" الرواية الصهيونية بقنبلة نووية في عمل إرهابي "قذر"!
الرواية الصهيونية بشأن فلسطين تعاني أيضاً من ضعف كبير في مفصلين آخرين لها غير مفصل "هيكل سليمان"، وهذان المفصلان هما: أولاً حقيقة سامية اليهود الاشكنازيم المنحدرين من أوروبا الشرقية والوسطى والذين يشكلون أكثر من 90% من عدد اليهود في العالم، والذين توصلت الأبحاث العلمية وتحديداً علم "الجينات" إلى أنهم ينحدرون من "الخزر" والخزر أقوام آرية لا علاقة لهم بالأقوام السامية، وذلك استناداً إلى دراسة علمية توصلت إلى أن المكون الخزري هو العنصر الظاهر في الحمض النووي ليهود أوروبا أجراها الدكتور "عران الحياك" اليهودي الأصل في كلية الصحة العامة في جامعة جون هوبكنز الأميركية في بالتيمور، و تم نشر هذه النتائج في مجلة (جينوم، بيولوجيا ونشوء) التي تصدر عن جامعة أوكسفورد في 24/12/ 2012.
وثانياً: الرواية التوراتية حول علاقة اليهود بفلسطين تاريخياً هي رواية نسفها بالكامل عالم الآثار الإسرائيلي زئيف هرتسوغ الأستاذ في جامعة تل أبيب، حيث يقول في مقالة علمية له في صحيفة هآرتس عام 2000 (إن الكثير من اليهود سيصابون بالصدمة والذهول عندما يعلمون بان إله "إسرائيل" المزعوم (يهوه) لم يكن إلهاً، بل رجلاً عادياً متزوجاً وعنده أولاد.. وبأن الديانة "الإسرائيلية" القديمة لم تتحول إلى ديانة توحيدية إلا في نهاية مملكة "إسرائيل" وليس في زمن ما حدث على جبل سيناء يقصد جبل الطور وكلام موسي مع الله ).
وفي خلاصات لعدد من أبحاثه يتوصل "هرتسوغ" لنتيجة علمية مفادها أن جميع الروايات التوراتية وحروب بني "إسرائيل" بقيادة "يشوع بن نون" لا تستند إلى أي واقع حقيقي.
كما أن التوراة "تبالغ كثيراً في تصوير قوة تحصينات المدن الكنعانية التي يقال بان بني "إسرائيل" قد غزوها: "مدن كبيرة ومحصنة ومرتفعة حتى السماء"(السفر 9ـ1).
كما أثبتت المكتشفات الأثرية الأخيرة في "إسرائيل" وحسب بحث علمي نشر في 2000 في جريدة الاتحاد الإماراتية أن مملكة "داوود" و"سليمان" المتحدة، التي تظهرها التوراة كقوة عظمى إقليمية في زمنها، لم تكن في الواقع أكثر من مجرد مملكة قبائلية صغيرة . وهي نتيجة تخالف ما تتحدث عنه التوراة من قيام دولة يهودية في فلسطين استمرت مئات السنيين .
إن ما سبق يجعل من الضروري أن يتابع الباحثون العرب المختصون بالآثار وبالتاريخ وبخاصة التاريخ اليهودي بحوثهم في تدعيم الدراسات والبحوث دحضت ونفت الرواية الإسرائيلية – الصهيونية حول ارتباط اليهودية بفلسطين التاريخية، فهي معركة كبرى تضاهي المعارك بالسلاح ، والإسرائيليون أنفسهم يخافونها لعلمهم أنها معركة خاسرة لأن حقائق التاريخ والجغرافيا وعلم الآثار كلها لا تصب في صالح "الكذبة الكبرى المسماة" أرض الميعاد!