المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Cat
المشهد الأول: يحضن مقاتل من داعش قطة صغيرة، تظهر بكل وداعتها مسترخية بين يديه فيعلّق على الصورة قائلاً "رفقاء تجاه مخلوقات الله قساة على الكافرين".
المشهد الثاني: عنصر من داعش يزنّر قطاً بحزام ناسف قبل إرساله إلى صفوف "الأعداء" لتفجيره.
المشهد الثالث: داعش يصدر فتوى بتحريم تربية القطط، ويشنّ حملة لتطهير العالم منها، وذلك "تماشياً مع الرؤية والإيديولوجية والمعتقدات الخاصة بالجهاديين".
يمكن وصف العلاقة بين داعش والقطط بـ"المعقّدة"، فمن "الحبّ الكبير" الذي احتفت به صفحات التواصل الاجتماعي لمقاتلي داعش منذ مدة، إذ تعيش القطط بأمان بينهم، يعطفون عليها ويهتمون بها ويشاركونها لحظاتهم "الحميمة"، إلى القطيعة التامة مع فتوى تحريم تربيتها والأمر بقتلها.
والقطط لم تكن أولى ضحايا داعش بين الحيوانات، فقد سبقها الحمير إلى هذا المصير كما الحمام.
"القطط حرام" ولو قال الرسول عكس ذلك!
بدأت ملاحقة القطط في الموصل العراقية حيث يبسط التنظيم سيطرته. السبب كان فتوى أصدرها مفتي التنظيم في المنطقة، وفيها يحرّم تربية القطط داخل "حدود الخلافة"، تماشياً مع الرؤية والإيديولوجية ومعتقدات الجهاديين.
ولم يكفِ سكان الموصل صنوف التهديد المختلفة التي يعيشون في ظلها، فأضيف إليها تهديدهم بعدم خرق هذه الفتوى، تحت طائلة العقوبة، فيما واصل عناصر التنظيم تفتيش المنازل بحثاً عن قطط... ومرتدين.
لا يوجد في التاريخ الإسلامي ما يسند فتوى داعش الجديدة، بل على العكس من ذلك. يزخر هذا التاريخ بروايات كثيرة تفيد بضرورة الرفق بالحيوان، وحرمة إجاعته والتلهي به وطول المكوث على ظهره وتحميله أكثر من طاقته، وصولاً إلى رحمته قبل ذبحه إن كان يؤكل، كرواية المرأة التي دخلت النار بسبب هرة، إذ "ربطتها فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض" (البخاري ومسلم). والروايات المتكررة عن الصحابي أبي هريرة الذي عرف بحبه للهررة وأخذ لقبه منها، إذ كان يحمل في كمه على الدوام هرة صغيرة، في حين تذكر الكتب أن النبي كان يسمي القطط من الطوافين والطوافات في البيوت، ويسمح للهررة بالصعود على ظهره، وكان يتوضأ بالماء حتى لو شربت منه هرة. باختصار، وعلى عكس الكلاب، اعتُبرت القطط في الإسلام "طاهرة" ويمكنها الدخول حتى إلى المساجد.
عندما لم تكن القطط حراماً
لكن المفاجأة في الفتوى الأخيرة لم تكن بمخالفة التاريخ الإسلامي، فداعش لم يتردّد في سنّ فتاوى تبيح له قتل شيوخ ورجال ونساء وأطفال، حتى لو تعارضت مع الروايات الإسلامية التي يدّعي أنه يقاتل في سبيلها. المفاجأة كانت في تغيّر علاقة التنظيم مع القطط، إذ تُظهر صور مقاتليه، التي شاركوها على وسائل التواصل الاجتماعي قبل عامين، حباً متبادلاً. شاهد العالم صوراً لمقاتل يسكب الحليب لقطة كي تشربه، وآخر يحضنها ويلاعبها، بينما تظهر قطة أخرى مستلقية بسلام إلى جانب رشاش حربي وتشاهد شعار الدولة الإسلامية على شاشة أحدهم، وأخرى تدعى "لوسي" تنام وهي تحضن قنبلة يدوية بينما كتب صاحبها عن لسانها "اقترب أكثر وسأفجر البيت بأكمله".
هل كانت هذه الصور تظهر حقاً "رأفة ورقة"؟ لا يشي تاريخ مقاتلي داعش الدموي بهذا الأمر، كما لم تشِ صورة هتلر الحميمة مع كلبه برقته. فسّر المراقبون الصور بأنها تقنية لاجتذاب المقاتلين الأجانب، وهذا ما أشارت إليه تقارير الأمم المتحدة، متحدثةً عن توافد آلاف الجهاديين إلى العراق وسوريا، وتأثر الكثيرين بهذه الصور. وعليه تبقى الصور في إطار البروباغندا الهادفة إلى تلميع صورتهم أمام الشباب المرشحين للتجنيد في العالم الغربي، الذين يتعاطفون عادة مع مدلولات مماثلة، ولإقناعهم بأن المقاتلين يستمتعون بتفاصيل حياتهم اليومية أيضاً.
… أما الحمير والحمام
انتشرت في وقت سابق صور لأبي بكر البغدادي على الحمير في الموصل، فخرجت فتوى بتحريم اقتناء الحمير، ولاحق عناصر التنظيم هذه الدواب ومقتنيها.
وفي مناسبة أخرى، أعلن الجهاديون في محافظة الفرات في العراق وسوريا منع تربية الحمام على أسطح المنازل، وذلك لظهور عورة الحمام أثناء طيرانه وهو ما يعتبر سلوكاً شائناً. ثم قاموا بإمهال السكان أسبوعاً للتخلص من الحمام أو سيواجهون عقوبة الجلد علناً. قبل ذلك، استغل التنظيم الحمام الزاجل لنقل الرسائل بين عناصره. وبطبيعة الحال لا يشبه الوضع اليوم ما كان في الماضي عندما وُجد مسلم يقول ما قاله الخليفة عمر بن عبد العزيز "انثروا القمح على رؤوس الجبال لكي لا يقال: جاع طير في بلاد المسلمين".