آل بيت رسول الله عليه وعليهم أفضل الصلاة وأزكى التسليم
الحمد لله الذي لا إله إلا هو المتفرٌد في الملك والملكوت الذي لا حركة ولا سكون إلا بعلمه وإذنه والقائل:والله خلقكم وما تعملون. والصلاة والسلام على من أوتي جوامع الكلم, وجعل لسانه ينبوع الحكم سيدنا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق , صلاة تفتح بها لنا طريق الخير وعلى آله وصحبه مصابيح الظلم , الذين قاموا بنشر دعوته في الأمم.
وبعد نحمد الله الذي جعل من أوليائه أوتادا , وعبٌر عنهم القرآن الكريم بلسان الإشارات بالجبال الراسيات وجعل منهم أركانا لحفظ العالم من التفكك والتبعثر وقسم أقاليم الدنيا على بعضهم وجعل منهم أمناء على أسراره الألوهية, وحقائق الموجودات , ووكل بعضهم على العمل بحقيقة الملكية .
أخرج الطبراني في معجمه الكبير, والرافعي في مسنده بإسناده إلى ابن العباس رضي الله عنهما, أن رسول الله قال: من سره أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن غرسها ربي , فليوال عليا من بعدي , وليوال وليه . وليقتد بأهل بيتي من بعدي, فإنهم عترتي , خلقوا من طيني , ورزقوا فهمي وعلمي , فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي , القاطعين فيهم صلتي , لا أنالهم الله شفاعتي وعلى المؤمن المسلم أن يتأمل في هذا الحديث كثيرا في معانيه ومراميه ونتائجه ومفاهيم عكسه ووعد الرسول ووعيده المقرون بدعائه الذي لا يرد .
وروى الإمام أحمد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني تارك فيكم خليفتين , كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليٌ الحوض , فانظروا كيف تخلفوني فيهما .
وهذا يدل كل الدلالة على وجود إمام من العترة الطاهرة في كل زمان يكون صنوا للكتاب وتوأمه القائم به , وليس شيء ثالث والسنة داخلة في الكتاب لأنها تبين ما جاء فيه وهذا معنى قول سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه: " أرقبوا محمدا في أهل بيته " أي أرقبوا في كل زمان رجلا من العترة الطاهرة يقوم بالكتاب والسنة , ظاهرا بأخلاق الرسول وعٌٌلمه وعمله , وهو صورة محمدية كاملة في الوجود لا يخلو زمان من هذا النوع .
فيكون هو إمام وقته وقد قال رسول الله من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ، وروى الطبراني في معجمه الأوسط والسيوطي في إحياء الميت والنبهــاني في الأربعيـن أن رسـول الله قال: من أبغضنا أهل البيت حشره الله يوم القيامة يهوديا
ولذلك قال الفرزدق :
من معشر حبهم دين وبغضهم كفر
فرض من الله في القرآن أنزله
كفا كموا من عظيم الفضل أنكموا
من لم يصلٌ عليكم لا صلاة له
وروى الهيثمي في تفسير قوله تعالى: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا
إن هذه الآية من الآيات التي نزلت في أل البيت , أي أنهم هم حبل الله الذي أوجب الله الاعتصام به , وأخرج الثعلبي عن ابان بن ثعلب عن الإمام جعفر عليه السلام قال : نحن حبل الله الذي قال: واعتصموا بحبل الله.
وقال الشافعي رضي الله عنه :
ولما رأيت الناس قد ذهبت بهم
مذاهبهم في أبحر الغي والجهل
ركبت على اسم الله في سفن النجاة
وهم أهل بيت المصطفى خاتم الرسل
وأمسكت حبل الله وهو ولاؤهم
كما قد أمرنا بالتمسك بالحبل
وروى الحاكم بالسند الصحيح إلى ابن العباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف, فإذا خالفتهما قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس " . أعاذنا الله وإياكم , ونسأل الله أن يثبت أجرنا وأن يجعلنا في حزبهم تحت لواء جدهم يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وأن يجعله هدى ونورا للمسلمين .
ومن هذه الأحاديث نتعرف على أن الله قد أوجب علينا حبهم وولائهم ومودتهم والسمع والطاعة لهم لنكون بشفاعتهم يوم القيامة بيض الوجوه , وأما إذا كنت من الذين يقولون يكفينا أننا مؤمنون ونصلي ونصوم ونحج فقد علمت كل ذلك بدون ولائهم لا يزيد إلا بعدا عن الله عز وجل ولا يزيد الله عليه إلا مقتا وغضبا والعياذ بالله السميع العليم .
إعلم أيها المسلم أنه قد ورد في كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم , أخبارا متكررة بأن هذه الأمة ستتعرض لفتن ومحن أغلبها في آخر الزمان , وأن أقواما سيظهرون فينسبون لأنفسهم كل كريمة ويتهمون أهل الله بالعظائم يدّعون الإسلام ويصلون ويصومون ولكنهم على غير دين الإسلام وأن خطرهم عليه عظيم, فإن الحكم على المسلم بإرتكابه العظائم أمر خطير وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما " فرحم الله إمرءا عرف قدره وجلس دونه .