عوّض المرشح الجمهوري للرئاسة الاميركية، دونالد ترامب، عن أدائه السيئ، في المناظرة الاولى، مع منافسته الديموقراطية، هيلاري كلينتون، وقدم أداء أفضل، لكنه لم ينجح في التفوق على كلينتون، التي تمسّكت بآداب الحوار ولم تبادله الشتائم، إذ استمر بنعتها بالكاذبة، وحتى هدّد بسجنها في حال أصبح رئيساً.
ولم يخرج المرشحان عن مواقفهما المعهودة، فدافعت كلينتون عن المسلمين الاميركيين، وتحدثت عن فرْض منطقة حظر جوي فوق سورية وإقامة منطقة آمنة، فيما قال ترامب إنه يخالف نائبه، مايك بنس، حول ضرورة التدخّل في سورية، موضحاً: «أنا لا أحب (الرئيس السوري بشار) الأسد، لكن الأسد يقاتل (تنظيم الدولة الاسلامية) داعش».
ومثّلت روسيا موضوع تبادل حام، فقد نددت كلينتون بمحاولاتها من اجل التأثير على نتائج الانتخابات الاميركية لمصلحة ترامب، واعتبرت انه من الضروري فتح تحقيق حول روسيا بتهمة ارتكاب جرائم حرب في سورية.
وقبل اقل من 30 يوماً على الانتخابات المقررة في 8 نوفمبر، بلغ الانحدار والبذاءة مستويات غير مسبوقة في المنافسة الرئاسية، ما اضطر الرئيس باراك أوباما الى انتقاد ترامب، بسبب تصريحات قديمة، على فيديو، يظهر فيها ترامب، متحدثاً عن مغامراته الجنسية، كما انتقد أوباما تصريحات ترامب التي لا تليق بسيد البيت الابيض، والتي تهدف ايضا الى «الحط من قدر النساء والاقليات والمهاجرين والمنتمين الى ديانات اخرى والسخرية من ذوي الاحتياجات الخاصة واهانة جنودنا ومقاتلينا السابقين...».
ولاستكمال مسلسل التراشق المتدني، ظهر ترامب في مؤتمر صحافي، قبل المناظرة، مع 4 نسوة، زعمن أن الرئيس السابق، بيل كلينتون، اعتدى عليهن جنسيا. ثم دعاهن ترامب إلى المشاركة في حضور المناظرة.
وبدا العداء ظاهراً، منذ اللحظة الاولى لدخول كلينتون وترامب، فلم يتصافحا، وبالكاد تبادلا التحية. وتلقّفت كلينتون السؤال الاول من الجمهور حول اللغة المنحدرة التي شابت المناظرة الاولى، قائلة إن هدفها هو المصالحة بين الاميركيين والتركيز على الشؤون الاكبر، كالاقتصاد. ووافق ترامب كلينتون، واعتبر أن هدفه هو رأب الصدع، وإصلاح الاوضاع، واعادة أميركا الى سابق عهدها.
وتلقّف سؤال حول فيديو تصريحاته الجنسية، قائلاً إنه تراجع، واعتذر للشعب الاميركي ولعائلته: «أنا اشعر بحرج من اقوالي»، مضيفاً: «سأهتم بمحاربة داعش».
وحاول المحاور حشر ترامب حول حقيقة ادعاءاته الجنسية، لكن ترامب نفى أنه قام بما قال إنه قام به، وأصر على أن ما قاله هو من باب الدردشة في «غرف تغيير الملابس».
وعندما طلب المحاور من كلينتون تعليقا على فيديو ترامب، قالت إن الفيديو يمثّل ترامب، وما سبق أن ادلى به اثناء حملته الرئاسية ضد النساء. وقالت: «نعم، هذا هو ترامب، ولكن الموضوع ليس فقط النساء والفيديو المذكور، بل هو استهدف الاميركيين من اصل افريقي وأميركي جنوبي والمسلمين والمعوقين جسديا، وانا اريد ان ارسل رسالة ان اميركا عظيمة لأننا جيدين، ونحترم بعضنا، ونعتدّ بتنوّعنا».
ثم رد ترامب: «كل ما قالته كلمات، شاهدتها تقولها اثناء ترشحها الى مجلس الشيوخ، وهي لم تقدم اي شيء للاميركيين من اصل افريقي، او غيرهم». ثم شن ترامب هجوما ضد بيل كلينتون، قائلاً إنه سبق أن اعتدى جنسيا على النساء، وأن هيلاري عندما كانت محامية أخرجت مغتصِب امرأة من التهمة ببراءة، وقهقهت بعدما فعلته.
وأجابت كلينتون: «ما قاله ليس صحيحا، ولكن يمكنه ان يدير حملته كما يشاء، وبدلا من الحديث عن شؤون بلدنا، عندما يقول ذلك، اتذكر ما قالته السيدة الاولى، ميشال أوباما، أنهم عندما يذهبون الى الاسفل، نذهب الى الاعلى». وتابعت انه لو كان الموضوع حول الفيديو فقط، لكان الامر مختلفا، «لكنه رجل لا يعتذر، ولم يعتذر من عائلة خان (المسلمة) الذين قتل ابنهم (النقيب في الجيش الاميركي) في العراق، ولم يعتذر للقاضي الفيديرالي المولود في ولاية إنديانا، واتهمه دونالد ترامب انه غير منصف لانه من اصول اميركية جنوبية، ولم يعتذر من الصحافي المعوق جسديا، ولم يعتذر من الرئيس أوباما لإصراره على ان أوباما ولد خارج البلاد».
وحاول ترامب إثارة النعرات بين الديموقراطيين، قائلاً إن أوباما سبق ان نشر دعاية سيئة ضدها (كلينتون)، وتغلّب عليها في سباق ماض، وانه شاهد سباقها الذي فازت به ضد منافسها، بيرني ساندرز، في شكل غير منصف. وتابع ترامب أنه إن أصبح رئيساً فسيعيّن وزير عدل ليحاسب كلينتون على بريدها الإلكتروني الذي دمّرته اثناء عملها وزيرة للخارجية.
واعتذرت كلينتون عن استخدامها لإيميل شخصي أثناء عملها وزيرة، لكنها قالت إنه بعد عام على التحقيقات، تبيّن عدم وجود دلائل على ان احدا اخترق حسابها او حصل على معلومات مصنّفة سرّية.
ثم بادرت إحدى الحاضرات - وهي مسلمة اميركية - الى السؤال حول موقف المرشحين من تصاعد موجة العداء للمسلمين في الولايات المتحدة، فأجاب ترامب أن «على المسلمين ان يشوا بما يشاهدونه، وهي (كلينتون) والرئيس أوباما يرفضون التفوه بكلمة إرهاب إسلامي متطرّف». ثم قالت كلينتون: «للأسف، هناك الكثير من الامور السيئة التي قيلت عن المسلمين، حتى النقيب خان، الذي قدم روحه فداء للبلد، تعرض لهجوم من دونالد (ترامب)».
ولفتت كلينتون بدورها، الى مسلمين اميركيين ممن قدموا الكثير لأميركا، من امثال الملاكم الراحل، محمد علي كلاي، واصفة حديث ترامب عن المسلمين بالخطير، وذكرت أنها عملت مع مجموعات إسلامية كثيرة، وسمعت منهم كيف يريدون ان يكونوا جزءا من أميركا، وان يساعدوا في إلحاق الهزيمة بداعش. واضافت انها ستسعى إلى العمل مع الحكومات الإسلامية لإلحاق الهزيمة بداعش، موضحة: «نحن لسنا في حرب مع الاسلام، وأقوال من هذا القبيل تساعد داعش وتضر بنا وبأمننا القومي».
ثم تراجع ترامب عن حربه مع عائلة خان، وقال إن ابنهم كان بطلا، وإنه لو كان رئيسا، لما مات خان، لانه لم يكن ليشن حرباً على العراق. وعندما حاولت المحاورة حشر ترامب لانتزاع موقف منه، حول دعوته لإغلاق الحدود في وجه المسلمين، تهرّب من السؤال في شكل متكرر، مبيناً انه يسعى الى فرض عملية مراقبة مشددة بحق من يدخلون قادمين «من سورية».
وعن دعوتها زيادة عدد اللاجئين السوريين، الذين على أميركا قبول دخولهم، قالت كلينتون إنها لن تسمح لأي أحد يريد إلحاق الاذى بأميركا بالدخول، وإنها ستفرض تمحيصاً بهوية الوافدين، ولكن سياسة أميركا ستبقى حدودا مفتوحة، وإن أميركا لن تمنع الناس من الدخول بناء على دينهم «فنحن بلد مبني على لاجئين هاربين من الاضطهاد الديني». وتابعت: «أعتقد ان ما قاله (ترامب) عن المسلمين غير مسؤول، ويمكنكم مطالعة مواقع المتطرفين لترون انهم يستخدمون أقوال دونالد ترامب لتجنيد مقاتلين».
ثم هاجمت كلينتون علاقة ترامب ببوتين، ولفتت إلى أن على ترامب كشف ضرائبه ليرى الاميركيون إن كان يرتبط بعلاقات مالية مع الروس، فأجاب ترامب أن لا علاقات له مع الروس.
وحول سورية، اثارت المحاوِرة موضوع صورة عمران، الطفل الناجي من غارة في حلب، وتوجهت الى كلينتون بالسؤال: «إذا ما اصبحت رئيسة، ماذا ستفعلين في سورية التي صارت كالهولوكوست»؟ فأجابت كلينتون: «الوضع في سورية كارثي، وكل يوم نرى الاسد والايرانيين والروس في الجو يقصفون حلب، وهناك تصميم روسي على تدمير حلب لإنهاء آخر ثائر سوري صامد في وجه الأسد. روسيا لا تهتم بداعش، بل تريد القضاء على خصوم الاسد». وكررت كلينتون دعوتها الى فرض منطقة حظر جوي، وانشاء منطقة آمنة، ومواجهة العدوان الروسي، وتابعت ان بوتين يريد ان يقرر الامور في سورية وحتى في الانتخابات الاميركية. أضافت: «سأذهب الى المفاوضات مع روسيا (حول سورية) مع أدوات أكثر في يدي».
وقال ترامب إن كلينتون كانت وزيرة عندما رسم أوباما الخط الاحمر، وقاطعته قائلة»: «لا لم أكن، كنت قد رحلت». وقال ترامب انها تتحدث بقوة ضد بوتين والأسد وتدعم الثوار، ولا تعرف أحدا منهم، و«اذا سلّحناهم ونحن لا نعرفهم، يصبح الوضع أسوأ». وتابع أن «الاسد يقتل داعش، روسيا تقتل داعش، إيران تقتل داعش، وهولاء مع بعضهم بسبب سياستنا السيئة».
وكرّرت المحاوِرة سؤال ترامب عن موقفه من الأزمة الانسانية في سورية، وذكّرته بقول بنس، أن على اميركا التدخّل عسكرياً في سورية، فقال ترامب: «نحن لم نناقش الموضوع، وانا لا اتفق مع بنس».
وحول سؤال: «هل ستستخدمين القوة العسكرية ضد الأسد»؟ أجابت كلينتون: «لن أستخدم قوات اميركية ارضية في سورية، اعتقد ان هذا سيكون خطأ كبيراًَ، ولا أعتقد ان على القوات الاميركية احتلال اراض، اعتقد ان علينا اللجوء الى قوات خاصة، كما نفعل في العراق. آمل انه في الوقت الذي اصبح فيه رئيسة أن نكون أخرجنا داعش من الموصل».
وفي اشارة الى نيتها الافتراق عن أوباما بتسليحها ثوار سورية، قالت كلينتون، إن على أميركا «إعطاء إشارات للسنّة والأكرد اننا كلنا نشارك في هذا»، داعية إلى استهداف زعيم «داعش» ابو بكر البغدادي.
وأظهر استطلاع أجرته «سي إن إن» و«أو آر سي»، ان 57 في المئة من الاشخاص الذين تابعوا المناظرة، اعتبروا ان كلينتون هي الفائزة فيها.