قصة حقيقية
تصلح ان تكون فلم
بقلم حمزة الحلفي
مدينة الثورة
كاظم وشيرين حمزة الحلفي
كلما تخون بي ذاكرتي وتطوي صفحات أرشيفها في خزينتي الوافرة بالشخصيات والمواقف المتميزة على نحو ثلاثة عقود، أتذكر (شيرين) فقط حينها تنفتح أبواب تاريخي الذي استعصى على لسان استذكاري،
وشيرين فتاة كوردية جاءت مع أهلها لتسكن في (دربونتنا) أسوة بقومها الذين اتخذوا قطاعات من مدينة (الثورة) ليكون باسمهم (حي الأكراد).آنذاك كانت في فتوة عمرها وهي طالبة متوسطة، شقراء بعيون ملونة، جميلة في كل شيء.عند عودتها من المدرسة وذهابها تسير بثقة. واجمة لا تبتسم ولا تلتفت بوجه الذين يقفون طوابير للفوز بلحظة رؤيتها. وكان معجبوها لا ينحسرون بسن أو عمر معين، فكل الأعمار من الأطفال وحتى الشيوخ ينظرون اليها منذهلين، يعضون على شفاههم رغبة واحتراقاً، وعلى جانب آخر من هذا الجمع الكبير من متيمي شيرين يقف منزوياً (كاظم مدلول) الأكثر حباً واتقاداً لهذه الأميرة الكوردية كما يسميها، وكاظم هذا شاب زنجي مثقف يكتب الشعر وأعتقد انه كان ينتمي لحزب يعارض البعث، شجاع، شهدت له منطقتنا معارك ملحمية كان هو البطل المنتصر فيها. تابعته عندما ينظراليها، كان مختلفاً عن الذين يتحرقون اليها، فالبريق الذي يظهر بين عينيه له لون آخر مثل لون العفة، وكم من مرة لاحظته يحمل بين يديه كتاباً مكتوباً عليه (عطيل)،
ورغم فضولي لم أتبين ما علاقة هذا الكتاب بـ(كاظم) إلا بعد حين أدركت العلاقة التقريبية ما بين شكسبير بـ(عطيله) وكاظم مدلول بـ(شيرينه).وعندما توضح الحب الكبير الذي يحمله هذا الفتى الأسمر لهذه الشقراء المستحيلة تعاطفنا كلنا مع كاظم وشعرنا بمتعة هذا الحب والصراع الذي كان بمثابة فيلم الجمعة العربي، وكأننا نعيش ميدانياً قصة (عنتر وعبلة) او (الغنية والفقير) وغيرها من الفوارق التي تستدر عطف المشاهد لصالح بطل الفلم المظلوم.لكن شيرين أزعجها هذا التصور وبدأت تتضايق واحياناً يحرجها البعض بأن يسمعها (تصجيمه) بين سطورها (كاظم) حتى في يوم سمعنا صوتها لأول مرة بلغة ما بين العربي والكوردي وهرعنا لنجدها تصيح بوجه كاظم بكلام قاسيٍ (احترم نفسك انت منو حتى تحبني يا أسود......).كانت هذه الكلمة بمثابة الخنجر الذي أحدث جرحاً أحسسنا نحن بطعنته حتى صرنا نكره شيرين ليس تضامناً مع كاظم ولكننا رأينا الوجه الآخر لها كان بشعاً لا ينتمي لصورتها المرسومة في أمنياتنا ولم يمض على هذه الحادثة يومان حتى فوجئنا بصريخ أم كاظم (الحكوا كاظم مات) شاهدناه مسجى دون انتحار.. توجهنا نحن اطفال الدربونة نصرخ ونضرب بالحجارة بيت شيرين لعلمنا هي القاتلة الأولى له وظل الحال لأشهر بعد وفاة كاظم المفاجئة لم نعد نرى شيرين التي انقطعت حتى عن المدرسة وكان الفضول يدفعنا بعيون غادرتها البراءة عن حقيقة اختفاء شيرين وما كنا نحصل على معلومة تلجم فضولنا عن هذا ما عدا صراخها الذي كنا نسمعه بأوقات متفاوتة من حين إلى آخر خلال هذه الفترة.
وأخيراً في ظهيرة من يوم تموزي خرجت علينا شيرين بنسختها الأخرى المفزعة وعبثاً تخلصت من أيادي أهلها لتركض لاهثةً باتجاه بيت كاظم بثياب ممزقة وعيون حمراء ووجه تغيرت ملامحه الملائكية إلى آخر مرعب تضحك وتبكي في وقت واحد م تصرخ قائلةً (أريد أشوفك حبيبي .. أني احبك.. أنت وينك؟) ولما أراد إخوتها إرجاعها إلى البيت احتمت بأم كاظم التي ضمتها بقوة إلى حضنها وتعالى صراخهن بالبكاء الذي أبكانا وكم كنا نتمنى أن يكون كاظم بيننا يسمعها تقول الكلمة ..التي لو قيلت ما مات ...ولا شيرين دخلت (الشماعية).. مستشفى الأمراض العقلية.