أختي العزيزة ليديا .. أتركي هذا التساؤل حتى يأتي وقته .. حينها ستدركين الأمر ههههه .. مرحباً بك وبتفاعلك المشجع على الاستمرار
الحلقة الثانية
تحدثنا ضمن مفردات الحلقة الأولى عن أثر الثقافة التي ينطلق منها النص وهو الجانب المتعلق بالنص فيما يدعى بالسياق السوسيولوجي والحق أنه هذا السياق الاجتماعي الثقافي لا يتعلق بالنص فحسب بل له علاقة راسخة ومتأكدة بالمتلقي ذاته ، فالمتلقي يتلقى في حدود كينونته الثقافية ، أي في حدود ـ طبيعة الثقافة وبيئتها ـ وبمعنى آخر فإنه يتلقى مرهوناً بثقافته التي نشأ في أطرها ، وعلى وفق ذلك فإن كل قراءة للنص الواحد هي قراءة متأثرة بالبيئة الثقافية للقارئ .
كما تحدثنا في حلقتنا الأولى عن خصوصية اللغة ، وإنه لمن المناسب هنا أن نشير باختصار أيضاً لخصوصية أخرى ألا وهي خصوصية النص ، والحقيقة أن أشكال هذه الخصوصية تتعدد وتتداخل ، الأمر الذي يجعلني هنا أفضل عدم الخوض بتفاصيل هذه الخصوصية بل أشير لما أراه مناسباً لما نحن بصدده ، وسأمثل له بخصوصية النص القرآني الكريم ، إذ مع إمكانية الاشتغال القرائي على هذا النص المبارك وفق بعض نظريات ومناهج النقد الحديث وإجراءاته إلا أننا نتقيد في حدود كثيرة عن مماثلة الاشتغالات التي ننجزها على النصوص الأدبية ، وما ذلك إلا لموانع كثيرة فصّل فيها القول النقاد والمهتمون بالشأن القرآني ، يكفي أن نشير لإشكالية واحدة حتى نعرف خصوصية النص القرآني ألا وهي إشكالية التجنيس ، وما نعنيه بإشكالية التجنيس أنه قد اختلف في جنس القرآن هل هو شعر أم نثر أم ماذا ؟ حتى ظهرت العديد من الآراء ولعل أكثرها شهرة هو الرأي القائل بأنه ـ القرآن ـ جنس أدبي ليس بالشعر أو بالنثر إنما هو جنس أدبي بذاته ، هنا لعلنا حملنا تصوراً عن خصوصية النص في حدود طبيعته ، بمعنى أن لكل نص طبيعة معينة مختلفة عن النصوص الأخرى بكل تأكيد ، الأمر الذي يمنح كل نص فرادته ، أليس مجابهتنا ـ كقراء ـ لنص جاهلي يختلف عن مجابهتنا لنص عمودي من العصر العباسي مثلاً مع أن كلا النصين شعر عمودي ، وبشكل أكثر خصوصية أليس تختلف قراءة نص لزهير بن أبي سلمى عن قراءة نص لعنترة بن شداد ؟ مع أنهما ينتميان لحقبة شعرية أو تجربة شعرية واحدة ، وما أردته من الأمثلة السابقة هو القول أن ما يصنع خصوصية النص عوامل كثيرة منها الجنس الأدبي ، والتجربة الشعرية الجماعية ، وأيضاً التجربة الفردية ، وغيرها من العوامل الكثيرة التي اخترت سالفاً الإعراض عنها حتى لا تتداخل الأمور عليكم أعزائي وتختلط طلباً للتبسيط ونجوز الإفهام .
إن ما طرحنا من مضامين في حلقتنا السابقة يقودنا للحديث عن مفهوم السياق الذي نعني به هنا مجموع الأطر الضامة لعناصر تجتمع وتتآلف فيما بينها لتكون بمجموعها سياقاً معيناً يجب مراعاته لاحقاً أثناء فعل القراءة ، وبعبارة أخرى وخارج أي تعقيد فإننا سنحدد هذا المفهوم ـ السياق ـ بعدة أشكال منه ، وبمعنى آخر سنكون بإزاء عدة سياقات لابد من مراعاتها أثناء فعالية القراءة لأنها ترتبط بعلاقات متداخلة ومعقدة مع النص الذي ننجز قراءته وأي إغفال لهذه السياقات سيؤثر سلباً على القراءة بوصفها ناتجاً نهائياً لفعالية المتلقي ، ويمكن إجمال تلك السياقات بــــ :
الجنس الأدبي / الشيفرة الجماعية / الشيفرة الفردية / سياق النص الواحد ... وهذه السياقات يمكن أن نسميها السياقات النصية لكونها متعلقة بالنص مضافاً لها الجانب المتعلق بالنص من السياق السوسيولوجي سابق الذكر ، أما الجانب الآخر من السياق السوسيولوجي فهو متعلق بالمتلقي ، ومع مراعاة تلك السياقات سنأمل أن تكون القراءة في أتم فاعليتها .
الجنس الأدبي /
لن نتجه صوب تعريف الجنس الأدبي لأننا لسنا بصدد تتبع تعريفه ، لأن الأغلبية منكم يعرفه تماماً ويكفي أن نعدد بعض ألأجناس الأدبية حتى تتحدد الفواصل بينها فالشعر العمودي جنس أدبي والرواية جنس آخر والشعر الحر جنس وهكذا مع بقية الأنواع أو الأجناس ، والمهم خارج التعريف هو أن نشير إلى حقيقة أن لكل جنس من هذه الأجناس قوانين عامة تحكم نصوص الجنس الأدبي الواحد ولا يمكن الخلط والتعسف في إخضاع نص من جنس أدبي لقوانين جنس آخر كما يبدو في لا منهجية قراءة رواية وفق اشتراطات وقوانين جنس أدبي كالقصيدة العمودية فنبحث عن تأثير الجانب العروضي والوزن والقافية وما إلى ذلك في تلك الرواية التي تخلو منها بكل تأكيد ، إذن لكل جنس قوانينه ولا بد من مراعاتها في القراءة ، وإن كان قد ظهر اتجاه يكسر حدود تلك الأجناس ويرتاد النص خارج إلزامات الجنس الأدبي ولكننا لسنا بصدد تناوله الآن والخوض في تعقيدات محاورته ، وما يهم أيضاً هنا في حدود سياق الجنس الأدبي هو أن النص الذي يمثل بين أيدينا للقراءة هو بالضرورة ينتمي لجنس أدبي معين ، ومن الحق أن يقال بأن أول ما يصطدم به القارئ هو العنونة التي تثير إجابة عن استفهامه حول جنس النص ، بمعنى أنني لو سألت أحدكم الآن وهو يباشر للتو قراءة غلاف الكتاب .. ماذا تقرأ ؟ لأجابني : رواية ، أو قصة قصيرة ، أو ديوان شعر ... غير أن هذه الالتفاتة للجنس الأدبي لا تحظر بشكل مباشر غالباً في القراءة غير الاختصاصية بل تبقى تفعل مفعولها خلف كواليس القراءة وتؤثر خارج إدراك القارئ البسيط غير المختص ، وأول ما يمكنني أن أشعركم به أعزائي بهذا الخصوص هو ما تثيره جملة أو حدث أو شخصية في الرواية التي تقرأ الآن في ذاكرتك ، ألا يحدث أحياناً أن تذكرك أو أن تجد رابطاً معيناً بجزء أو شخصية أو حدث ما من رواية أخرى سبق أن قرأتها أو سمعت عنها ؟ إنه الجنس الذي تنتمي له الرواية يثار جزء منه في لحظة من لحظات قراءتك الحالية لرواية ما ، وكأنك تقرأ وأنت تمتلك مخزوناً هائلاً ، أنت تقرأ رواية جديدة ولكنها تستثير مخزون قراءاتك السابقة كله عن الروايات التي قرأت ، وبمعنى آخر أن هذه الرواية الحالية التي تقرأ الآن ما هي إلا واجهة أمامية تثير دوماً وتحفز واجهة خلفية هائلة للظهور في أي لحظة والتأثير على المشهد القرائي الذي تباشره الآن ، هذا هو جانب من جوانب أهمية سياق الجنس الأدبي ، وسنعرض عن بيان المزيد رعاية للاختصار ، كما أن النقاشات التي ستعقب مراحل من مشروعنا هذا كفيلة بتغطية شئ مهم من الجزء الذي نفقده بإيجازنا للمفردات هنا .
أما الشيفرة الجماعية /
فنعني بها الخصائص والمميزات المشتركة بين تجربة جماعية واحدة ، كما لو استحضرنا تجربة رواد الشعر الحر ، عندها سندرك ما نعنيه بالشيفرة الجماعية ، فرواد الشعر الحر مثلاً امتازوا بخصائص ومميزات مشتركة تجعلنا نستدعي تجاربهم أو تجارب البعض منهم حين نقرأ نصاً لأحد شعرائهم ، وهو ما يؤثر في استدعاء التظافر الدلالي للمشهد القرائي ، بمعنى أننا قد نكون اكتشفنا في قراءة سابقة ملمحاً دلالياً معيناً ونحن نقرأ لعبد الوهاب البياتي مثلاً ، وبعد فترة وخلال قراءتنا الحالية لنص للسياب نجد ترابطاً دلالياً يقودنا لكشف آخر في قصيدة السياب الراهنة بين أيدينا للقراءة ، إن ما استدعى الترابط الدلالي هنا هو تماثل التجربة العامة بين مجموعة شعراء ، الأمر الذي يقودنا للقول بأن هذا التماثل ما كان ليكون لو تماثل والتقاء في جوانب رؤيوية متعددة جعلت التجربة العامة لهؤلاء الشعراء متماثلة إلى حدٍ ما ، كما أنه يمكن للقارئ أن يكتشف فرادة النص الراهن بين يديه من خلال المقارنة بين الأسلوب العام لمجموعة الشعراء وأسلوب هذا الشاعر من خلال نصه الراهن ، وهو ما يوفر للقارئ إمكانية هائلة لتصويب احتمالات إنتاج الدلالة .
وكذلك الحال بالنسبة للشيفرة الفردية /
التي نعني بها أسلوب الأديب الذي يميزه عن غيره حتى داخل تجربة جماعية ما ، الأمر الذي يوفر إمكانية المقارنة والمقاربة بين نص وآخر للشاعر ذاته ، إن الأمر المهم أيضاً هنا هو القدرة ـ بالاستناد على معرفتنا بالأسلوب الشخصي للكاتب ـ على الوقوف في محوري ( الاستبدال والتعديل ) وبعبارة أبسط هو قدرة القارئ على المقارنة بين استخدام الشاعر لمفردة معينة ضمن تركيب ما واستخدامه للمفردة ذاتها داخل تركيب آخر وما هو المنح الدلالي الذي طرأ بين الاستخدام الأول والثاني ، وهو الأمر الذي لا يمكن تحققه دون دراية القارئ بأسلوب الكاتب دراية تفصيلية .
أما سياق النص الواحد /
فيتمثل بعدة مظاهر منها : العنونة ، عتبة النص ، الإحالة والهوامش ، البياضات وتوزيعها ، علامات الترقيم ، الخاتمة .
وهو ما سنؤجل الحديث عنه إلى الحلقة القادمة .. لكم خالص الود أحبتي .
التعديل الأخير تم بواسطة Ammar ; 28/August/2012 الساعة 12:55 pm السبب: تعديل حرف
شكرا صديقي العزيز .. موضوع راقي ومتميز ويستحق التقييم
أخي الفاضل شاكر .. ممتن لحضورك الجميل .. وشاكر لكرم تقييمك سيدي العزيز .. كل الود لك
ما زلنا متابعين
وما زلنا نشكر متابعتكم دكتورة .. مرحباً بك فيري
التقييم مستحق لا بد منه كعرف في المنتدى
لكن تقييم استاذ عمار كشخص وكفكرة تحمل في طياتها رسالة نبيلة تهدف
الى الرقي بالقارئ من جانب واستثمار العلم في نفع الاخرين من جاب آخر
فهنا التقييم سيكون حبا في القلب وعرفانا
زودنا يا سيدي دائما بروابط هذه السلسلة كي لا يفوتنا شئ
جميل ماذكرت استاذنا الكريم .. استاذ شيفرة يستحق كل الخير فيده ممدودة بكل خير
بالنسبة لي اقترح على الاستاذ شيفرة ان يقوم بالتعديل في المشاركة الاولى في كل مرة ليعلم الوافدين الجدد بالصفحات التي توجد فيها الدروس الجديدة تباعا وبلون مخالف
وشكرا
هههههههههه حسنا استاذ ......بالمناسبة امتعتنا في الدرس الثاني بالزخم المصطلحاتي اللذيذ ..لا عجب ان تكون حياتكم انتم الادباء غزيرة بالمرح والمتعة
بالتاكيد كما قالت فيري مازلنا متابعين وشاكرين
رحم الله من علم علما وعلمه
عزيزي وسيدي مواطن عراقي .. والله أشعر بالعجز عن شكر كل هذه الروعة التي تمثلت بحضورك صديقي .. شكراااااااااااااا من القلب لك أيها العزيز حداً لا يوصف .. وكلي امتنان لكرمك المعهود وتقييمك الثمين سيدي .. خالص الود لك