الانطباعات التي نتركها عند الناس من غير قصد قد تكون صادمة بالنسبة لنا عندما نواجهها ونتعرّف عليها، ونعلم أنها هي الآثار التي تركناها لدى اللذين قابلناهم في مختلف مواقف حياتنا.
فقد تندهش أحياناً من رفض قبولك في وظيفة ما مع أنك كنت متأكداً بأنك ستحصل عليها وأنك صاحب الصفات المطلوبة، لكن على ما يبدو أن الانطباع الذي تركته في نفوس المسؤولين عن هذه الوظيفة لم يكن جيداً أبداً.
أما الدراسات العلميّة فقد أثبتت بدورها أن كل واحد منا لديه بعض ( التحيّزات ) التي من خلالها يرى العالم وينظر إلى الناس من حوله، ومن المهم أن يعرف الجميع هذه التحيّزات الموجودة لأجل تجنّبها ومعرفة كيفيّة التعامل معها.
فمن المعروف أن الأشخاص حليقي الرؤوس – الصلع – يتركون انطباعاً بأنهم أكثر هيمنة وسيطرة من غيرهم، كل هذا بدون أن ينطقوا أو يتفوهوا بأي كلمة.
فالناس غالباً ما يحكمون – شعوريّاً – على الآخرين وليس بناءً على التحليل النقدي والنفسي لسلوكهم وأفعالهم.
كمثال آخر على هذه الانطباعات نجد أن معظمنا يعتقد بأن الشخص الذي يمشي بشكل مستقيم وبخطوات ثابتة سريعة هو شخص ( عصبي وجدي )، بينما صاحب المشي المتراخي الثقيل الشبيه بمشي فرس النهر غالباً ما نصفه بأنه الشخص ( الضائع ) أو المغامر أو ما شابه ذلك.
دعنا لا نطيل في المقدمات كثيراً، ولنبدأ بسرد أبرز 7 انطباعات نتركها عند الناس أو يتركوها عندنا بدون الحاجة للتفوّه بأي كلمة أو نطق أي حرف حتى.
1/ انطباع الترحيب ( مرحباً )
( جو نافارو ) خبير في التحليل السلوكي مُنذ ما يقارب الـ 25 عاماً يقول بأنه عندما نرى شخص ما نحبه فإن حاجبينا تلقائيّاً يتقوسان نحو الأعلى في تحدي صريح بينهم وبين الجاذبيّة.
بالإضافة لأن عضلات الوجه تسترخي وتبدو أكثر راحةً من قبل، كما أن الذراعان تصبحان أكثر مرونة ومن المُمكن القول أنهما ( تتمددان قليلاً ).
وبالتالي فإننا عمليّاً رحبنا بهذا الشخص دون أن ننطق كلمة مرحباً، بل قام جسمنا بهذه المهمة تلقائيّاً وعلى الفور.
2/ انطباع عدم الموثوقيّة
للأسف، هذا الانطباع من أبرز الانطباعات التي قد نتورط بها لا شعوريّاً أثناء تعاملنا مع الناس وفي بعض المواقف الهامة التي يلزمنا فيها الظهور بشكل مُفيد وواثق أيضاً.
وفقاً لبعض الاحصائيّات، فإن انطباع أنك شخص ( غير موثوق فيه ) أو ( لا تقدّر الوقت ) من أبرز الانطباعات اللاشعوريّة التي قد تتركها في مقابلات العمل أو خلال تعاملاتك اليوميّة في مختلف المواقف.
3/ انطباع ( لدينا شيء مُشترك )
أو ليس لدينا شيء مُشترك، فالناس غالباً ما تتآلف وتنجذب نحو مَن يشبههم ويماثلهم بالأفكار والمعتقدات والعكس صحيح، إذ ينفرون بشكل كبير مع مَن يختلف معهم ولا يشبههم.
( فاليري وايت ) عالمة نفسيّة ومُستشارة في الأعمال الإداريّة تقول بأن الناس ينجذبون إليكم تلقائيّاً عندما تحدثونهم عن أشياء تخصهم أو أفكار مُتعلقة بهم أو يحبونها ربما.
ومن المُمكن القول أن وجود أشياء مُشتركة معهم، وحتى تقليد بعض حركاتهم الجسديّة قد يجعلهم أكثر ألفة وأكثر مودة مما نعتقد.
4/ انطباع ( أنت كاذب أو مرتبك )
( جو نافارو ) صرّح مُجدّداً بأنه من خلال إجراءه لآلاف المقابلات الجنائيّة مع العديد من المُجرمين والمطلوبين للعدالة، توصّل إلى أن مُعظم الأشخاص الكذبة أو معدومي الثقة هم الذي يقومون برفع أكتافهم أثناء الكلام.
ليسَ بشكل مُلفت وواضح، إنما مُجرّد رفعة صغيرة للكتف وبشكل بطيء، إذ يقوم بها الجاني لا شعوريّاً إلا أنها فوراً تترك انطباع بأنه شخص كاذب أو مرتبك.
5/ انطباع ( أنا سعيد كوني معكم )
وجدَ مجموعة من الباحثين الألمان في دراسة عن عازفي الكمان الكلاسيكيين، صحيحٌ أنهم لا يتكلمون ولا ينطقون أي حرف مع جمهورهم إلا أنهم يتركون انطباعاً حسناً لدى الحضور المتابعين لهم.
إذ أن دخول عازف الكمان مع ابتسامة صغيرة على شفتيه كفيلة بإيصال الانطباع القائل بـ ( أني سعيد كوني معكم ).
كما أن الدخول بالقدم اليُمنى وبوجه مُقبل على الجمهور، قد يترك انطباعاً جيّداً أيضاً.
6/ انطباع ( أنا أحدّق بك )
هناك سوء فهم شائع بشكل كبير حول هذا الانطباع، وهو بأن الشخص غير الواثق من نفسه هو الذي يتحاشى أن ينظر بعينيك مُباشرةً.
في الواقع هذا الكلام مغلوط، إذ قام عالم النفس ( رونالد ريغو ) بالقول بأن مُعظم الكاذبين هم الذين يحاولون التحديق في عيوننا لفترة أطول، وذلك من أجل الحفاظ على أطول مدّة من التواصل البصري معنا فنشعر أنهم صادقين بأقوالهم.
لا شك أن التواصل البصري أمر مُهم، لكن التحديق المُبالغ به غير مُريح ومُربك للطرف الآخر، كما أنه يُعطي انطباعاً عنك بأنك تحاول الكذب، أو اتقان الكذب كما يُقال.
7/ انطباع ( أنا المُسيطر )
علماء النفس ( دانا كارني – ايمي كودي – اندي ياب ) وجدوا في دراسة مُشتركة لهم أن تصنّع القوة، يُعطي فعلاً شعوراً بالثقة والقوّة، فعندما تحاول الظهور بمظهر القوي فإن هرمون التستوسترون يرتقع تلقائيّاً وهرمون الكورتيزول – هرمون التوتر – ينخفض أيضاً.
وبالتالي فإن انطباع القوة والسيطرة على الرغم من ضعفك قد يصل للآخرين من خلال تصنّعك له وتمثيلك إياه.
ولا تنسَ أبداً الحكمة القائلة بأن ( الهجوم بجسارة هو نصف الانتصار ) وعلى مثيلها طبعاً، تصنّع القوة نصف القوة أو قوة بكاملها ربما.