حين تضيق النفس ، و يضطرب القلب
و تزداد قتامة الأفق ،أهرب إلى الأمنيات
و ألجأ إلى منافذ الخيال
أبحث فيها عن معبر كافٍ لاستيعاب خطوة خانقة
علّني أصل إلى ذاتي التي أحب أن أكون دائماً
فأهرب إلى دروب ترسمها لنا رغبات الآخرين
كم هو جميل التغلغل في جسد الأمنيات !
و كم هو عجيب أمر الخيال الذي لا نصادفه في محطاتنا إلا
قليلاً ، فنستعيض عنه بأمنية :
لو أنني كنت غيمة ، تسبح فوق كل هذه الأرض
بمعانيها و مغانيها
تطل من علٍ على السهول فتحييها
و على النفوس المثقلة بالأسى و الحرمان فتمسح
دموعها بمناديل المطر الشفافة
لو كنت طيراً لأعلنت استنفاراً دائماً لجناحيَّ و فردتهما
و لحملت معي كل ما بوسعي حمله من المحبة و السلام
و حلقت فوق كل العناوين النازفة أسى و حروباً
لأسقط عليها بعضاً من بلسم الجراح ، و ترياق السكينة و الطمأنينة
لو كنت موجة
لما اكتفيت بزيارات الرمال العطشى
المنتظرة هناك على الشواطئ ، و لم تستطع العناق
لو كنت نجمة لما اكتفيت أن أنام على كتف القمر
و أن أهرب كلما طلع النهار ،
و لما استكنت لإبهار الشمس
و انزويت بعيداً في غياهب المجرات
سوف أتوقد ، و أزداد لمعاناً
و أشارك الشمس توهجها الأبدي
و أقاسم البدر سُمّاره و محبيه
و معي كل تلك الأغاني ، و المواويل التي تلقيها حناجر
الساهرين على مسامع الكواكب كلها
و يستأثر بها القمر وحده
حتى إذا نام عند بزوغ الفجر
قتلها كي تتسع ذاكرته لأمسيات أخرى
مفعمة بآهات الحنين و النجوى
لو قدر لي أن أختار من أكون ، لاخترت أن أكون ذاتي
و لكن دون ضجيج الظامئين إلى نهايتي
و خُطى العابرين على ظلي
و جشع الجائعين إلى عثراتي ، و تعثر مشاعري
و هوى المنصرفين عن حقيقتهم إلى أوهامهم ، لتمرَّ أنيابهم في
جسد الذاكرة
فتحفر فيها أخاديد مليئة بالحقد و النكران
و تسافر أظفارهم في خاناتها ، فتملؤها خدوشاً
و تشوهها و تتركها باكية ترثي
زمن الوفاء ....!
لو قدر لي مرة أخرى أن أختار من أكون ..
لاخترت أن أكون قبلة حانية على جبين
الوطن ؟؟!!
و أغنية شجية
تسهر
كي تنام بيوته آمنة