يكشف تتبع الخط الزمني لمسار العلاقات البحرينية - الإسرائيلية والتي ناهز عمرها 22 عاماً عن تفاصيل لافتة لعلّ أهمّها المحورية اللافتة التي احتلها الرئيس الإسرائيلي الأسبق شمعون بيريز في هذه العلاقات. وهو ما يمكن أن يفسّر التقدير الأولي الضافي الذي خصّه به وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة لدى الإعلان عن نبأ وفاته. إذ وصفه بأنه "رجل حرب وسلام ما يزال بعيداً عن الشرق الأوسط".
الحقيقة أن بيريز هو أرفع مسؤول إسرائيلي من الجيل الأول المؤسس الذي واظب على بناء نسق منتظم من العلاقات مع القيادة السياسية البحرينية من خلال كل المناصب التي شغلها في القيادة الإسرائيلية. فقد التقى في مناسبات مختلفة رأسيّ هرم السلطة في البحرين الملك وولي عهده.
كانت الفاتحة في العام 2000 بلقائه ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة على هامش اجتماعات مؤتمر "دافوس" العالمي. ويومها كان بيريز يشغل منصب وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي. وتكرّر اللقاء بين الرجلين مرّة أخرى في العام 2006 على هامش اجتماعات مبادرة كلينتون العالمية. لكن هذه المرّة كان بيريز نائبا لرئيس الوزراء الإسرائيلى.
ولي عهد البحرين يصافح شمعون بيريز
وكان تتويج هذه العلاقات التي تولى هندستها بشكل فعّال الدبلوماسي الإسرائيلي بروس كشدان، هو اللقاء السري الذي جمع كلاً من بيريز وتسيبي ليفني مع ملك البلاد حمد بن عيسى آل خليفة في نيويورك العام 2009 على هامش مؤتمر حوار الأديان الذي عقد في الأمم المتحدة. وهذه المرّة كان بيريز قد أصبح الرّئيس التاسع لدولة "إسرائيل".
من غير معرفة المزايا الحقيقية التي جنتها البحرين من وراء تطوير العلاقة مع "إسرائيل" في ظل رفض شعبي واسع؛ لكن غير المؤثر على الإطلاق، فإنه في المقابل يمكن تلمّس بوضوح المزايا التي حققتها الأخيرة والتي أهمّها تطبيع العلاقات الاقتصادية والسياسية المنفردة مع دولة خليجيّة.
لقد أعلنت البحرين العام 2005 رفع الحظر عن البضائع الإسرائيلية وإغلاق مكتب المقاطعة. في الوقت الذي أصبح خطْب الود الإسرائيلي واحداً من لوازم الخطاب في السياسة الخارجية البحرينية.
على سبيل المثال فقد طالب وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة في خطاب العام 2008 بتأسيس تجمع شرق أوسطي يضم "إسرائيل". ودعا ولي العهد في مقال بصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إلى مخاطبة الإسرائيليين من خلال وسائل الإعلام الإسرائيلية ذلك أننا "نحن العرب لم نفعل ما فيه الكفاية للتواصل مباشرة مع الشعب الإسرائيلي". وتحدث وكيل وزارة الخارجية البحريني حمد العامر بصراحة في تصريح العام 2013 عن "إمكانية التحالف وتطبيع العلاقات مع "إسرائيل".
أما الملك البحريني فاختصر كل ذلك على طريقته كملك مستحوذ على السلطات في الكلمة التي أسرّ بها للحاخام مارك شنير لدى زيارته المنامة هذا العام 2016. فقد قال له "إن فتح العلاقات الدبلوماسية مع "إسرائيل" ما هي إلا مسألة وقت".
خلال 22 عاماً من عمر العلاقات البحرينية الإسرائيلية زار البحرين كل من المسؤولين الإسرائيليين التالين: وزير البيئة الإسرائيلي يوسي ساريد العام 1994. المدير العام السابق في وزارة الخارجية الإسرائيلية رون بروساور مبعوثا من تسيبي ليفني العام 2007. أما لقاءات المسؤولين البحرينيين بإسرائيليين في الخارج فهي أكثر من أن تحصى. وتمثل اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة مناسبة سنويّة متكرّرة لعقد وزير الخارجية البحريني لقاءات على هامشها مع اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة مثل منظمة "آيباك" و"اللجنة اليهودية الأميركية" ومنظمة "بني بريت" ومندوب عن "اللجنة الأميركية اليهودية لمكافحة التشهير".
وفيما تنتظر العلاقات الدبلوماسية بعض الوقت يجري ملف العلاقات الاقتصادية على خطى أكثر تسارعاً. لا يقتصر الأمر على البضائع الإسرائيلية التي يجري الكشف عنها في البحرين بين آونة وأخرى، ولا على دعوة تجّار ألماس إسرائيليين للمشاركة في معارض بالمنامة، أو توقيع اتفاقيات تحسين صورة مع شركة "ميمري" الإسرائيلية، إنما على مسار اقتصادي أكثر عمقاً. ويأتي اعتراف وزير الخارجية البحريني العام 2015 في حديث مع قناة "سكاي نيوز" الأمريكية بأنّ البحرين ودول خليجية تجري مفاوضات لشراء منظومة الصواريخ الإسرائيلية المتقدمة المعروفة بـ"القبة الحديدية" من خلال متعاقدين أمريكيين ليكشف عن هرولة متقدّمة في سباق المسافات التجاري. وهي المفاوضات التي قالت القناة إنها "قد تعادل عشرات، وربما مئات، المليارات من الدولارات".
استخبارياً تطالعنا برقيات "ويكيليكس" العام 2011 بمعلومات لافتة عن الاتصالات بين البحرين وجهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد". وهو الشيء الذي أقر به الملك البحريني نفسه في لقاء جمعه مع سفير الولايات المتحدة. ليعود الجيش الإسرائيلي في العام 2014 ويقرّ بالمزيد. مثلاً قال في تقرير نشره على موقعه إن البحرين سلمت "إسرائيل" معلومات استخباراتية عن إيران ومنظمات فلسطينية.
حتى الآن لا يبدو أن شيئاً قادراً على فرملة العلاقات البحرينيّة - الإسرائيليّة. أما ردود الفعل الشعبيّة الرافضة فهي متوقعة المدى والتأثير. وقد طوّرت البحرين إلى حدّ بعيد نظام تأقلم مع هذا النوع من الرّدود.
المصدر قناه العالم