لطالما كانت محاربة الإرهاب الحجة الدائمة لارتكاب الجرائم، وإشعال الحروب، ويبدو أن هذه الحجة لن تنتهي يومًا، أمس أصدر الكونجرس الأمريكي قانون جاستا لمحاكمة الدول المتورطة في الأعمال الإرهابية، وعلى رأسها هجوم 11 سبتمبر، ومن هنا بدأ التوتر بين الولايات المتحدة والسعودية، باعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية تتهم السعودية بأنها وراء الهجوم، فما هو قانون جاستا الذي أشعل الحرب بين أمريكا والسعودية؟ وهل الهدف منه محاكمة رعاة الإرهاب بالفعل؟ أم إنه مجرد محاولة جديدة من الولايات المتحدة للهيمنة والسيادة على الدول؟

ما هو قانون جاستا ؟
هو قانون أصدره مجلس الكونجرس الأمريكي، باسم “قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب“، القانون يعطي الحق لأسر ضحايا الأعمال الإرهابية وعلى رأسها هجمات 11 سبتمبر التي استهدفت مركز التجارة العالمي والبنتاجون، بمحاكمة ليس المتورطين في الأعمال الإرهابية أنفسهم بل حكوماتهم، أي أن تقوم الأسر المتضررة باللجوء إلى محامين يطالبون هذه الدول المتهمة بالمثول أمام المحاكم الفيدرالية، ومن ثم بدء المحاكمة والمطالبة بالتعويض، أي أن القانون باختصار شديد يسمح للأفراد بمحاكمة الدول!
وكان أوباما أول من أبدى اعتراضه ضد قانون جاستا، حيث رأى فيه إضرارًا بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية بالدرجة الأولى، فضلًا عن كون القرار تعدي واضح على سيادة الدول، وهو ما لم يعجب أعضاء مجلس الشيوخ، الذين صوتوا بالرفض على فيتو أوباما بأغلبية 97 صوتًا مقابل صوت واحد، ومن الجدير بالذكر أنها المرة الأولى التي يتم فيها رفض اعتراض أوباما على أي قرار أو قانون يصدر داخل مجلس الشيوخ، ما جعل البعض يفسر ما حدث بمسرحية هزلية كان بطلها أوباما بمشاركة مجلس الشيوخ.

كيف سيكون العالم بـ “جاستا”؟
ستسود الفوضى… هكذا ببساطة شديدة، لكن لماذا؟ وما الضير في أن تُحاكم الدول المتورطة في الأعمال الإرهابية؟ حسنًا سأخبرك…

1- رفض الاتحاد الأوروبي القانون واعتبره تعدي واضح على سيادة الدول، ومخالف لكل ما جاء في ميثاق الأمم المتحدة بخصوص حرية سيادة الدول، ومبدأ المساواة بين الدول، التي بقانون جاستا لن تتعدى كونها كلمات على ورق، القانون يجردها من قيمتها تمامًا.

2- بما أن القانون خرج من الولايات المتحدة الأمريكية، لمحاكمة الدول المتورطة في هجوم 11 سبتمبر وغيرها من الأعمال الإرهابية، سيدفع البعض للتساؤل؛ وماذا عن أمريكا نفسها؟ ألم تقم بأعمال إرهابية هى الأخرى؟ إذن فليفتح الباب على مصراعيه، ولتصدر كل دولة قانونًا يعطي شعبها الحق في مقاضاة أمريكا، وتصدر القوانين هنا وهناك بلا كابح، ونعيش حالة من العبث التشريعي بين الدول، لأن كل دولة ستصدر قانون خاص بها يحميها من الدول الأخرى، ويعطيها الحق في السيادة عليها، ومطالبتها بالمثول للحكم تمامًا كالأفراد.
3- عندما تفقد الدول هيبتها كدول وتعامل كأفراد، وفقًا لقوانين على شاكلة قانون “جاستا”، ستتأثر العلاقات الدولية سلبًا وتنهار الثقة بين الدول، وهذا بدوره يؤثر على الاقتصاد والسوق العالمي، حيث ستصل التعاملات الاقتصادية بين الدول إلى أدنى مستوى.

4- والأدهى من ذلك كله، أن هذا القانون يعطي رسالة للعالم مفادها؛ أن القضاء الأمريكي له السلطة المطلقة، وله الحق في معاملة كافة الدول كالأفراد، ومطالبتها بالمثول للمحاكمة.

5- وأخيرًا القانون نفسه سيضر بكافة مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وتعاملاتها الاقتصادية والسياسية كما أشار أوباما.


هل السعودية هي المعنية بهذا القرار؟
بالرغم من أن دول كثيرة اعترضت على القانون، من بينهما دول تنضم للاتحاد الأوروبي، اعتبر البعض أن القانون موجه بالأساس للسعودية، فالكونجرس الأمريكي ركز على هجوم 11 سبتمبر وطالب بمحاكمة الدول التي ينتمي لها المتورطون، وكون الولايات المتحدة توجه أصابع الاتهام للسعودية بأنها المدبر للهجوم، اتجهت أعين العالم أجمع على السعودية، أو بمعنى أوضح رأى البعض أن ثمة محاولة خفية بمطالبة السعودية بالمثول أمام المحكمة، أما السعودية فقد اعتبرت القانون انتهاكًا واضحًا لميثاق الأمم المتحدة، ولسيادة الدول وكافة مبادئ القانون الدولي، ورفضت كل ما جاء به جملة وتفصيلًا.

يرى محللون سياسيون أنه قد يتم رفض القانون في اللحظة الأخيرة، فالولايات المتحدة الأمريكية لن تهتم سوى لمصالحها، ومع دولة ثقيلة الوزن كالسعودية صاحبة أكبر مصدر للنفط في العالم، حتمًا ستراجع الولايات المتحدة نفسها في هذا القرار، حفاظًا على مصالحها الاقتصادية والسياسية كما حذر أوباما…


www.arageek.com