التكية مفرد التكايا؛ وكانت تبنى -في الغالب- بجوار المسجد، وتحوي غرفًا يأوي إليها طلبة العلم أو المقطوعون عن بلادهم؛ وانتشرت التكايا في عهد الخلافة العثمانية في البلدان الإسلامية التابعة لسلطتهم.

تعريف بمصطلح التكية:
والتكيّة كلمة تركية مسايرة للزاوية والخانقاه، اشتهر بها العثمانيون، وهي كلمة غامضة الأصل، وفيها اجتهادات، فبعضهم يرجعها إلى الفعل العربي "وتأ" و"اتكأ" بمعنى استند أو اعتمد، خاصة أن معاني كلمة "تكية" بالتركية: الاتكاء والتوكؤ والاستناد إلى شيء للراحة والاسترخاء.

يقول الرحالة الأندلسي ابن جبير الذي زار سورية في القرن الثاني عشر للميلاد (السادس الهجري) عن هذه التكايا: "هي قصور مزخرفة يطرد في جميعها الماء في أحسن منظر يبصر, وهذه الطائفة من الصوفية التي تقطن التكايا تعيش كالملوك في هذه البلاد, لأنهم قد كفاهم الله مؤن الدنيا وفضولها وفرغ خواطرهم لعبادته بدلًا من الفكرة عن أسباب المعايش, وأسكنهم في قصور تذكرهم بقصور الجان".

والتكية أصبحت في المعنى الأكثر شيوعًا منشأة لتقديم الوجبات الشعبية المجانية للفقراء والمجاورين للمسجد، ولمن يقومون على خدمة المساجد؛ دون أن يكون لذلك علاقة مباشرة بالصوفية. واشتهرت التكايا وعرفت في أغلب المدن الإسلامية، في دمشق وبغداد والبصرة ومكة والحجاز والسليمانية والقدس والخليل وطرابلس والمغرب العربي ومصر وغيرها من الأمصار.

تكية خاصكي سلطان في القدس:
خاصكي سلطان كانت زوجة السلطان العثماني سليمان القانوني ( 926 – 974هـ / 1520- 1566م)، وكانت من قبل جارية له واسمها الرسمي هو "خرم" وتشتهر عند المؤرخون الغربيون باسم "روكسلانة" أو "روسلانة" فهي روسية الأصل، وكان لها نفوذ كبير على السلطان، وأقامت منشآت كثيرة في كل من إسطنبول وأدرنة ومكة والقدس وغيرها [1].

ووقفها في القدس معروفة باسم تكية خاصكي سلطان، وكانت هذه المنشأة من أهم المنشآت الخيرية في القدس وفي فلسطين كلها، وما زالت تعمل وتقدم خدماتها للأسر الفقيرة، وكانت التكية تتألف في القرن العاشر الهجري من عدة مبان ضخمة، لم تبق منها الآن إلا آثار قليلة [2].

ويقع مبنى تكية خاصكي سلطان بجوار المسجد الأقصى المبارك وضمن مبنى دار الأيتام الإسلامية الصناعية حاليًا في منتصف عقبة التكية من الجهة الجنوبية ما بين رباط بايرام جاويش من الشرق وسرايا الست طنشق من الغرب، وقد كانت تكية خاصكي سلطان من أكبر المؤسسات الخيرية في فلسطين طيلة العهد العثماني، واستمرت في تقديمها الخدمات الجليلة للفقراء والدراويش والمرابطين والمسافرين لمئات السنين.

ويتألف مبنى التكية الآن من قاعة مطبخ لإعداد الشوربة وأصناف الطعام الأخرى، والقاعة تتألف من بهو مغطى بأقبية متقاطعة، جزء منه مغطى بقبو مروحي تتوسطه قبة صغيرة بها نوافذ، وفي الجزء الجنوبي مغطى بأشكال مخروطية لعملية التهوية، وفي الجهة الغربية موقدين من الحجر عليها قدور نحاسية كبيرة، كانت فيما مضى لإعداد الشوربة، ويتبع هذه القاعة غرف تقع في الجهة الشرقية تستخدم كمستودع للغلال والمواد التموينية والحبوب، وفرن خبز يقع في الجهة الشمالية المقابلة لقاعة المطبخ، ثم أعيد تشغيله لصالح لجنة زكاة القدس وإلى جوار المخبز غرف لخزن الغلال والحطب.

وزار التكية ووصفها 1101هـ / 1690م الشيخ عبد الغني النابلسي وقال عنها: "ومن تكايا القدس المشهورة، تكية خاصكي سلطان، الواقعة في عقبة التكية المعروفة، باسم عقبة المفتي، شرقي دار الأيتام الإسلامية".

ويوجد لوثيقة وقف تكية خاصكي سلطان أربع نسخ على شكل مخطوطة، اثنتان منها محفوظة في المكتبة الخالدية في القدس -واحدة منها باللغة العثمانية والأخرى باللغة العربية، والنسختين الأخريين محفوظتان في مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية، واحدة منها على شكل مخطوطة والأخرى ضمن سجل من سجلات المؤسسة وهما باللغة العربية، وحالتهما جميعًا جيدة.

وقد حقق ونشر الدكتور كامل العسلي في الجزء الأول من كتابه: "وثائق مقدسية تاريخية" النص العربي للوثيقة؛ وفيها: مقدمة طويلة تتحدث عن الوقف ومنافعه وثوابه عند الله تعالى، وبيان مفصل بالمنشآت التي أقامتها الواقفة في القدس ووصف لها، وهذه المنشآت هي أربع : مسجد منيف، وعمارة كبيرة فيها مطبخ ضخم إطعام الفقراء، و55 حجرة لإقامة عابري السبيل والصوفية (رباط)، وخان واسع. ثم بيان القرى والمزارع والعقارات الأخرى الموقوفة على هذه المنشآت، ويبلغ عدد القرى والمزارع الموقوفة حوالي الثلاثين قرية ومزرعة وأربعة ألوية.

وحوت الوثيقة كذلك بيان شامل بأسماء وظائف جميع العاملين بالوقف واختصاصاتهم، ومرتباتهم وعلى رأسهم متولي الوقف، ومعلومات خاصة بالمطبخ وكميات الأطعمة التي تقدم وأنواعها في الوجبات المختلفة، في رمضان وسائر الأيام والأعياد، وكيفية توزيع الطعام على الموظفين والفقراء، وكل ذلك مفصل تفصيلًا دقيقًا.

وخاتمة الوثيقة تتحدث عن التولية والنظارة على الوقف، وتاريخ انعقاد الوقف وثبوته على الوجه الشرعي الصحيح في أواخر شهر شوال سنة 967هـ / 1560م [3].

وتعد تكية خاصكي سلطان مَعلم تاريخي يتردد اسمها وفعلها في إحدى أزقة البلدة القديمة بالقدس بعقبة السرايا؛ فهي التي تسد جوع الفقراء والمحتاجين والأيتام، وتقلل من عوز العائلات الفقيرة، حتى أصبحت وجبة التكية لدى عدد من العائلات وجبة أساسية في حياتهم اليومية. حيث توزع تكية خاصكي سلطان يوميًا ما بين ستة إلى سبعة آلاف وجبة ساخنة، ويتوافد إليها المواطنون في الساعة الثانية ظهرًا من مدينة القدس وضواحيها. وقامت تكية خاصكي سلطان بتقديم الطعام بسخاء لمئات الناس يوميًا [4].

مع كثرة الأوقاف في الأرض المباركة فلسطين إلا أنه لا يوجد فيها إلا تكيتان تعمل الآن، الأولى تكية إبراهيم عليه السلام وهي في مدينة الخليل تعمل منذ أقدم العصور وإلى اليوم، والثانية بالقدس الشريف وهي بجوار المسجد الأقصى المبارك والمعروفة باسم خاصكي سلطان.

دعم وإحياء تكية خاصكي سلطان:
لسد حاجات المساكين والمحتاجين في مدينة القدس؛ دعمت جمعية الهلال الأحمر الإماراتي التكية في أواخر عام 2009م بنفقات كاملة لمدة سنة كاملة لإطعام الفقراء والمساكين والوافدين للمسجد الأقصى المبارك، لتوزيع وتقديم الوجبات الساخنة على أهل العوز في مدينة القدس المحتلة، بعد أن تفاقمت معاناة أهل القدس بسبب الجدار العازل والحصار الاقتصادي المفروض على أهالي القدس، مما أدخل العديد من الأسر المقدسية تحت خط الفقر؛ وفي السابق كانت الأوقاف الإسلامية لسنوات طويلة تتحمل العبء وحدها في توزيع الوجبات الساخنة يوميًا في تكية خاصكي سلطان في شهر رمضان المبارك، أما في الأيام العادية كانت توزع وجبة واحدة في الأسبوع؛ والآن بعد دعم الهلال الأحمر الإماراتي أصبحت توزع الطعام طوال أيام الأسبوع.

تكية إبراهيم عليه السلام في الخليل:
تكية إبراهيم عليه السلام وقفية إسلامية أنشأها صلاح الدين الأيوبي في مدينة الخليل بعد فتح بيت المقدس -وتحديدًا في عام 1187م- بهدف تقديم الطعام المجاني للضيوف والزوار والمحتاجين. ومنذ ذلك العهد حافظ أهل المدينة على الوقفية، ولا تزال تقدم الطعام يوميًا لقاصديها من الفقراء، وغيرهم من الراغبين في تذوق طعام الوقفية المنسوبة إلى أبي الضيفان إبراهيم عليه السلام.

ومنذ ما يقارب الألف عام والتكية تصنع وتقدم الطعام لمن يحتاجه، وكان يطبخ بها الدشيشة (حساء) للوافدين على المدينة ولأهلها وتوزع في ثلاثة أوقات: بكرة النهار وبعد الظهر وبعد العصر ؛ ويدق طبل عند التوزيع في المرة الثالثة يعد العصر في كل يوم.

وتحدث عن التكية العديد من السياح والرحالة منهم السائح الفارسي ناصر خسرو وابن فضل العمري وابن بطوطة .. وغيرهم ؛ ومدينة الخليل عرفت بأنها المدينة التي لا يبيت فيها جائع.

وقد أزيلت التكية وملحقاتها سنة 1964م ضمن مشروع إزالة الأبنية من حول المسجد ونقلت بعد ذلك إلى مكان مؤقت بجانب بركة السلطان في المدينة. وفي بداية 1983م قامت الأوقاف بإنشاء مبنى جديد للتكية بجانب المسجد من الجهة الشمالية وابتدأ العمل فيها في سنة 1984م؛ وتم تجهيز وتزويد هذا المبنى بكل ما يلزم التكية ويريح الوافدين ويتم الطبخ على الغاز، ولها أربعة موظفين أثناء الفترة الصباحية للتنظيف والتجهيز واثنان في فترة الظهيرة للإطعام والتوزيع.

وتتبع التكية وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية، فيما يقدم أغنياء مدينة الخليل ما يلزمها من احتياجات لإعداد وجبات الطعام الساخنة التي تتضاعف خلال شهر رمضان من كل عام.

وتقدم وجبات الحساء (الشوربة) المكونة من القمح المجروش والمطبوخ لمئات الأسر يوميًا على مدار العام، وفي شهر رمضان يتم تقديم وجبات ساخنة من اللحم والدجاج مع الأرز. وتقدم في الأيام الأولى من شهر رمضان ما يزيد على ألف وجبة يوميًا، وقد تصل إلى ثلاثة آلاف وجبة مع نهاية شهر رمضان المبارك.

أشهر التكايا في فلسطين:
ومن التكايا الشهيرة في فلسطين بالإضافة لتكية خاصكي سلطان في القدس وتكية إبراهيم عليه السلام في الخليل، تعرف كذلك تكية فاطمة خاتون ابنة محمد بك وحفيدة السلطان قانصوه الغوري آخر سلاطين المماليك، وزوجة لالا مصطفى باشا من رجالات العثمانيين، وقد بنت في جنين جامع جنين الكبير، وأقامت تكية بجواره تقدم الطعام والمأوي للأغراب والمسافرين والمعتكفين.

وتكية النبي موسى بناها الظاهر بيبرس وتحوي غرف للنوم ولإقامة وخدمة المقام، وكانت الأوقاف التي وقفها بيبرس على التكية تكفي لإطعام حشود من الزوار الذين يأتون المقام في نيسان من كل عام.

وكذلك تكية المغربي أنشأها صلاح الدين الأيوبي في حطين، ودعيت بهذا الاسم نسبة إلى شيخ مغربي عينة صلاح الدين شيخًا لها، وتكية عيون التجار وتضم حصنًا ويقع في خربة عيون التجار قضاء طبرية، أقيم سنة 843هـ زمن الشراكسة، رممه الوزير العثماني سنان باشا المتوفى سنة 1004هـ.

والتكية الدرويشية وهي إلى الجنوب الشرقي من جامع التنية بنابلس توقفت التكية بعد زوال أوقافها وأصبحت مسكنًا لأل البسطامي؛ وتكية السري السقطي غربي نابلس في جبل جزريم، وهناك أيضًا تكيتان في غزة هما تكية عبد العظيم وتكية مرغان.

دعوة لإحياء سنة الوقف لإطعام الطعام:
لا يصح في شريعة الإسلام، ولا يجوز في عرف الشهامة والمروءة، أن يرى المسلم قريبه أو جاره أو من يعلم جوعه وحاجته يتلوى في العري والجوع والحرمان، وهو من ذوي المقدرة واليسار ولا يقدم له معونة من مال، أو مساعدة من طعام أو كساء، بل نجد في نصوص الشريعة أن الذي يتأخر عن إسعاف المحتاج ويتهاون في إطعام الجائع يخرج عن حظيرة الإيمان. قال صلى الله عليه وسلم: "ما آمن بي من بات شبعانا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به" [5].

فالمسلمون كالجسد فالواجب علينا أن نبذل ما نستطيع حتى لا ينام على جوع؛ قال صلى الله عليه وسلم يقول: " أيُما أهل عرصة -أي أهل حي- باتوا وفيهم إمرءٌ جائع إلا برَأَت منهم ذمةُ الله". يقول ابن حزم رحمه الله: لو أن فقيرًا مات جوعًا في حيٌ فإني أقضي بقتل الحي جميعًا. بسبب هذا الذي قد مات جوعًا وهو بينهم، يُقضى بقتل الحي.

وكان مصرف إطعام الطعام وإيواء الغرباء وعابري السبيل من المصارف المعهودة في الخلافة الإسلامية، حيث أوقفت أوقاف على ذلك المصرف وشيدت المباني لذلك، ومن الأمثلة ذلك ما قام به الخليفة المستنصر حينما أحيا أرضًا وأوقفها على دور ضيافة الفقراء في بغداد [6].

ونحن إذ نلقي الضوء على وقف التكايا في العصور الإسلامية، ودورها في إطعام الطعام للمحتاجين وابن السبيل، لتكون صوتًا داعيًا للمسلمين من أهل الخير والمؤسسات الأهلية والوقفية إلى العمل لإحياء سنة الوقف وإطعام الطعام، بإحياء التكايا وتوفير ما يلزمها لتحقق أهدافها، وأن لا تكون تلك التكايا مرتعًا للكسالى والتنابل من الناس، بل لأهل العوز والحاجة، نخفف جوعهم ونحفظ كرامتهم.

* مصدر البحث: مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية.
الهوامش:
1- د.كامل العسلي: وثائق مقدسية تاريخية، المجلد الأول، ص125.
2- د.كامل العسلي: من آثارنا في بيت المقدس، ص9.
3- ولقراءة وثيقة الوقف كاملة، انظر: د.كامل العسلي: وثائق مقدسية تاريخية، الجزء الأول ص125-151.
4- مروان أبو الربع: أوقاف بيت المقدس، ص243.
5 - أخرجه الطبراني في الكبير، 1 / 259 برقم (751).
6 - مراصد الإطلاع لابن عبد الحق البغدادي، 2 / 953. وانظر : رحلة ابن جبير، ص16 - 17.



أ. عيسى القدومي