عمون - بعث الكاتب الأردني ناهض حتر الذي تعرض للقتل صباح اليوم الأحد لـ 'عمون' مقالا تحت عنوان انتخابات 2016، ظواهر ودلالات'.

وبعث حتر رسالة نصية الى عمون حول ارساله بريدا الكترونيا طالبا نشره صباح اليوم الأحد.

ورصد حتر في مقاله عدة ظواهر كما كان يراها أولاها 'ظاهرة العزوف عن المشاركة في الترشح والاقتراع'. أما الظاهرة الثانية وفق مقال ناهض حتر فهي: 'في هزيمة الإخوان المسلمين. وقد دخل الإخوان، المعركة الانتخابية، مهزومين أصلا، بتفرّقهم شيعا وأحزابا'.

كما هاجم حتر فيما يراها الظاهرة الثالثة الهزيمة المرّة التي لحقت بتيار ما سُمي 'بالمبادرة النيابية'. فيما استرسل حتر في اخر مقال كتبه بعدد من الظواهر.


وتاليا نص المقال:

انتخابات 2016 ، ظواهر ودلالات

مع التحفّظ اللازم حول الاحتمال الواقعي للتدخل السيادي في ترسيم انتخابات 2016 بما يحافظ على الأمن الوطني الأردني، وخفض المؤثرات السلبية لقانون القائمة النسبية وتقسيم الدوائر، يمكننا القول إن عدة ظواهر ذات دلالات بالغة الأهمية في تحديد اتجاهات المجتمع الأردني برزت في تلك الانتخابات. وهي:

الظاهرة الأولى هي ظاهرة العزوف عن المشاركة في الترشح والاقتراع؛ ولن أدخل، هنا، في سجالات رقمية؛ لكن ما يمكن ملاحظته بالعين المجردة أن القسم الرئيسي من النخب السياسية والمثقفين والحزبيين والنشطاء، لم يبد اهتماما بالعملية الانتخابية، سواء لجهة الترشح أو المشاركة في الحملات أو الاقتراع، مع استثناء يتيم يتعلق بقائمة ( معاً) في الدائرة الثالثة بعمان.

تعكس هذه الظاهرة ما يلي: (1) القناعة المتولدة، بالتجربة، لدى أوساط الفئات المسيسة بأن البرلمان بلا قدرة سياسية، (2) وكذلك، بأن المعركة الانتخابية تخضع لمحددات غير سياسية أو فكرية، مما يجعل المثقفين عموما غرباء عنها، (3) تقسيم الدوائر الذي ضرب القوة التصويتية للزعامات السياسية التقليدية، (4) قانون الانتخاب العام الذي لم يعد كونه التفافاً يضاعف سوءات قانون الصوت الواحد المجزوء؛ فالقوائم لا يمكنها سوى إنجاح مرشح واحد، وفي دوائر كبيرة، مع الاضطرار لما عُرف بالمرشحين الحشوة، كذلك، فهو حدّ من حرية المرشحين المسيحيين والشركس والشيشان الخ

وكل هذه العيوب تمثل تراجعا نوعيا عن قانون الصوت الواحد الذي كان أقرب للتمثيل من خلال الدوائر الأصغر، ولا يتطلب حشد المرشحين الحشوة، ويسمح للمثقفين والكوتات بالترشح من دون قيود القوائم.

في الواقع، فشل قانون القائمة النسبية فشلا ذريعا. ولا ريب، فهو مصمم في مختبر ولا يعكس متطلبات الواقع التي من المرجح أنها تتطلب إما قانون انتخابات بالقائمة الوطنية أو قانون الصوت الواحد غير المجزوء ( صوت واحد ـ دائرة بمقعد واحد، على الطريقة البريطانية.)

الظاهرة الثانية تتمثل في هزيمة الإخوان المسلمين. وقد دخل الإخوان، المعركة الانتخابية، مهزومين أصلا، بتفرّقهم شيعا وأحزابا، ثم في اضطرارهم إلى سحب شعاراتهم التقليدية لصالح شعارات عامة ـ بما فيها الشعارات المتعلقة بالقصية الفلسطينية ـ ثم في اضطرارهم للتحالف مع شخصيات من خارج نطاقهم في سُمي التحالف الوطني للإصلاح. ويعكس ذلك هزيمة الاخوان وتنظيمات الإسلام السياسي في تونس ومصر وسوريا وليبيا الخ

كذلك، هُزم الإخوان في الحملة الانتخابية التي فشلت في استقطاب الاهتمام السياسي والإعلامي. وكمثال، فإن السجال الوحيد الذي خاضه مرشح الإخوان مع مرشح ( معاً) حول العلمانية في الدائرة الثالثة، تحوّل إلى مطعن في القائمة الإخوانية. وأخيرا ظهر أنهم خسروا ما يقرب من ثلث قوتهم التصويتية حتى في معاقلهم.

على أن الإخوان ربحوا الخروج من الإقصاء الذي يعانون منه في معظم البلدان العربية. وهم اعتبروا ذلك لفتة كريمة من الدولة، كما ظهر من الرسائل المتبادلة مع الملكة رانيا. وبالخلاصة، من المرجح أن يكون أداء النواب الإخوان في البرلمان المقبل، مسالما إلى حد بعيد، ولن يعود بالإمكان وصفهم بأنهم حزب معارضة.

الظاهرة الثالثة تتمثل في الهزيمة المرّة التي لحقت بتيار ما سُمي ' بالمبادرة النيابية' برئاسة الدكتور مصطفى حمارنة الذي هزمه الزميل نبيل غيشان بفارق 1700 صوت على رغم أن تكاليف حملة غيشان لم تشكل سوى 5 بالمئة من تكالبف حملة حمارنة.

مثّل حمارنه والمبادرة النيابية في البرلمان السابع عشر قوة سياسية حظيت برعاية رسمية، وكان لها موقع في القرار ونفوذ في الإدارة. وقد تلاشت هذه القوة كالملح في الماء، مما يؤكد أن القوى السياسية لا تستمد وجودها من العطف الرسمي والإقليمي والدولي، وإنما من الالتفاف الاجتماعي.

حملت المبادرة النيابية برنامجا نيوليبراليا ورافضا للقيم القومية والتحررية ومصمما على فرض اجراءات التوسع في التوطين السياسي. والنتيجة التي يمكن الخلوص إليها الآن أن هذه التوجهات لا يوجد لها قاعدة اجتماعية.

الظاهرة الرابعة تتمثل في أن المجتمعات المحلية عادت تفضل المرشح التقليدي على انموذج المرشح 'اليساري' السابق الليبرالي الانتهازي كما تجلى ذلك في سقوط كل هذه النماذج بلا استثناء.

الظاهرة الخامسة تتمثل في فوز خمس نساء تنافسيا. وهي ظاهرة تعني أن الحاجز النفسي الاجتماعي أمام احتلال النساء مواقع سياسية برضى المجتمع والعشائر، قد بدأ ينكسر. وينبغي أن يكون ذلك مقدمة لإلغاء الكوتا النسائية التي لها وجهان إيجابي يمكن المرأة من النيابة، وسلبي يعتبرها أضعف من أن تنافس، ويأتي بنواب نساء ضعيفات الأداء.

الظاهرة السادسة تتمثل في هزيمة الهدف المركزي لواضعي قانون القائمة النسبية وتقسيم الدوائر، أي الهدف الأميركي المعروف باصطناع زيادة مؤثرة في عدد النواب من أصول فلسطينية. لم يحدث ذلك إلا في أضيق نطاق، وبصورة طبيعية لا مصطنعة، ومن دون دلالات سياسية. ويعد ذلك فشلا ذريعا لخطط التوطين السياسي.

الظاهرة السابعة وتتمثل في استمرار دور الروابط العشائرية في العملية الانتخابية معامل رئيسي. وينطبق ذلك على الأردنيين من أصول فلسطينية، سواء بسواء. ولعل أبلغ مثال هو مثال عشائر بئر السبع التي حصدت 9 مقاعد نيابية، أي أنها تجاوزت حجم الكتلة الحزبية الإخوانية ( 8 مقاعد.)

الظاهرة الثامنة تتمثل في ميل المجتمعات المحلية من أصل فلسطيني إلى انتخاب رجال أعمال ومقاولين بأكثر من ميلها إلى انتخاب مسيسين ومثقفين أو محسوبين على تيارات سياسية. ومن الملاحظ ، مثلا، فشل القيادية المعروفة، عبلة أو علبه، في الحصول على مقعد نيابي رغم تاريخها الطويل في العمل السياسي وتحالفها مع رجل أعمال غير معروف لكنه حقق أعلى الأصوات.

الظاهرة التاسعة، وتتمثل في فشل المرشحين المسيحيين الملتحقين بقوائم إخوانية أو المعتادين على النجاح بالإنفاق، لصالح مرشحين تقليديين أو ممثلين محترمين للمجتمعات المحلية. وفي ذلك تصويب لانحرافات عرفتها الانتخابات السابقة.

...

على أن الانتخابات برمتها كانت باهتة من الناحية السياسية، ولم تُثر حوارات ذات قيمة، وبقيت الشخصيات الأكثر تأثيرا في حياة الأردنيين خارج القبة، مما يعيدنا، مرة أخرى، إلى ذلك الفصام الذي طالما عشناه، أي تركّز النقاشات الأعمق والمحركات السياسية الأكثر فعالية خارج البرلمان. وهو ما كان يضطر الدولة، دائما، للبحث، في الأزمات، عن وسطاء سياسيين مع المجتمع من خارج البرلمان. وهذه الفجوة هي إحدى عوامل الضعف الرئيسية في تركيبة النظام السياسي الأردني.

لم تجر انتخابات 2016 في سياق سياسي، وليس لها، أو لنتائجها، أي أفق سياسي. وقد تفاجئنا بعض الأسماء الجديدة بأداء جيد، لكن البرلمان ككل لن يغيّر الصورة البرلمانية المعهودة، بل الأمر أصعب؛ فنحن مقبلون على أربع سنوات سوف تحدث فيها تسويات إقليمية كبرى ترعاها القوتان الأعظم، روسيا وأميركا، أو، بالعكس، قد تنزلق التطورات إلى حرب إقليمية كبرى لها طابع عالمي من حيث هي تعكس الصدام الروسي ـ الأميركي.

الأردن يحتاج إلى برلمان أقطاب وحكومة أقطاب، للقفز بالبلاد عن الآتي من التطورات الإقليمية والدولية والتفاعل الإيجابي معها، وتحقيق الأمن والازدهار والحضور الإيجابي لبلدنا. لكن يبدو أن التجريبية هي التي تحكم القرار، وأن اتجاه القرار نحو التفاعل مع الأحداث استقر في بلدنا على تدبّر مواجهة الأزمات في اللحظة الأخيرة قبل الهاوية.

-