صناعة السيارات تتكيف مع تطبيقات استدعاء مركبات الأجرة
عاملون في شركة فورد يحتفلون بخروج سيارة طراز بيك أب F-150 من خط الإنتاج في مصنع الشركة في ديربورن.
روبرت رايت من ديربورن (ميتشيغان)المباني القليلة الارتفاع في موقع شركة فورد على نهر الروج، في ديربورن، ولاية ميتشيغان، لا يزال من الممكن أن يتعرف عليها هنري فورد، مؤسس الشركة، الذي كان العقل المدبر للمنشأة التي افتتحت في عام 1928.
معمل الصلب الضخم يسيطر على أفق المدينة، مذكرا برؤية فورد أن المصنع سوف يدخِل خام الحديد من جهة ويقذف أنموذج "فوردA " في الطرف الآخر. المركبات لا تزال تصنع في موقع نهر الروج، حيث ينتج مصنع الشاحنات في ديربورن سيارة الشحن الصغيرة المربحة بشكل هائل "F-150 بيك-اب". الآلاف من الشاحنات اللامعة تنتظر في عربات القطارات ليتم شحنها إلى تجار السيارات في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
المشهد المزدحم في نهر الروج يشهد بأن صناعة السيارات في أمريكا الشمالية في حالة جيدة للغاية فيما يتعلق ببيع السيارات عتيقة الطراز، التي تعمل بالبنزين. شركات صناعة السيارات في الولايات المتحدة باعت العام الماضي 17.33 مليون مركبة من السيارات والشاحنات والسيارات ذات الاستخدامات الرياضية، حتى كادت تسجل أعلى رقم قياسي في تاريخها. فورد، ثاني أكبر شركة لصناعة السيارات في الولايات المتحدة، تبيع في سوقها المحلية شهريا أكثر من 60 ألف مركبة من نوع F-150، السيارة الأكثر مبيعا في أمريكا الشمالية.
مع ذلك، وعلى الرغم من نجاح طريقتها الحالية في عمل الأشياء، إلا أن التيار العام في صناعة السيارات الأمريكية يستعد لمستقبل على الأرجح لم يخطر على بال هنري فورد. على بعد مسافة قصيرة بالسيارة من مصنع F-150، في مركز تطوير منتجات فورد، يتم التركيز على الابتكار. في أحد المواقع يعمل المهندسون على تطوير سيارة ذاتية القيادة. في موقع آخر يجرى العاملون تجربة على الدراجات الهوائية، وتقييم إمكانية أن يكون لها دور في مجموعة منتجات فورد. لكن الأمر الصاعق فوق ذلك كله، هو أن مهندسي فورد لم يعد يتم تشجيعهم على قيادة سيارات الشركة في أنحاء الموقع. بدلا من ذلك يستدعون مركبات مكوكية "جورايد" GoRide باستخدام تطبيق موجود على هواتفهم الذكية.
هذه المبادرات تعد جزءا من استجابة لتزايد الاهتمام بمجال صناعة السيارات من شركات التكنولوجيا مثل جوجل، وشركات استدعاء سيارة الأجرة الناشئة مثل أوبر، وشركات صناعة السيارات الكهربائية مثل تيسلا. وكلها تهدف إلى تحويل الكيفية التي تتم بها قيادة السيارات أو امتلاكها.
كل من فورد ومنافستها منذ فترة طويلة، جنرال موتورز، شركة صناعة السيارات الأكثر مبيعا في الولايات المتحدة، مصصمة على أن لا تجد نفسها متخلفة في معركة تطوير سيارات يمكنها أن تقود نفسها، ومتصلة بشبكة الإنترنت، وتعمل بالكهرباء. بدلا من التفكير في نفسها على أنها مجرد شركة لصناعة السيارات، تعيد هاتان الشركتان تصنيف علامتيهما التجاريتين باعتبارهما مقدمة لخدمات النقل الشاملة.
ماري بارا، الرئيسة التنفيذية لجنرال موتورز، مولعة بالقول، "أعتقد أن صناعة السيارات ستتغير أكثر خلال الأعوام الخمسة إلى العشرة المقبلة ما كانت عليه في الـ 50 سنة الماضية".
مع ذلك يبقى من غير الواضح ما إذا كان من الممكن أن تتغير هذه الصناعة بالسرعة التي تشير إليها التوقعات المتفائلة، أو ما إذا كانت شركات صناعة السيارات الكبيرة، أثناء محاولتها تحويل نفسها، تجازف بإهمال السوق التقليدية التي لا تزال توفر ما يقارب جميع مبيعاتها.
مفهوم ملكية السيارة
يقر راج نير، رئيس قسم تطوير المنتجات في شركة فورد، بأن الشركة تحتاج إلى منتجات وخدمات جديدة في الوقت الذي تواجه فيه بعض التحديات على المدى الطويل. من بين هذه التحديات هناك انخفاض مطرد على مدى السنوات الـ 15 الماضية في عدد السيارات التي تباع للشخص الواحد في الولايات المتحدة.
تشاك ستيفنز، كبير الإداريين الماليين في جنرال موتورز، يقول إن التغيير في الأعمال التجارية القائمة لن يكون سريعا أو فوريا. لكن في الوقت الذي تتولى فيه السيارات السيطرة على القيادة أكثر من البشر وتتزايد فيه السيارات الكهربائية وتطبيقات استدعاء السيارات عبر الإنترنت، يتوقع ستيفنز أن الأنماط التقليدية لملكية السيارة سوف تنهار.
يقول، "نحن نعتقد اعتقادا راسخا أن أنموذج السائق المالك التقليدي سوف يتغير مع مرور الوقت".
لكن بعض المتشككين، بمن فيهم شون مكاليندن، كبير الاقتصاديين في "مركز بحوث السيارات" في ميتشيغان، يشير إلى أن الصناعة كثيرا ما تشيد بالتكنولوجيا الثورية التي تتحول فيما بعد إلى أن تكون أقل أهمية ما كان متوقعا. كان كل من الإيثانول والوقود الأحيائي من قبل في الجزء العلوي من مخطط الصناعة الذي يسميه "دورة المبالغة".
ويضيف، "السيارات ذاتية الحركة هي في أعلى الرسم البياني في الوقت الراهن".
المركبات الصغيرة ذات اللون الأزرق الفاتح "جورايد" التي تتنقل في أنحاء المركز التكنولوجي لفورد تسلط الضوء على استجابة شركات صناعة السيارات الرائدة لواحد من أكبر التحديات.
تختبر كل من فورد وجنرال موتورز خدمات النقل العام جزئيا كوسيلة للتحوط ضد الانخفاض التدريجي على المدى الطويل في نسبة الأمريكيين المالكين للسيارات، التي ظهرت علاماتها في أرقام مبيعات السيارات أخيرا. حتى بعد انتعاش قوي في السنوات الأخيرة، مبيعات السيارات التي بلغت 17.33 مليون مركبة في عام 2015 لا تزال أقل من الرقم القياسي للمبيعات في عام 2000، حين بلغت 17.35 مليون مركبة. وزاد سكان الولايات المتحدة نحو 13 في المائة على مدى الـ 15 عاما التي انقضت منذ ذلك الحين.
يعزى هذا الانخفاض في استخدام السيارات بشكل عام إلى عوامل مثل إعادة انتقال السكان إلى المدن الأمريكية الكبرى، حيث وسائل النقل العام تعد أفضل، وانخفاض القدرة على الكسب بالنسبة للشباب.
مارك ويكفيلد، رئيس قسم السيارات لدى شركة أليكس بارتنرز لاستشارات القيادة، يقول كان من الممكن أن تكون هناك 12 مليون مركبة أخرى على الطرق الأمريكية لو كانت نسبة الأشخاص الذين يحملون رخص القيادة في عام 2014 هي نفسها التي كانت في عام 2000. الطلب لم يتلق تلك الدفعة المتوقعة من جيل الألفية الذي بدأ في الاستقرار وإنجاب الأطفال. وبحسب ويكفيلد "يستمر الاتجاه العام، ومن ثم يتسارع".
الخدمات المماثلة لـ "جورايد"، المستوحاة جزئيا من نجاح "أوبر" وغيرها من شركات تطبيقات استدعاء سيارات الأجرة، يمكن أن تساعد شركات صناعة السيارات في توليد الإيرادات حتى من الذين لا يملكون سيارة. كثير من تجارب التنقل تدور حول الهواتف الذكية، التي تتهمها بعض شركات صناعة السيارات بسرقة انتباه الزبائن الصغار والكثير من قدرتهم على الإنفاق. شركتا صناعة السيارات الأمريكية الكبيرتان تفكران في إطلاق خدمات مماثلة لـ "جورايد" لعامة الناس.
الاستثمارات التي من هذا القبيل لديها إطار زمني أقصر من المشاريع التي تشمل السيارات ذاتية القيادة، كما يقول نير. كما أن لديها القدرة على أن توفر للمستهلكين خيارات أرخص بكثير من ملكية السيارة.
ويضيف، "الميزة في حلول التنقل هذه - والسبب في أنها حلول قابلة للحياة - هي أنها تقلل من تكاليف الأميال الشخصية المقطوعة بالنسبة للمستهلكين".
جنرال موتورز وفورد لا تزالان تعملان بجد على تطوير المركبات الذاتية لاستخدامها من قبل شركات خدمات استدعاء سيارات الأجرة مثل أوبر. ووفقا لمايك أبلسون، رئيس الاستراتيجية في جنرال موتورز، هذه الخدمات سوف تكون بين أول الزبائن الذين تعد بالنسبة لهم المركبات الذاتية القيادة منطقية من الناحية الاقتصادية. الشركات المشغلة لخدمات استدعاء سيارات الأجرة ستكون قادرة على تسديد التكلفة الإضافية للتكنولوجيا الذاتية من خلال الرحلات أكثر بكثير ما يمكن لمالك خاص. ووضعت جنرال موتورز في كانون الثاني (يناير) استثمارا بقيمة 500 مليون دولار في "ليفت"، خدمة استدعاء سيارات الأجرة، للتعاون على تطوير سيارات أجرة ذاتية القيادة.
يقول أبلسون، "أحد الأسباب في أن تقاسم ركوب سيارات الأجرة يعد جذابا جدا هو أنه يوفر الإطار الاقتصادي [للاستثمارات في السيارات ذاتية القيادة]".
المركبات الكهربائية
داخل مختبر البطاريات في المركز التكنولوجي لجنرال موتورز في وارين، ميتشيغان، يبين ويليام والاس مصدر الطاقة لشفروليه بولت، وهي سيارة منخفضة التكلفة، تعمل بالكهرباء، ستعرض للبيع هذا العام. بطارية بولت تعد أثقل بأكثر من الضعف من البطارية التي أمدت بالطاقة أول سيارات بولت الهجينة في عام 2006. لكن يمكنها أن توفر 60 كيلو واط ساعة من الطاقة، أي ما يقارب أربعة أضعاف البطارية القديمة التي توفر 16 كيلو واط ساعة.
باعتباره مدير أنظمة البطاريات العالمية في جنرال موتورز، يقول والاس إن مواقف جنرال موتورز تحولت بقدر تحول التكنولوجيا. قبل إفلاسها في عام 2009 وإعادة هيكلتها اللاحقة، كانت جنرال موتورز في الغالب تنفر من المخاطر ومتحفظة، كما يقول. لكن الشركة الآن تستثمر بشكل كبير في مختبر البطاريات.
ويقول والاس، "أرى ذلك مؤشرا على تغيير في عقلية القيادة كلها، في الاستعداد للدخول في المخاطر، ومهاجمة أسواق جديدة".
لكن بالنسبة لفورد وجنرال موتورز، الإنفاق على تكنولوجيا السيارة الكهربائية يعد مسألة تختلف عن الإنفاق على تطوير آليات مستقلة وتكنولوجيات تجريبية أخرى.
وتلزم قواعد فيدرالية بدأ سريانها في عام 2012 شركات صناعة السيارات بتحسين متوسط كفاءة الوقود لأساطيلها من 27.5 ميلا للجالون الأمريكي في بداية الفترة إلى 54.5 ميلا للجالون عندما يأتي أنموذج مركبات عام 2025 إلى السوق في عام 2024. ويلاحظ نير أن على فورد عرض مجموعة واسعة من المركبات مع مساهمة كبيرة من الطاقة الكهربائية لتلبية أهداف الاقتصاد في استهلاك الوقود. ويقول، "هذا هو السبب في أن تحويل المركبات إلى كهربائية يعد احتمالا مختلفا الآن".
وبالنسبة لبعض التكنولوجيات الجديدة الأخرى، من المرجح أن يستغرق التغيير عقودا، بدلا من خمس سنوات أو نحو ذلك كما تشير تصريحاتة بارا في العادة.
وتركز شركات صناعة السيارات على عقد صفقات مع شركات تقاسم الركوب، الأمر الذي لا يعبر فقط عن الرغبة في تأمين سوق مستقبلية يحتمل أن تكون حاسمة، ولكن يعبر أيضا عن مخاوف حول القيود التي تثقِل أحدث نظام مركبة ذاتية القيادة. تجلت أوجه القصور في أواخر حزيران (يونيو) عندما قتل سائق سيارة تيسلا تعمل على وضعية "القياة الذاتية" شبه المستقلة بعد أن فشلت التكنولوجيا في التعرف على الخطر من شاحنة كانت تعبر مسارها.
الأولوية بالنسبة لشركات صناعة السيارات، عندما تستثمر في تكنولوجيات تقوم على التجريب والتخمين، هو ببساطة ألا تكون متخلفة في حال دخل وافدون محتملون، مثل جوجل التي طورت خبرة كبيرة في مجال القيادة الذاتية، أو أبل إلى السوق. ويقول أبلسون، "أنت لا تريد أن تستغرق فترة طويلة للدخول إلى تلك السوق بينما يكون الجميع رسخوا وضعهم فيها".
ويأسف بعضهم الآن على فشل واحد، حسب قول ويكفيلد، كونهم لم يستجيبوا عند سماعهم لأول مرة عن خطط إيلون ماسك لبيع السيارات الكهربائية الراقية. تيسلا موتورز التي أسسها ماسك، تبلغ قيمتها السوقية ما يصل إلى 31.6 مليار دولار بعد خسارة صافية بلغت 889 مليون دولار في عام 2015 على مبيعات بلغت 4.05 مليار دولار. الرسملة السوقية هي فقط أقل قليلا من قيمة جنرال موتورز البالغة 45.7 مليار دولار، التي حققت أرباحا بلغت 9.7 مليار دولار في عام 2015 على إيرادات بلغت 152 مليار دولار. وعن السبب الذي يدفع شركات صناعة السيارات التقليدية إلى الاستثمار في التكنولوجيات الجديدة القائمة على التجريب والتخمين، يقول ويكفيلد "يمكنك أن تقول هو الخوف. لكنه تقريبا الخوف من أن تكون في عداد من فوَّت الظاهرة، وليس أي خوف وجودي".
التعطيل المتأخر
ومع ذلك التحول الذي يعد أبطأ من المتوقع قد يكون عكس الأخبار السيئة. ربحية التكنولوجيات الجديدة تظل إلى حد بعيد غير مؤكدة. المركبات مثل F-150 وسيارات الاستخدامات الرياضية، التي أحيت مبيعاتها مع انخفاض سعر النفط، لا تنتج فقط الأرباح التي يمكن الاعتماد عليها، ولكن تبدو نسبيا غير معرضة لخطر التغيير.
يقول أبلسون، "بعض المحركات الأساسية لأعمالنا في أمريكا الشمالية - شاحنات النقل الصغيرة الكاملة الحجم وسيارات الاستخدامات الرياضية - من المحتمل أن تكون آخر الشرائح التي تتعطل بسبب فكرة النقل كخدمة ومفاهيم التنقل في المناطق الحضرية الجديدة".
ويوافق ويكفيلد على أن التغيير من المرجح أن يكون تدريجيا ويقول إنه يطلب من العملاء أن يتصوروا كيف ستبدو أعمالهم خلال 10 أو 20 أو 30 عاما. ويضيف، "الكثير من الأشياء التي تحصل على معظم [اهتمام] الصحافة هي أنموذج لمدة 30 عاما".
مع ذلك، في الوقت الذي تستعد فيه صناعة السيارات في الولايات المتحدة لمبيعات تصل إلى الذروة، هناك خليط من التطورات التكنولوجية لتأمين مستقبلها وتقوية مبيعات مربحة للتكنولوجيا الحالية التي تبدو لكثيرين في الصناعة مثل توازن صحي.
يقول أبلسون، "نعتقد في أمريكا الشمالية أننا متمسكون بشكل جيد بقطاعات السيارات التقليدية. وفي الوقت نفسه نحن ندرس ما هي الفرص الجديدة للشركة".