السلام عليكم
مدينة مقدسة عريقة ، مدرسة لعلم النبي وأهل بيته (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين), وعاصمة لفقههم، مثوى وليد الكعبة.. وشهيد المحراب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ، أرض المرجعية والاجتهاد ، ومهد الحركات العلمية والأدبية أم الجهاد والتقوى والشعر.
قال الرحالة ابن بطوطة (محمد بن إبراهيم شمس الدين الكنجي المتوفى ت 779هـ) حين زارها في منتصف القرن الثامن الهجري:
(النجف الشريف، هي مدينة حسنة في ارض فسيحة صلبة ومن أحسن مدن العراق وأكثرها ناسا وأتقنها بناء، ولها أسواق حسنة نظيفة, دخلناها من باب الحضرة فاستقبلنا سوق البقالين والطباخين والخبازين، ثم سوق الفاكهة، ثم سوق الخياطين والقيسارية، ثم سوق العطارين ثم الحضرة حيث قبر علي رضي الله عنه، وبإزائه المدارس والزوايا والخوانق معمورة أحسن عمارة وحيطانها بالقاشاني، ويدخل من باب إلى مدرسة عظيمة يسكنها الطلبة والصوفية من الشيعة, ولكل وارد عليها ضيافة ثلاثة أيام من الخبز واللحم والتمر، مرتين في اليوم, ومن تلك المدرسة يدخل الى باب القبة، وعلى بابها الحجاب والنقباء والطواشية, والقبة مفروشة بأنواع البسط من الحرير وسواه، وبها قناديل من الذهب والفضة، وليس في هذه المدينة مغرم ولامكاس ولا وال، إنما يحكم عليهم نقيب الأشراف).
وعن أهل النجف يقول ابن بطّوطة: (وأهلها تجار يسافرون في الأقطار، وهم أهل شجاعة وكرم، لا يضام جارهم، صحبتُهم في الأسفار فحمدتُ صحبتهم).
وعلاوة على تعاطي أهلها التجارة، فإنهم يتعاطون العديد من الحِرف: كالنجارة والصياغة وغيرها، وعلى الخصوص نسيج العباءة بقسميها : الخفيف الدقيق السِّلْك)الخاشيّة)، والثقيل الغليظ السلك(البريم(, وفي النجف نوع من الحجارة يعرف بـدُرّ النجف، له صفاء وشفافية كأنه الزجاج، يُستعمل للتختّم والتزيّن.
تقع مدينة النجف الأشرف على حافة الهضبة الغربية من العراق ، جنوب غرب العاصمة بغداد وعلى بعد 160 كم عنها. وترتفع المدينة 70م فوق مستوى سطح البحر ، وتقع على خط طول 44 درجة و19 دقيقة ، وعلى خط عرض 31 درجة و59 دقيقة.
ومناخها صحراوي حار وجاف صيفاً، بارد وقارص شتاءً, ومعدل سقوط الأمطار فيها سنوياً هو 1-5 قطرة في كل بوصة, وقد تزيد فيها درجة الحرارة صيفاً على الـ (48) درجة مئوية. ولوقوعها في طرف الصحراء تهب عليها رياح السموم..
يحدها من الشمال والشمال الشرقي مدينة كربلاء (التي تبعد عنها نحو 80 كم) ، ومن الجنوب والغرب منخفض بحر النجف ، وأبي صخير (الذي تبعد عنه نحو 18 كم) ، ومن الشرق مدينة الكوفة (التي تبعد عنها نحو 10 كم).
النجف لغة:
والنجف اسم عربي معناه (المنجوف) جمعه نجاف, وتكاد معاجم اللغة تتفق على أنه(المكان الذي لا يعلوه الماء) لأنها ارض عالية تشبه المسناة تصد الماء عما جاورها و(ينجفها) الماء من جوانبها أيام السيول ولكنه لا يعلوها فهي كالنجد والسد.
وتغلب على شكلها الاستطالة دون الاستدارة التي أشار إليها بعض اللغويين: (النَجَف لفظ مفرد، جَمْعه نِجاف: التلّ.. المكان لا يعلوه الماء، مستطيل في بطن الوادي، وقد يكون ببطن من الأرض, أو هي أرض مستديرة مشرفة على ما حولها).
قال ابن منظور: (النَّجَفةُ: أرض مستديرة مشرفة، والجَمْعُ نَجَف، ونِجاف، والنَّجَفَة بالتحريك: مكان لا يعلوه الماء, مستطيل منقاد).
وقال الليث: (النجفة تكون في بطن الوادي شبه جدار ليس بعريض..).
وقال ابن الأعرابي النجفة: (المسناة، والنجف التل).
وقال الأزهري: (والنجفة التي بظهر الكوفة وهي كالمسناة تمنع ماء السيل إن يعلو منازل الكوفة ومقابرها).
وقال الفيروزآبادي في (القاموس): (النجف محركة، وبهاء (النجفة): مكان لا يعلوه الماء مستطيل منقاد، ويكون في بطن الوادي، وقد يكون ببطن من الأرض جمعه نجاف، أو هي أرض مستديرة مشرفة على ما حولها، والنجف محركة: التل.. والمسناة ومسناة بظاهر الكوفة تمنع ماء السيل أن يعلو مقابرها ومنازلها).
وقال المطرّزي في (المغرب): (النجف بفتحتين كالمسناة بظاهر الكوفة على فرسخين منها يمنع ماء السيل أن يعلو منازلها ومقابرها).
سبب تسميتها:
ما أشار إليه الشيخ الصَدوق في (علل الشرائع) في الباب (26) تحت عنوان: (العلّة التي من أجلها سمّي النجف نجفاً) ومضمونه: أنَّ النجف كان جبلاً عظيماً، وهو الذي آوى إليه ابن نوح (عليه السَّلام) عند الطوفان، وقال كما جاء في القرآن الكريـم: [سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء] (هود:43).
ولـم يكن على وجه الأرض أعظم منه, فأوحى اللّه إلى الجبل: يا جبل أيعتصم بك مني أحد خلقي؟ فتقطّع الجبل قطعاً قطعا، وصار رملاً دقيقاً، وصار بعد ذلك بحراً عظيماً, وكان يُسمى ذلك البحر (ني) ثُمَّ (جف) فقيل (ني جف) ثُمَّ صار ـ بعد أن حذفت الياء للتخفيف يسمّونه (نجف) لأنَّه كان أخف على ألسنتهم.
هذا ولهذه الأرض الطاهرة أسماء أخرى كثيرة منها ما ورد في أحاديث أهل البيت (عليه السلام) ، ومنها ما كان متعارفاً على الألسنة وهي : بانقيا ، الجودي ، الربوة ، ظهر الكوفة ، الغربي ، اللسان ، الطور ، وادي السَّلام. لكنَّ الأسماء الأكثر شيوعاً واستعمالاً هي النجف، والغري أو الغريان، والمشهد.