لاشك إن تقدم ورقي المجتمعات مرهون بالإختيار السليم والقائم على أسس وضوابط علمية لقيادتها وزعاماتها، والخاضع لثقافة وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، ولذلك نجد إن رسالات السماء قد حثت البشرية على إعتماد المعايير العلمية في الإختيار، والتي تنسجم مع العقل والمنطق والفطرة الإنسانية، لأن اختيار الكُفء والمقتدر والمتخصص والمهني من القضايا التي يقرها العقل والفطرة، أما إذا كان إختيار القيادات والمسؤولين وبأي موقع مسؤولية صغيراً كان أم كبيراً، قائم على المحاباة والمحسوبية، والمحاصصة الطائفية أو الحزبية أو الفئوية، وفاقداً للمعايير والمؤهلات العلمية، فسيكون حال المجتمع هو التخلف والتقهقر والسفال، وتشتد الخطورة،وتعظم المأساة، عندما تفقد عميلة إختيار الزعامة والقيادة الدينية والسياسية ضوابطها العلمية، وتتحكم فيها معايير ما أنزل الله بها من سلطان، ولم يقرها العقل السليم والفطرة النظيفة، بل لم تؤمن بها كل الأيديولوجيات والفلسفات الوضعية والمادية والعلمانية، لأن القيادة الدينية إذا صلُحت صلح المجتمع، وإذا فسُدت فسد المجتمع، وإذا إمتلكت القدرة والكفاءة على القيادة والقراءة والتحليل والتشخيص السليم، فإن ذلك سينعكس إيجاباً على سلوكها ومواقفها وقراراتها وحلولها، وهذا بدوره سينعكس بالتالي بالصحة على حياة الناس، وبخلاف ذلك فإنها ستجر الوطن والمواطن إلى الضياع والهلاك.
يقول الإمام الصادق "عليه السلام": ( ما ولت أمة أمرها رجلاً قط وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم سفالاً حتـى يرجعوا إلى ما تركوا)بحار الأنوار ج10 / باب9 / ص134، فهذا نص صريح منه (عليه السلام) بأن تولى الأعلم يؤدي إلى رقي المجتمعات وتطورها وإستقامتها وتكاملها وهنائها وسعادتها في الدنيا والآخرة، وبخلاف ذلك فإن المصير هو السفال، ولا يستقيم أمرها إلا بالرجوع والعودة إلى ما تركوا، إلا بالعودة إلى الأعلم ، ونحن إذا حللنا هذه النظرية والضابطة العلمية التي يضعها لنا الإمام الصادق في التقييم والإختيار، وقرأناها بصورة أعمق وأدق، نجد فيها إشارة إلى قضية في غاية الروعة والدقة، فنقول إن محتملات القيادة إما أن تؤول إلى العالم أو الجاهل، أو الأعلم ، ووفقا لنظرية الإمام الصادق (عليه السلام )، لا يستقيم، ولا يصلح أمر الأمة والمجتمع إلا برجوعها إلى الأعلم، فحتى لو تصدى العالم للقيادة مع وجود الأعلم فان أمر الأمة يذهب إلى السفال حتى تعود للأعلم، فكيف سيكون حال الأمة والمجتمع والناس والرعية فيما لو سلمت أمرها بيد الجاهل؟!!!، بيد من لا يمتلك مؤهلات القيادة والزعامة ، ونحن إذا وسعنا دائرة تطبيق النظيرة الجعفرية لتشمل كل مجالات القيادة والمسؤلية السياسية والوظيفية والإدارية، نقول: كيف سيكون حال المجتمع لو سلم أمره بيد من لا يمتلك مؤهلات الرئاسة والزعامة السياسية؟!!!،، وبيد من لا يمتلك مؤهلات الوزارة والإدارة كي يكون وزيراً أو برلمانياً أو محافظا أو مديراً عاما أو مديراً لبلدية مثلاً أوالـــــــــــــخ .....؟!!!!.
لذلك وجدنا إن التجربة والواقع المعاش أثبت ما قاله (عليه السلام) والحقيقة التي صرح بها وهي إن صلاح المجتمع، وحال المجتمع، وحياة المجتمع، لن يتحقق إلا بالرجوع إلى الأعلم، ومما يؤسف له إن المجتمعات الغربية المتقدمة قد وعت هذه الحقيقة وسلمت أمورها بيد الأعلم والأكفأ والأقدر والأنزه والأجدر