«إن مصر تأكل بنيها بلا رحمة. مع هذا يقال عنا إننا شعب راض. هذا لعمري منتهى البؤس. أجل غاية البؤس أن تكون بائسا وراضيا. هو الموت نفسه»
حسنا ربما يصبح من نافلة القول أن أذكر المقدمة الطويلة التي اعتدت عليها حين مراجعة عمل لنجيب محفوظ وهو أن هذه الرواية ملحمة كاملة فيها كل عذابات النفس الإنسانية وأنها من أفضل أعماله. كلمات أكتبها عند كل رواية أراجعها ومع ذلك تصدق على كل رواياته التي قرأتها ويتأكد لديّ يوما بعد آخر الظن بأن إبداعات نجيب وفيوضات قلمه وعطائه لا تتوقف أبدا عن إبهاري كقارئ يدخل في حالة نفسية فريدة للغاية ينعزل معها عن كل ما حوله ويعيش في هذا العالم الجديد الذي خطه نجيب بقلمه.
تدور أحداث رواية بداية ونهاية في ثلاثينيات القرن العشرين بينما كان المجتمع المصري منقسم إلى طبقة بالغة الثراء وأخرى متوسطة الحال تعتمد على وظائف الحكومة وثالثة معدومة تماما يتحول إليها كل من فقد وظيفته أو عائله.
من هنا يبدأ نجيب بدايته حين ينقلب حال الأسرة المتوسطة محور الرواية إلى الفقر والعدم بعد وفاة عائلها الأب، الموظف السابق بوزارة المعارف والذي تكابد زوجته المشقة والعناء لأجل إنهاء أوراق معاشه اللازم لحياتهم لكن البيروقراطية المصرية المعتادة كانت كابوسا أطبق على صدر الأسرة حتى كاد يخنقها.
«لو كنا نقتصد في أحلامنا، أو كنا نستلهم الواقع في خلق هذه الأحلام، لما ذقنا طعم الأسف أو الخيبة»
شخصيات رواية بداية ونهاية
– حسن، الأخ الأكبر الذي ألقيت على كاهله أعباء الحياة بعد وفاة الأب، والذي يوهم نفسه أنه فنان كبير سيذيع صيته وصوته يوما ما ويصدح في الراديو كما تفعل أم كلثوم وعبد الوهاب لكنه في حقيقة الأمر شاب عديم الموهبة اجتره الفقر إلى حياة البلطجة والفُتوة.
– حسين، طالب بالمدرسة سرعان ما يتخرج منها بنجاح ويحصل على البكالوريا، يضطر للتضحية التعليم العالي لأجل ظروف الأسرة المادية ويلتحق بوظيفة كاتب في مدرسة بطنطا.
– حسنين، يصغر حسين بسنة، يحب نفسه أكثر من حبه لأسرته، بالغ الطموح والرغبة لأن يصبح شيئاً كبيراً في المجتمع.
– نفيسة، الشقيقة الحنون، ضحية الفقر والمجتمع والرغبة، المتهم الذي جنى عليه الفقر فأصبح مجنياً عليه.
– الأم، الحلقة الأضعف والأكثر تحملاً للمسؤولية والتي تحاول توفير نفقات الأسرة بكل ما تملك، لو واتتها الفرصة للتضحية بنفسها لأجل أسرتها لما توانت.
«الأوطان تحيا بموت الأبطال»
أحداث الرواية
بعد وفاة الأب يتفرق شمل الأسرة في كل مكان كي توفر نفقاتها وبالكاد تسد رمق أفرادها، باعوا كل شيء حتى أثاث المنزل، ولم يتبق إلا نفوسهم فباع الأخ الأكبر نفسه وهجر الأسرة وضحى حسين بفرصة إكمال تعليمه كي يلحق بوظيفة توفر لهم بضعة جنيهات، وتعمل نفيسة خياطة تنتقل من بيت إلى بيت كي تحصل في نهاية اليوم على ريال أو نصف ريال يساعد في نفقات الأسرة.
تدور عجلة الحياة ويقع حسنين في حب بهية بنت جاره وصديق والده المقرب فريد أفندي. وبعد أن ينهي البكالوريا ويستقر الحال بالأسرة وتتحسن أحوالهم ويجود الزمان ببضع لحظات من السعادة والهناء تنقلب الأمور رأسا على عقب وسرعان ما ينقلب كل شيء وينفك عقال كل الأسرة فيغدر بهم الزمان شر غدر.
تأريخ مذهل للمجتمع المصري بكافة أشكاله
ما يميز رواية بداية ونهاية أنها تُعد صورة واضحة المعالم لهذه الفترة التي لم نعشها بأنفسنا من حياة المجتمع المصري، والذي كانت ملامحه عبارة عن ببيروقراطية وواسطة ومحسوبية وفقر مدقع لا يرحم أحد.
الرواية ستنقلك من مكانك إلى عام 1933 بطريقة تشعر معها أنك تعيش هذه الفترة الزمنية بكافة أبعادها. وهي الفترة التي أغدق عليها الأدباء كثيرا لكنها بقلم نجيب أمر مختلف.
بداية ونهاية في السينما
تم تحويل رواية بداية ونهاية لفيلم خرج إلى النور عام 1960 من بطولة عمر الشريف وفريد شوفي وأمينة رزق وآمال فريد.
أفضل مراجعة
حصلت الرواية على تقييم بلغ 4.3 على موقع Goodreads بينما نالت هذه المراجعة لأحمد جمال أعلى عدد من إعجابات القراء على الموقع…
«مشهد افتتاح الرواية يعبر عما كان عليه نهج التعليم في هذا الزمن:
– وجود أمن دائم في المباني التعليمية.
– التزام قاس بالزي المدرسي.
– احترام مشوب برعب من مسئول المدرسة.
في المجمل صورة صادقه فيما لا يتجاوز 5 صفحات في بداية الرواية
في تفاصيل الرواية تصدقالجملة الخالدة: لو كان الفقر رجل لقتلته
وفى كل ذلك يظلم الجميع أنثى العائلة ويشارك الجميع في اغتيال براءتها وهتك عرضها من مجتمع ظالم وظروف أسرية قاسيه ومحبه صادقة منها تجاه أشقائها مع ضعف إنساني بداخلها لينتج لنا عاهرة أكثر شرفًا من الكثيرين.
وتبقى لنا صورة الأم في أسمى وأصدق صورها. الأم بواقع مر فرض عليها الحاجة والفقر وأن تثكل أبنائها»