يسميها البعض جنوناً، ويدعوها البعض الآخر مساً شيطانياً أو سخطاً ربانياً، لكنّ تعريفها العلمي بحسب الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-IV)، فإنّ الاضطراب النفسي هو نمط سيكولوجي أو سلوكي ينتج عن الشعور بالضيق أو العجز الذي يصيب الفرد ولا يعد جزءًا من النمو الطبيعي للمهارات العقلية أو الثقافة.
تحظى الاضطرابات النفسية في العالم باهتمامٍ متزايد، وذلك بسبب شيوعها وأهميتها في حياتنا. وبحسب التحالف الوطني للأمراض النفسية هناك 1 من كل 5 أشخاص في الولايات المتحدة يعانون من مرضٍ نفسي. وقد سمعنا جميعاً بعددٍ من الاضطرابات النفسية حولنا من فصامٍ إلى اكتئابٍ إلى الوساوس القهرية. لكن، هناك العديد من الاضطرابات النفسية النادرة والتي تعدّ غريبةً بشكلٍ كبير والتي لعلّنا قد سمعنا عنها أو شاهدناها في بعض الأفلام حتى. سنعرض لكم فيما يلي قائمةاغرب الاضطرابات النفسية المسجلة في الأدب الطبي على الإطلاق…
صورة توضح نساء تم تشخيص إصابتهن العقلية في القرن التاسع عشر (الرسام أرماند غاوتر)
متلازمة كابجراس
سميت هذه المتلازمة باسم عالم النفس الفرنسي الذي وصف هذه الحالة لأول مرة. تتميز هذه المتلازمة، “وهم التضاعف”، بتوهم خاطئ يقود إلى إساءة التعرّف على الأشخاص. حيث يعتقد الشخص المصاب بها أنّه قد تم استبدال أحد معارفه، وغالباً ما يكون الزوج أو الزوجة أو أعضاء العائلة الآخرين المقرّبين، بشخصٍ محتالٍ له نفس المظهر تماماً أو حتى بعدة أشخاص محتالين.
وتحدث هذه المتلازمة غالباً عند مرضى الفصام، ولكنّها ليست حكراً عليهم، فيمكن أن تصيب من قد أصيبوا برضوضٍ دماغيةٍ قوية أو حتى مرضى الصرع.
متلازمة فريغولي
على اسم الممثل الإيطالي الذي اشتهر بقدرته على القيام بتغيرات سريعة في مظهره على خشبة المسرح، وما يحدث في هذه المتلازمة معاكس تماماً لما يحدث في متلازمة كابجراس. فعلى الرغم من وجود اضطراب بالتعرف على الأشخاص، لكن هذا الاضطراب يكون بحيث يعتقد صاحب المرض خطئاً أنّ أحد الأشخاص المألوفين من قبله اتّخذ مظهر شخص غريب، وبذلك فإنّ أشخاصاً مختلفين بالنسبة إليه هم في الحقيقة شخص واحد يستطيع تغيير مظهره.
وغالباً ما تترافق هذه الحالة النادرة جداً مع الأشخاص المصابين بالفصام (السكيزوفرينيا)، ولكن هناك بعض الحالات التي ترافقت فيها مع الصرع، الذهان أو حتى الرض القوي على الرأس.
توهم كوتارد
متلازمة كوتارد، هي توهم انعدامي، سميّ على اسم جولز كوتارد عالم الأعصاب الفرنسي الذي وصف الحالة لأول مرة في عام 1880. تسمى هذه الحالة باسم (le délire de négation) أي هذيان النفي. ويعتقد الشخص المصاب بها بأنّه ميت مسبقاً، غير موجود، متعفّن، أو أنّه خسر دمه بالكامل أو أعضاءه الداخلية.
وغالباً ما تشاهد هذه المتلازمة لدى مرضى الاكتئاب النفسي أو الفصام، وتعالج بمعالجة السبب الأساسي.
خطأ الذاكرة التضاعفي
يعتقد المصاب هنا خطئاً بأنّ مكاناً أو موقعاً ما قد تمّ مضاعفته، وبذلك فهو موجود في مكانين أو أكثر في الوقت نفسه، أو أنّه تم إعادة توطينه في مكانٍ آخر. فهو بشكلٍ رئيسي مشابه لمتلازمة كوبرجاس التي تحدثنا عنها، لكنّ مع فارقٍ بسيط، فهُنا لديه إحساسٌ بتضاعف الأماكن وليس الأشخاص. وأول من استخدم هذا المصطلح هو عالم الأعصاب أرنولد بيك في عام 1903، ليصف حالة مريض يشكّ بإصابته بمرض الزهايمر.
متلازمة اليد الغريبة
تعتبر هذه المتلازمة من اغرب الاضطرابات النفسية حيث يعتقد الشخص المصاب بهذه المتلازمة أنّ يده لا تنتمي إليه، لكنّها تمتلك حياتها الخاصة بها. حيث يشعر المصاب بيده بشكلٍ طبيعي لكن لديه اعتقاد خاطئ بأن يده التي لا تزال جزءاً من جسمه، تتصرف بشكلٍ مستقل، وتمتلك إرادةً خاصة بها. وغالباً ما يعتقد أنّ هذه اليد “ممسوسة” من بعض الأرواح أو الكيانات التي يكون قادر على تسميتها. وهناك فرق واضح في سلوك اليدين، حيث تتصرف اليد “الممسوسة” تصرفات صعبة المراس وعاصية، بينما تتصرف اليد الأخرى بشكلٍ طبيعيٍ تماماً.
وغالباً ما يكون سبب هذه المتلازمة سكتة أو إصابة دماغية، وخاصةً في الجسم الثفني (جسم من المادة البيضاء يصل بين نصفي الكرة المخية)، أو في الفصين الجبهي أو الجداري.
متلازمة ألس في بلاد العجائب (متلازمة تودد)
هي متلازمة عصبية يضطرب فيها حس المريض بصورة جسده، المكان حوله، مع أو بدون اضطراب الحس بالزمان أيضاً. ويعاني المصاب من الرؤية المستصغرة أو ما يعرف بـهلوسة القزم، الرؤية المكبّرة واضطرابات حسيّة أخرى، بما في ذلك تغيّر الإحساس بالسرعة. ولعلّ أهم الأعراض وأكثرها إزعاجاً هي إحساسه المختلف بصورة الجسد؛ حيث يصبح الشخص مشوش بحجم وشكل أعضاء جسمه. ويمكن أن تسبب هذه الأعراض الخوف، ونوبات الذعر. ويمكن لهذه “التشوهات” أن تحدث عدة مرات باليوم. وغالباً ما ترتبط هذه المتلازمة مع الشقيقة، الأورام الدماغية، أو استخدام الأدوية النفسية، ويمكن أن تكون العلامة الأولى للإصابة بفيروس أبشتاين بار أو إصابات أخرى.
متلازمة اللكنة الغريبة
وهي متلازمة نادرة يقوم الشخص المصاب بها بالتحدث بلغته الأصلية لكن بلكنة أجنبية. وغالباً ما تكون هذه المتلازمة نتيجة لإصابة على الرأس أو نتيجة سكتة دماغية تصيب مركز الكلام في الدماغ.
هوس العشق
هو اضطراب غريب حقاً، حيث يشير للأشخاص الذين يعتقدون بشكلٍ ضال أنّ هناك شخصٌ ما يحبّهم ويعشقهم. لكن ما يجعل هذه المتلازمة غريبة بشكلٍ خاص، هو أنّ الشخص المصاب يعتقد ويؤمن بحب شخصٍ له غالباً ما يكون ذو حالة اجتماعية عليا بالنسبة له، وعادةً ما يكون شخصاً مشهوراً (ممثل عالمي، رائد فضاء، رئيس أو وزير).
ويعد هذا التوهّم من التوهّمات الصعبة، فحتى إن قام الشخص “المحبّ” بنفي مشاعر المحبة بشكلٍ مباشر أمام المصاب، فهذا لا يكفي لإقناعه بالأمر أبداً. ولسوء الحظ، لا يوجد الكثير من المعلومات حول هذه الحالة، وخاصة فيما يتعلق بعلاجها.
متلازمة ستاندل
تتصف هذه المتلازمة باضطراب عضوي (ارتفاع في الضغط، زيادة في عدد ضربات القلب، دوار… وغيره) ونفسي لدرجة تصل لنوبات الذعر، الحالات الفصامية، التشوش، وحتى الإهلاسات عندما يتعرض الشخص للفن! وغالباً ما تتحرّض هذه المتلازمة بسبب الفن الذي يعتبر جميل بشكلٍ خاص، أو عند التعرض لكمية كبيرة من اللوحات الفنية الموجودة في مكانٍ واحد. ويمكن تطبيق هذا المصطلح ايضاً بشكلٍ مماثل عند التعرض لتجربة غامرة، مثل التعرض لمناظر الطبيعة الخلابة والجميلة. وغالباً ما تكون هذه المتلازمة محددة لنفسها ولا تُتبع باضطرابات عقلية شديدة، ولا تحتاج لمعالجة سوى المراقبة.
هذه كانت حفنة من اغرب الاضطرابات النفسية التي سجّلها الأدب الطبي، ونريد أن ننوّه بشدة على أنّ إصابة الأشخاص بالأمراض النفسية المعروفة من فصامٍ واكتئابٍ وغيرها من الأمراض لا تعني أبداً إصابته بهذه المتلازمات، فهي نادرة جداً لكنّها مع ذلك تستحق الذكر لغرابتها.