الأراضي الجديدة إليها، بالإضافة إلى بناء أشهر قصور أوربا، قصر فيرساي. وقد كان له الدور الكبير في ازدهار الفنون والآداب في فترة حكمه التي تعدّ أطول فترة حكم بين ملوك أوروبا.
سوف أرحل بعيداً، ولكن ستبقى الدولة دائماً
-لويس الرابع عشر-
ولد في 5 أيلول من عام 1638، وسمي عند التعميد لويس-ديودوني، ما يعني “هدية الإله”، وأصبح ملكاً في عمر الأربع سنوات بعد وفاة والده، لويس الثالث عشر (1601-1643).
وقد حكم لمدة 72 سنة و110 يوم حتى توفي في الأول من أيلول من عام 1715، وهي أطول فترة معروفة من الحكم بين الملوك الأوروبيين.
لويس الرابع عشر في عام 1661
خلال فترة طفولته، اتخذت والدته آن من النمسا (1601-1666) وظيفة الوصي على العرش، وذلك بمساعدة رئيس وزراء أبيه، الكاردينال الإيطالي جوليس مازارين (1602-1661).
وخلال فترة حكمه قام لويس بتحويل النظام الملكي، إيذاناً ببدء عصرٍ ذهبي للفنون والآداب، مشرفاً عليها من قبل المحكمة الملكية المذهلة في قصر فيرساي، كما أنّه قام بضم الأراضي الأساسية وأسّس بلده كقوة مهيمنة في القارة حتى حرب الخلافة الإسبانية التي استمرت في الفترة الممتدة بين 1701-1714.
الملك لويس الرابع عشر وجنون العظمة
في الفترة الأولى من حكم لويس، قامت الملكة آن والكاردينال مازارين بتقوية النظام الملكي من خلال سياسات أغضبت نبلاء وأعضاء الطبقة الأرستقراطية. وفي نظر البعض، كانت هذه من الأسباب التي أدّت لاشتعال الحرب الأهلية المعروفة باسم “سعفة النحلة” في عام 1648، والتي امتدت في فترة الحرب الإسبانية الفرنسية، التي أجبرت العائلة الملكية على مغادرة باريس.
وقد تمكّن مازارين بدهائه وحنكته، بالإضافة للقوة التي استخدمها من قمع الثورة في عام 1653، ومع حلول نهاية العقد تمكّن من إعادة النظام، والتفاوض للوصول إلى معاهدة سلامٍ مع اسبانيا هابسبورغ، مما جعل فرنسا القوة الأوروبية الكبرى.
وقد ذكرنا هذه الحرب لكونها من أكبر الأحداث تأثيراً في حياة الملك لويس الرابع عشر ، فقد ساهمت “سعفة النحلة” بشكلٍ كبيرٍ بتشكيل نظرة لويس لحياته المستقبلية، كونها أولى تجاربه، وجعلت منه شخصاً غير قادرٍ على التغلب على مخاوفه المتعلقة بالتمرّد بعد هذه التجربة المريرة، حتى اعتبره البعض مصاباً بجنوب العظمة! فهو الذي قال:
إنّ المشاعر الأولى هي دائماً أكثر المشاعر طبيعيةً وصدقاً
لويس الرابع عشر حاكم فرنسا
بعد وفاة مازارين في عام 1661، قام الملك لويس الرابع عشر بخلع التقاليد الممتدة لعقود وصرّح عن رغبته بحكم فرنسا دون الحاجة لوجود رئيس وزراء.
فكما ظنّ سابقاً، فقد كان الممثل المباشر من قبل الرب. واختار الشمس كشعار له وزرع صورة الشخص المعصوم كليّ العلم “روي-سوليل” (ملك الشمس) والذي يدور حوله العالم بأسره. ويشتهر لويس بعبارته:
أنا الدولة
L’État, c’est moi
فقد كانت سلطته حقاً إلهياً، واستمر بممارسة السلطة المطلقة للنظام الملكي، واستمر حتى الثورة الفرنسية عام 1789.
قصر فرساي
قصر فيرساي، أشهر بناءٍ في الفن الكلاسيكي الفرنسي، ومن أشهر القصور الفرنسية التي تشهد على روعة العمارة الفرنسية وعراقتها، مدى الإبداع المتواجد في قطع الأثاث والديكور، ودقة تنسيق الحدائق وبناء النوافير.
بُني قصر فرساي في مكان صيد في الريف الفرنسي بين عام 1661 وعام 1710. حيث يقع على بعد 12 ميل جنوب غرب باريس.
وقد قام لويس بالاستعانة بأعظم المهندسين المعماريين في ذلك الوقت، لويس لو فاو وجوليز هاردوين-مانسارت، ليبنوا له مكاناً مناسباً للإقامة.
وقد قام المهندس أندريه لو نوتر بتصميم الأراضي، بما في ذلك القناة الكبيرة التي تطل عليها النوافذ وغابات مرصّعة بالفسحات الحاوية على التماثيل الكلاسيكية والنوافير. وبلغ عدد النوافير التي بُنيت في قصر فيرساي 2,400 نافورة، أما مساحة مدرجات الزينة فقد امتدت على مدى 230 هكتار.
تمتد واجهة هذا القصر الرئيسية نحو 80 متراً. ويتكون من عدة مباني متقابلة تُطلّ على ساحةٍ في الوسط، أما القصر نفسه فيتكون من ثلاثة طوابق. ويذخر القصر بكثيرٍ من قطع الأثاث وحتى الأسقف المصنوعة من الذهب الخالص.
وقد قام لويس بنقل قصره إلى هناك في عام 1682 وجعله مركزاً للحكومة، فقد كان هدفه الأساسي من بناء هذا القصر أصلاً جعله رمزاً لقوة الملك المستوحاة من الرب. وقد كان هذا القصر مسكناً لما يقارب 60,000 شخص هناك.
أحب لويس الرابع عشر صحبة النساء
اشتهر الملك لويس الرابع عشر بحب النساء، فقد صاحبنه طيلة فترة حياته وحكمه. فرجلٌ بمثل قوته “المستمدة من الإله” بحاجة إلى النساء اللواتي مهما كان الرجل صارماً وحازماً، يلين أمامهن ويظهر العطف والحنان لهنّ.
ففي عام 1654، تزوج لويس البالغ من العمر 22 سنة ابنة عمه الأولى ماري تيريس (1638-1683)، ابنة ملك اسبانيا فيليب الرابع، ونتج عن الزواج ستة أولاد، ولم يصل سوى ولد واحد، لويس (1661-1711) منهم لفترة الشباب.
لويس الرابع عشر (الذي قام بتمثيل دوره جورج بلادجن)، مع ماري تيريز (قامت بتمثيل دورها اليسا لاسوفسكي) على اليسار، سيدة مونتسيبان (قامت بالدور الممثلة آنا بروستر)، نومي شميدت التي قامت بدور (هرنييت). صورة لـ: ثيبورت غرابهر، مسلسل على قناة كانال+
وتزوج لويس الرابع عشر مرة ثانية في إحدى العامين التاليين 1683 أو 1684 من فرانسواز، أرملة شاعر يدعى بول سارون. وقد كان الزواج سرياً.
وقد حظي لويس الرابع عشر أيضاً بعدة علاقات غرامية أخرى. وكانت أول عشيقة له هي ماري مانسيني بين عامي 1657-1660، ابنة أخ الكاردينال مازارين. ولم يكن انجاب الأولاد حكراً على الزوجات وحسب وإنما أنجب لويس الرابع عشر عدداً كبيراً من أولاده من معشوقاته، ففي عام 1661 كانت لوسي دو لا فالاري هي عشيقته والتي أنجب منها أربعة أطفال. أما ثالث معشوقة للويس فكانت أثينيس دو مونستيبان والتي أنجب منها سبعة أولاد.
لويس الرابع عشر، ملك الفنّ
قام لويس الرابع عشر بدعم البلاط الملكي الفرنسي وكل من عمل تحت امرته. وقد قام بنقل الأكاديمية الفرنسية لتصبح تحت رعايته. كما أذن للأدب الكلاسيكي الفرنسي بالازدهار من خلال حماية عددٍ من الكتاب مثل موليير، راسين، ولا فونتاين، والذين لا تزال أعمالهم تحظى بسمعةٍ عالميةٍ وتمتلك الأثر الكبير إلى يومنا هذا، فقرّبهم إليه، وجعلهم من حاشيته. ولم يقتصر حبّه على الأدب والشعر، بل كان شغوفاً بالرسم والنحت وكافة الفنون البصرية، ومن بين الرسامين الذين قرّبهم إليه، الرسام شارلز لو برون. وقام بتأسيس معاهد عدةً للعلوم والفنون.
لويس الرابع عشر (جالس) مع ابنه دوفين العظيم على اليسار، حفيده لويس دوق بورغوندي على اليمين، ابن حفيده لويس دوق انجو، ومدام فنتادور،حاكمة أنجو والتي أمرت برسم هذه اللوحة. المصدر: نيكولاس لارجيليير
سياسات لويس الرابع عشر الخارجية العدوانية
حرب الأيلولة (1667-1668)
في فترة حكمه الأولى، قام لويس بغزو هولندا الإسبانية، حيث ادّعى أنّها إرث لزوجته. وتحت الضغط الذي مارسته كل من إنكلترا، السويد، وهولندا، قام بالانسحاب منها، ولم يحصل إلا على بعض المدن الحدودية في فلاندرز. هذه النتيجة غير المُرضية أفضت إلى الحرب الفرنسية الهولندية (1672-1678).
لقد كان التواجد الفرنسي الاستعماري يُنظر له كتهديدٍ من قبل الدول الأوروبية الأخرى، بما في ذلك إنكلترا، الامبراطورية الرومانية المقدّسة، واسبانيا. وفي أواخر العقد الثامن من القرن السابع عشر، قاموا مع عدد من الدول الصغيرة الأخرى بتأسيس تحالفٍ عرف باسم التحالف الكبير للرد على موقع فرنسا المسيطر في أوروبا.
حرب الخلافة الإسبانية (1701-1714)
قامت فرنسا، التي كانت تعاني من المجاعة الشديدة في تلك الفترة، بخوض حربٍ كارثية للحفاظ على إرث حفيد الملك لويس الرابع عشر ، فيليب. وقد أثقلت هذه الحرب عاتق المملكة التعبة بدينٍ كبيرٍ، وكان لها دور أساسي بقلب الرأي العام ضد حكمه.
دارت أحداث هذه الحرب في الفترة التي تلت وفاة الملك الإسباني شارلز الثاني، الذي كان يحكم امبراطوريةً مؤلفةً من اسبانيا، صقليا، ميلانو، نابولي، هولندا الإسبانية، وعدد من المستعمرات الإسبانية.
فعندما كان على فراش موته في عام 1700، قام شارلز، الذي لم يكن له أية ورثةٍ لحكمه، بشكلٍ غير متوقع بتغيير وصيته وقدّم الإمبراطورية كاملةً إلى حفيد لويس الرابع عشر فيليب، دوق أنجو والذي اعتقد أنّه باستطاعته الإبقاء على الإمبراطورية الإسبانية بعيدة عن كل أذى.
وبالطبع، فإنّ خطوةً مثل هذه أغضبت أعداء فرنسا، لكن تحتّم على الملك الهرم أن يقوم بحماية ما ورثه فيليب الخامس.
قام لويس بإغضاب البروتستانت في كل مكان
في عام 1685، قام الملك الكاثوليكي الورع بإلغاء مرسوم نانت، والذي صدر عن جدّه هنري الرابع في 1598، والذي منح الحرية من العبودية وعدد من الحقوق الأخرى للبروتستانت الفرنسيين (المعروفين باسم الهوغونوتس).
ومن خلال مرسوم فونتينبلو، أمر لويس بتدمير كنائس البروتستانت، إغلاق المدارس الخاصة بهم، وطرد رجال الدين البروتستانت. ومُنع البروتستانت من التجمّع وتم اعتبار زيجاتهم ملغية. فقد كانت المعمودية والتعليم الكاثوليكي مطلوب من كافة الأطفال.
وعلى الرغم من أنّ هجرة البروتستانت كانت ممنوعة بوضوح في المرسوم، لكن الكثير من الأشخاص قاموا بالهروب في القعود اللاحقة، وبحسب التوقعات تراوح عددهم بين 200,00 إلى 800,000، حيث استقروا في إنكلترا، سويسرا، ألمانيا والمستعمرات الأمريكية، بالإضافة إلى أماكن أخرى.
وكان هناك تقريباً أكثر من مليون هاغونوتي في فرنسا في ذلك الوقت، وكان العديد منهم من الحرفيين الماهرين. مما كلّف فرنسا قسماً كبيراً من قوتها العاملة بالإضافة إلى إثارة غضب جيرانها البروتستانت.
وفاة الملك لويس الرابع عشر
وفاة لويس الرابع عشر،
توفّي لويس الرابع عشر قبل أربعة أيامٍ من عيد ميلاده السابع والسبعين، في الأول من أيلول عام 1715، نتيجة للغرغرينا في قصر فيرساي. وقد خلفه في الحكم حفيده البالغ من العمر 5 سنوات، لويس الخامس عشر. فكل ورثته المتوسطين توفّوا قبله.
فقد قام هذا الملك خلال فترة حكمه بالعديد من الإنجازات الضخمة التي ساهمت بصنع فرنسا المعاصرة، من دعمٍ ورعايةٍ للفن والآداب، وبناء قصر فرساي الشامخ، إلى كافة السياسات التي اتخذّها لتوطيد حكمه وتقوية مملكته وازدهارها، فهو لا يزال إلى اليوم علماً بارزاً من أعلام التاريخ الفرنسي. لكن، وكما هو معروف، لكل شيءٍ إذا ما تمّ نقصان، فقد ساهمت سياسته نفسها وجنون العظمة لديه بإثارة الفتن وتحريض الأعداء مما كلّف المملكة الكثير من الخسائر.