خرج بحثٌ علميٌ حديث بنتيجةٍ غريبة: فالتفكير بلغة ثانية يجعلنا أقل أخلاقيةً!
قد تكون سمعت باللغز الفلسفي التقليدي المعروف بـ “معضلة عربة القطار الأخلاقية”؛ عربة قطار تتجه مسرعةً نحو 5 أشخاص عالقين على سكة القطار، وأنت تقف أمام التحويلة التي يمكن أن تغيّر اتجاه العربة وتحولها إلى مسارٍ آخر، حيث يوجد شخصٌ واحدٌ فقط يموت بدلاً من 5 أشخاص سيتم إنقاذهم في هذه الحالة. هل ستفعل ذلك؟
ماذا لو كان بإمكانك إنقاذ الأشخاص الـ 5 بدفع شخصٍ واحدٍ من فوق جسر مشاه على طريق القطار، فيموت بدلاً من الـ 5 الآخرين، هل ستفعل ذلك أيضاً؟
يقول أغلب الناس إنهم سيميلون إلى تحويل مسار القطار ليموت شخصٌ واحد وينقذ 5 أشخاص، لكنهم لن يدفعوا شخصاً من فوق جسر المشاة أمام العربة، رغم أن النتيجة النهائية واحدة؛ وهي إنقاذ 5 والتضحية بشخص واحد.
ترى كيف يمكن أن تؤثر اللغة على هذه الخيارات الأخلاقية الصعبة؟!
كيف يحدث ذلك؟
الإجابة بحسب تقريرٍ علميٍ نشر في مجلة Scientific American تعتمد ربما على اللغة التي ستسمع السؤال بها. فحسب عالم النفس واللغة جولي سديفي، فإن اللغة تتحكم إلى حدٍ ما بالخيارات الأخلاقية التي تختارها والتفكير بلغةٍ أجنبيةٍ قد يجعلك أقل أخلاقية!
يعتبر كثيرون ممن يتحدثون لغات متعددة، أن كل لغة لها شعور مختلف، فقد تكون أكثر حزماً بالإنكليزية، وأكثر استرخاءً بالفرنسية، وأكثر عاطفية بالتشيكية. فهل من الممكن أن تؤثر هذه الاختلافات أيضاً على البوصلة الأخلاقية تبعاً للغة التي تستخدمها في التعبير والتفكير؟
مثلاً يلاحظ المندوبين في الأمم المتحدة أن استخدام اللغات العالمية المشتركة مثل الإنكليزية يحل بعض الأمور، وأن استخدام اللغات الأصلية للمشاركين يؤدي لردود أفعال مختلفة عن استخدام لغات أجنبية عنهم.
شرح التجربتين
في معضلة عربة القطار الأخلاقية، حينما أجرى الباحث وزملائه دراسة على متطوعين يعرفون لغات أجنبية، وجدوا أن نسبة تقبل المشاركين لخيار دفع شخص من فوق جسر المشاة أمام العربة لإنقاذ الـ 5 الباقين تزيد بنسبة كبيرة تتراوح بين 20% و 50% حينما يعبر عن الموضوع بلغةٍ أجنبية (لم تسجل فروقات حقيقية حول اللغة الأجنبية المستخدمة ذاتها فكانت النسب بالنسبة للإنكليزية والأسبانية متشابهة ما يدل على أن الاختلاف حدث بسبب استخدام لغة أجنبية بشكل عام وليس بسبب لغة معينة بعينها).
وفي دراسةٍ ثانيةٍ نشرت العام 2015 في مجلة “علم النفس التجريبي”، طلب الباحثون من الناس الحكم على أفعال موضع شك أخلاقي دون أن تمسهم بضرر مباشر. - على سبيل المثال، رجل طبخ كلبه بعد أن مات -.
مرةً أخرى، وجد الباحثون أن المشاركين كانوا أكثر صرامةً أخلاقياً عندما يقرأون القصص بلغتهم الأم، بينما كانوا أقل حدة في التقييم الأخلاقي إذا رويت لهم القصة بلغة ثانية (كالإيطالية أو الإنكليزية على السواء بلا فارق) .
ما الذي يجعل اللغة تحدث فارقاً في الخيارات الأخلاقية؟
هناك عدة احتمالات حسب الباحث الذي أجرى الدراسة.
فبحسب أحد التفسيرات، فإن هذه الأحكام الأخلاقية تنطوي على وضعين منفصلين ومتنافسين من التفكير؛ أحدهما شعوري سريع، والآخر متأني وحريص على الفائدة الأكبر للعدد الأكبر.
وحينما نستخدم لغةً أجنبية، فإننا لا شعورياً نغرق دون وعي في الوضع المتأني الحريص، وذلك أن جهد التفكير بغير اللغة الأم يجعلنا نقوم بنشاط أكبر ويدخلنا في جدل أكثر.
تفسير بديل آخر يفترض أن الخلافات تنشأ بين اللغات المحلية والأجنبية، لأن لغات الطفولة تأتي مع كثافة عاطفية أكبر من تلك التي تعلمناها بشكل أكاديمي ونتيجة لذلك فإن الأحكام الأخلاقية بلغات أجنبية تكون محملة بردود فعل أقل عاطفية من تلك التي تنتمي للغات تعلمناها من الطفولة واكتسبنا معها سياق عاطفي أكبر.
وكل التفسيرات تقود لنفس الفكرة الأساسية، وهي أننا نتعلم الكلام وحتى التفكير بلغةٍ أخرى، لكن الغريزة والحدس والعاطفة والحكم الأخلاقي غالباً لا يترجم بسهولة، لذا اللغة التي تكون طبيعية لنا هي التي تشتمل على هذه المشاعر غالباً والعكس فحينما نستخدم العقلانية الباردة فإن ذلك يتماشى مع اللغات الأجنبية لنا وتكون الأحكام حينها أقل عاطفية وربما أخلاقية