يقال في اللغة السورية العاميّة “اللهم أعذنا من موتتي الغريق و الحريق” . في قائمه سابقه تحدثنا عنالتفاعلات التي يقوم بها جسم الانسان في حالة الاحتراق، وهي تفاعلات مذهلة و مرعبة يمكنك من خلالقرائتها تخيل العذاب الذي يمر به الانسان الذي يموت حرقاً. الغرق لا يقل رهبةً عن ذلك، فقد كان الخوف منالغرق من أعظم مخاوف الانسان على مرّ العصور. يحصد الغرق مئات الآلاف من الأرواح سنويًّا، بينها العديدمن الأطفال.
إنّ العامل الرئيسي للغرق هو بالطبع التعرّض للماء، لكنّه ينتج أيضاً عن عوامل أخرى أهمّها اقتصادية.فالأشخاص الذين يعيشون في البلدان الأكثر فقراً معرّضون للغرق أكثر من سواهم. في بنغلادش مثلاً، يغرقحوالي 17 ألف طفل سنويًّا، أي بمعدّل ستة وأربعون طفل في اليوم الواحد، لذلك فإن تعليم السباحة في مدارس بنغلادش هو واجب تعلمم الطفل للقراءة والحساب..
في هذه القائمة سنعرض 10 حقائق ربما تعرفها أول مرة عن الغرق.
10 – لا تطفوا الجثث الغارقة على سطح الماء دائماً
تقع بحيرة تاهو بين جبلين يفصلان بين ولايتي كاليفورنيا ونيفادا في الولايات المتحدة الأمريكية، يصل عمقها إلى 500 متر، و هي وجهة سياحية مثالية لمحبي التزلج على الماء و الغطس و الرياضيات المائية الأخرى. بالإضافة لشعبيتها السياحة فإنها معروفة باحتوائها على أحد أهم الظواهر الطبيعية رعباً، وهي أن قاع البحيرة ملئء بالجثث البشرية لأشخاص غرقوا في حوادث مختلفة.
من المعروف أنه في حالة الغرق العادية فإن الجثة تطفوا على سطح الماء. يعود السبب في ذلك أن الرئتان تمتلئان بالماء، ثم يؤدي النشاط البكتيري داخل الجسد إلى تراكم الغازات ممايؤدي إلى طوفان الجثة على سطح الماء بعد عدة ساعات من الغرق.
بسبب درجة الحرارة المنخفضة لبحيرة تاهو فإن البكتريا لاتنموا، و بالتالي لاتطفوا الجثث الغارقة على سطح الماء، بالإضافة إلى ذلك، فإن البحيرة مرتفعة جداً عن سطح البحر بسبب موقعها الجبلي، مما يجعل مهمة الغواصيين مستحيلة في الغوص لأعماقها و انتشال الجثث الغارقة كما في البحيرات الأخرى. باختصار الغرق هناك يعني الاختفاء الكامل.
إنّ عدد الجثث القابعة في أعماق بحيرة تاهو يقدّر بالآلاف، تعود لأشخاصٍ أمضوا عطلتهم الصيفيّة الأخيرة فيها ولم يغادروها للأبد.
9 – الغرق في المياه العذبة أسرع من الغرق في المياه المالحة
للوهلة الأولى تبدو السباحة في البحر أكثر خطورةً من السباحة في البحيرة، حيث تسطيع الأمواج والتيارات في البحر أن تسحب مرتادي الشواطئ الى هلاكهم بسهولة. ولكن قد يكون من المفاجئ لك معرفة أنّ حوالي %90 من حالات الغرق تحدث في المياه العذبة، والسبب في ذلك هو اختلاف التكوين الكيميائي للماء العذبة عن المالحة. فالمياه العذبة مماثلةٌ في تكوينها للدمّ في عروقنا، خلافاً لمياه البحر المالحة. عندما نستنشق المياه العذبة الى رئتيْنا تمرّ الى مجرى الدم عبر عملية التناضح، مما يجعل الدم خفيف جداً بسبب تزايد الماء، و هذا بدوره يؤدي إلى انفجار الخلايا و توقف الأعضاء عن العمل. يستغرق ذلك حوالي دقيقتين أو ثلاث.
أما مياه المحيطات فتحتوي على كميةٍ من الملح أعلى من كميته في الدمّ. عندما نستنشق المياه المالحة، يحاول الجسم أنينظم نفسه بنقل المياه الى الرئتين، ما يسببّ بتزايد سماكة الدمّ. فتستغرق عملية القضاء على أعضاء الجسم وقتاً أطول، حوالي ثماني الى عشرة دقائق، مما يتيح الفرصة لإنقاذ الغارق.
8 – الغرق المؤجّل
عام 2008، كان الطفل جوني جاكسون البالغ من العمر 10 سنوات يلعب في بركةٍ صغيرة في الحي السكني حيث يعيش في ساوث كارولينا في أمريكا. مع أنّ جوني الذي يعاني من التوّحد وأمراض سيكولوجية أخرى، كان يرتدي الطوافات إلا أنّه ابتلع بعض الماء، فسعل ثمّ عاد الى اللعب، وهو ما يحصل مع جميع الأولاد عند السباحة. لم يجد جوني أي صعوبة في التنفس بعد ذلك. وعندما عاد الى المنزل، استحمّ وذهب الى النوم.
ذهبت أمه للتحقق عليه بعد دقائق لتجد فمه مليءٌ بالرغوة، وشفتاه مزرقّتان. توفيّ جوني بسكتةٍ قلبية في طريقه الى المستشفى. كان قد استنشق ما يكفي من الماء لاستنزاف الأوكسيجين في رئتيه وقتله ببطء، وهي حالة نادرة تُعرف با الغرق المؤجل.
استغربت أمه ما حدث للطفل قائلةً أنها لم تكن تتصوّر أنّه بإمكان طفلٍ أن يمشي ويتحدّث بينما رئتاه مليئتان بالماء. من الممكن أن يحدث ذلك لأيّ شخص، لكنّ الأطفال أكثر عرضةً له. ينصح أطباء الأطفال الأهل بالتماس العناية الطبية فوراً في حال معاناة أطفالهم بعد السباحة من صعوبة في التنفس، ارهاق أو أي سلوك غريب.
7 – البحر الميت
من المعروف أن البحر الميت سمي بهذا الاسم بسبب ملوحة مياهه التي جعلته خالياً من الحياة البحرية. يُقال إن ملوحة المياه تجعلها كثيفة جدًّا فيستحيل الغرق فيها. علمياً، هذا صحيح، فحالة الغرق التقليدية عندما يغمر الجسد كليًّا بالمياه مستحيلة الحدوث في البحر الميت.
يعوم الجسد في مياه البحر الميت، ومن الصعب لمس قاع البحر بالقدمين. ولكن، إن انقلب الشخص رأساً على عقب، يصبح من الصعب جدا عودته الى الحاله الطبيعيه كما أنّ ابتلاع القليل من المياه، الكثيفة بالملح والمعادن، تسمّم الجسم وتعطّل توازن مكوّناته. أولئك الذين يتم انقاذهم من البحر الميت يقضون وقتاً طويلاً قبل أن يتماثلوا للشفاء بشكل كامل، اذ يعانون من حروق داخلية والتهاب رئوي كيميائي. وفي الحالات الشديدة، قد يحتاجون الى غسيل الكلى.
6 – الإعدام بالغرق
لقد استخدم الغرق كوسيلة لتنفيذ أحكام الإعدام منذ آلاف السنين. في فترة معينة كان الغرق يُعتبر طريقة لطيفة للإعدام، تُنفّذ عادةً بحقّ النساء والرجال ذوي النفوذ. معظم البلدان حظرت هذه الممارسة خلال القرن السابع عشر. من أشهر من مارس طريقة الإعدام بالغرق الثوار الفرنسيون خلال الثورة الفرنسية الشهيرة.
من أشهر حوادث الإعدام بالغرق كان ما تم ممارسته خلال الثورة الفرنسية، فبسبب الحاجة لقتل عدد كبير من الناس كان لا بدّ من ايجاد أساليب جديدة للقتل الجماعي. كانت المقصلة وسيلة قتلٍ فعالة، لكنّها كانت تقضي على شخصٍ واحدٍ فقط، و هو غير كاف بالطبع. كانت الفترة الواقعة بين تشرين الثاني 1873 وشباط 1874 قاتمة جداً في تاريخ الثورة الفرنسية، فبناءًا على أوامر القائد الثوري جان باتيست كارير، قُتل الآلاف في مدينة نانت للإشتباه بولائهم للملكية. كما استُهدف العديد من رجال الدين، فجُرّدوا من ملابسهم، حُملوا على المراكب، وأُغرقوا في النهر الذي سمّاه القائد كارير وقتها “حوض الاستحمام الوطني".
5 – تفاعل الجسم مع الغرق
الغرق في الواقع يختلف تماماً عما نشاهده في مشاهد الغرق في الأفلام .فعندما يشعر الشخص بأنّه يغرق، يدخل في حالةٍ تسمّى “الاستجابه الغريزيه للغرق” حيث تصبح الحركة مستحيلةً ولكن طوعاً، فيتمايل الجسم باستسلام، ويُلقى الرأس الى الوراء، و يصبح الفم على مستوى المياه. تصبح العيون زجاجيّةً أو مغلقة تماماً. لا تستطيع الساقيْن الركل، وتمتدّ الذراعين أفقيًّا أمام الجسد، الذي ينتصب مستقيماً.
إنّ “الاستجابة الغريزية للغرق” حالة غير دراميّة أبداً، لدرجةٍ أنّ الناس يستسلمون لها طوعاً حتى بوجود المنقذين والآخرين من حولهم. يوصي الخبراء مراقبه الناس وهم يسبحون بدقّة. وإذا لوحظ أنّ الشخص متجمّدٌ في مكانه فيجب سؤالهم عن السبب والتأكد من كونهم في حالة تأهّب. فالشخص لن يقدر على الاجابة إن كان يغرق، ولن يستطيع التمسّك بمعدات الانقاذ، فما هي الّا بضع ثوانٍ ثمينة قبل أن يستسلم ويغرق.
4 – الغرق عند الثديات
مقارنة بببعض الثديات المائية فإن البشر يعتبرون سباحين غير ماهرين، فبعض الثديات كالحوت أو الفقمة تستطيع أن تبقى تحت الماء فترات طويلة، و هو ما يسمى “رد فعل الثديات على الغوص“.
بالنسبة للإنسان فإن رد الغعل على الغوص يتلخص بمايلي : عندما يلامس الماء وجه الانسان، تبدأ سلسلةً من الاستجابات العضوية غير الطوعية في الجسم محاولةً الحفاظ عليه على قيد الحياة، فيغلق مجرى الهواء، وتبطء دقات القلب، و تنقبض الشعيرات الدموية في الجلد والأطراف مرسلةً الدمّ نحو الأعضاء الحيوية. تلك التدابير تخدم غرضاً مزدوجًا وهو تزويد الأعضاء الحيوية بالأوكسيجين، ومحاولة عزلها عن ضغط المياه، ولكنّها للأسف تستنزف القوة في الأطراف فتصعب السباحة.
تظهر ردة الفعل هذه بشكل أوضح في الصغاروهم يغرقون، لذا فإنهم يملكون فرصةً أكبر للشفاء من الكبار. والغرق في المياه الباردة أفضل، لأنها تبطّئ عملية الاستقلاب، وتسمح للجسم بدخول حالةٍ وقائية تشبه السبات. ونتيجةً لردة الفعل هذه، فقد تمّ احياء العديد من أجساد الأطفال المغمورة بالمياه لدقائق عدّة مع غياب أضرارٍ في جهازهم العصبي.
3- الحيوانات التي تغرق
تحدثنا في قائمة سابقة عن ذكاء الحيوانات الذي قد يفاجئك أحياناً. كمثال عن ذلك يقوم حيوان الراكون الأليف باستغلال عدم قدرة الكلب على السباحة بالاختباء في الماء عندما يتم مهاجمته. يعتبر الكلب من الحيوانات التي لاتستطيع السباحة لفترات طويلة، يختلف بذلك عن القرد مثلاً، الذي يستطيع السباحة فقط عندما تقوم بتعليمه. حيوانات أخرى لا تستطيع السباحة بسبب عدم ملائمة جسدها للسباحة كالجمل. بعض الحيوانات تسبح فقط لتتكاثر، مثل ثعلب المياه، الذي يتكاثر بكثرة في المياه، و أحياناً يقوم بإغراق الانثى خلال العملية.
2 – بعض الإحصائيات
حسب منظمة الصحة العالمية فإن الغرق هو ثالث اهم اسباب الوفيات الناجمة عن الإصابات غير المتعمّدة في جميع أنحاء العالم، حيث يقف وراء حدوث 7% من مجموع تلك الوفيات المتعلقة بالحوادث. الذكور أكثر عرضة للغرق من الإناث ( في الولايات المتحدة مثلاً نسبة الذكور الغارقين هي ثمانين في المئة) و ذلك بسبب رغبة الذكور بممارسة الرياضات المائية أكثر من الإناث إجمالاً.
كما أن معدلات الغرق تزيد في دول العالم الثالث بنسبة كبيرة عن الدول المتقدمة، و تزيد في القرى عنها في المدن.
1 – سخرية القدر
بعد الحديث عن أهوال الغرق دعونا نختم القائمة بالتحدث عن المنقذين. ففي عام 1985 في ولاية لويزيانا الأمريكية أقيم حفل للإحتفال بمرور فصل صيفٍ كامل دون أن يغرق أحداً في أحواض السباحة في المدينة.
حضر الحفل 200 شخص، وكان أكثر من نصف الحضور عمال انقاذ معتمدين.مع ذلك، و بعد انتهاء الحفل و جد جيروم مودي البالغ من العمر ثلاثون عاماً غريقاً في حوض السباحة. لم يعلم أحد حتى الآن متى غرق الرجل.
تمّ انتشال جثّته بملابسه كاملةً من الطرف العميق لحوض السباحة. جميع الجهود لإنعاشه باءت بالفشل، وأكّد التشريح موتجيروم مودي غرقا وقدد شكّلت سخرية القدر في هذه الحادثة صدمةً للمنقذين، الذين شعروا بالضيق بسبب هذه المأساة؛ فقد كانت أول حفلةٍ سنويةٍ لهم يحتفلون فيها بموسمٍ خالٍ من المتاعب. ولكن للحظ السئء كلمة أخرى، فما هو المكان الأكثر أماناً من الغرق من حفلة تجمع 200 منقذ معتمد ؟