يسود في المفهوم العامي الشائع أن التكية هي ملجأ للكسالى والمتعطلين عن العمل، فيقال: (فلان على باب التكايا) وهو مفهوم غير صحيح، فالتكايا تشكل صورة ناصعة من صور التكافل الاجتماعي في المجتمع المسلم وارتباط العبادات بالجانب التكافلي.

حول مصطلح التكية والتكايا:
وقد اختلفت الآراء حول تسمية التكية، فأرجعها بعضهم إلى الفعل العربي "اتكأ" بمعنى استند أو اعتمد، خاصة أن معاني كلمة "تكية" بالتركية تعني الاتكاء أو الاستناد إلى شيء للراحة والاسترخاء، ومن هنا تكون التكية بمعنى مكان الراحة والاعتكاف، ويعتقد المستشرق الفرنسي "كلمان هوار" أن الكلمة أتت من "تكية" الفارسية بمعنى جِلد.

تاريخ التكايا في الإسلام:
ويمكن القول إن التكايا كمفهوم خيري اجتماعي ظهرت في وقت مبكر من العصر الإسلامي، حيث كان الموسرون يقيمون إلى جانب دورهم بيوتًا مفتوحة على مدار النهار والليل لإيواء المشردين وإطعام الفقراء وعابري السبيل وتأمين أماكن الوضوء والغسل لهم، ولم تقترن تلك الأماكن بأسماء أصحابها لحرصهم على سرّية فعل الخير وأن يكون عملهم خالصًا لوجه الله.

وأعتقد أن هذا المفهوم التكافلي الاجتماعي لا يزال مستمرًا حتى اليوم عبر (المضافات) المنتشرة في القرى العربية، وهي مشرعة لاستقبال الضيوف كائنين من كانوا في أي وقت لتقديم المأوى والطعام لهم، كما أنها مستمرة بأشكال مختلفة، منها موائد الرحمن التي تقام في رمضان في المدن العربية والإسلامية.

ولكن التكايا بوظائفها التي عرفت بها ظهرت أيام الدولة العثمانية، وغالبًا ما كانت تبنى من قبل رجال الدولة أو ذوي اليسر لتكون مجمعات دينية لإيواء الفقراء المنقطعين للعبادة، مؤمنة لهم الطعام والشراب، وكانت للنفع العام أيضًا، أي يردها كل محتاج للطعام أو عابر سبيل لا يملك تكاليف الإقامة في الخانات، فيقدم له الطعام والشراب والملبس إن كان محتاجًا إليه، كما كانت معنية بتأمين الطعام بشكل دائم للأسر الفقيرة ممن يجاورونها بغض النظر إن كانوا من أتباع الطريقة التي ينتمي إليها المقيمون بالتكية أم لا، وبذلك لعبت التكايا دورًا اجتماعيًا تكافليًّا.

وقد حظيت التكايا بإعجاب الرحالة الذين زاروها عربًا وأجانب، وممن زار بعضها البريطاني جون كارن ووصفها بالسحر، وفي صيف 1919م قصد المستشرق الهولندي فدي يونغ ليفيد عدة مدن إسلامية باحثًا في وظائف التكايا وكتب بإسهاب عن الوظيفة التكافيلة الاجتماعية التي تؤديها التكايا في المجتمعات الإسلامية.

هندسة التكية والتكايا:
إلى الجانب التكافلي الاجتماعي اختصت التكايا باستقطاب أصحاب الطرق الصوفية، وحيث كانت كل تكية مخصصة لأتباع طريقة يمارسون فيها طقوس طريقتهم، وكجميع المرافق الدينية والخيرية الإسلامية أعطيت التكايا جماليات معمارية داخلية وخارجية.

وكان معظم التكايا يتألف الواحد منها من الأقسام التالية:

- قاعة داخلية واسعة.

- قاعة تستخدم للذكر والصلاة والرقص الصوفي الدائري وتسمى السمعخانة.

- غرف للمريدين وهي الغرف التي ينام بها الدراويش أتباع الطريقة.

- غرفة استقبال لاستقبال العامة.

- قسم الحريم وهو مخصص لعائلات الدراويش.

- قاعة طعام جماعية ومطبخ.

تكايا باقية آثارها:
لا نستطيع تعداد جميع التكايا التي كانت منتشرة في المدن الإسلامية، ولذا سنكتفي بالتوقف كأمثلة عند أشهرها وهي:

تكية الدار العلائية في اللاذقية:
هي مبنى في مدينة اللاذقية السورية لم يبق منه إلا الواجهة الرئيسة المؤلفة من باب يعلوه قوس أصغر من نصف دائرة، فوقه لوحة رخامية، نقش عليها البيتان التاليان:

دار يدور بها السرور على السنين *** بدأ بإنشائها الأمير علاء الدين
سعد الســــعود مقيم في تأرّخها *** ســد فادخلوها بسـلام آمنين

وقد أشير أسفل ذلك إلى سنة البناء بالأرقام: سنة 995هـ / 1587م. ويحتضن الباب من جانبيه نوافذ تزينها نقوش هندسية ونباتية تعكس الفن السلجوقي المتأخر، وفوق الطريق الملاصق للواجهة تقوم عقود حجرية.

وهناك تكية أخرى في المدينة بنيت زمن السلطان عبد العزيز قرب ضريح والده السلطان (إبراهيم بن أدهم) والتي عرفت بين الناس باسم (مسجد أم السلطان).

التكية المولوية في القدس:
تعتبر التكية المولوية من أهم التكايا التي أقامها العثمانيون في القدس، وقد بناها قائد القدس خداوند كاربك عام 995هـ. وكان تعيين شيخ التكية يأتي من الشيخ الأعلى للطريقة المولوية في قونية بالأناضول، وكانت التكية المولوية مؤلفة من طابقين، وبناؤها جميل متواضع له مدخل ضيق وجدران بيضاء، ولها أملاك وأوقاف للإنفاق عليها، وقد اندثرت كلها.

تكية البكتاشية:
تقع تكية البكتاشية في داخل كهف السودان بسفح جبل المقطم في القاهرة، وقد عرف كهف السودان بعدة أسماء أيضًا مثل ضريح عبدالله المغاوري وزاوية المغاوري وخانقاه وتكية المغاوري، وقد ذكر المؤرخ المقريزي أن الذي أنشأ هذا الكهف جماعة من السودان قاموا بحفر ونحت كهف في جبل المقطم نسب إليهم وعرف باسمهم، وذلك في عهد الخليفة العبيدي الفاطمي الظاهر لإعزاز دين الله.

التكية السليمانية في دمشق:
تعتبر التكية السليمانية التي بناها السلطان سليمان القانوني في دمشق من أهم التكايا، وقد مرّت بمراحل تاريخية هامة، ولشهرتها زارها الكثير من الرحالة والمستشرقين وأبدوا إعجابهم بروعة وحسن بنائها وجمال المآذن الممشوقة لمسجدها والقبب الكثيرة التي تغطيها، وتتكون التكية من جزأين الأول عبارة عن مسجد وقاعات وصحن وسطي تحيط به مجموعة من القاعات والغرف، وحاليًا تضم متحف دمشق الحربي وصالات مختلفة وباحة تحتوي على بركة مياه في الوسط. والثاني يضم قاعة رئيسة كبيرة واسعة وباحة في الوسط تحيط بها الغرف من جميع الجوانب تحولت حاليًا إلى سوق للمهن اليدوية الفولكلورية السورية، وهي عبارة عن حانات بقناطر تحيط بالصحن الداخلي وممر يحتوي على سوق للبيع بمجموعة من البازارات للمشغولات التقليدية الدمشقية، وهذه التكية بنيت في الفرن السادس عشر وأصبحت مركز المولويين في العام 1923م عندما هاجر إليها أتباع الطريقة بعد حظر أتاتورك لنشاطهم.

تكية المولوية بطرابلس الشام:
تعتبر التكية المولوية بمدينة طرابلس اللبنانية هي من أبرز الآثار في طرابلس، بنيت عام 1028هـ / 1619م، ونسبت إلى صوفيين لقبوا بالدراويش، اتخذوها مقرًا لهم.

تكايا مدينة دير الزور:
يعتبر شارع التكايا من أقدم شوارع مدينة دير الزور السورية، وسمي بهذا الاسم نسبة لكثرة التكايا التي كانت موجودة فيه، ومنها تكية الشيخ "ويس النقشبندي"، والتي تم بناؤها قبل عام 1885م ثم أعيد بناؤها أيضًا، في بداية القرن العشرين ما بين عامي 1900 - 1950م.

تبلغ مساحة هذه التكية 562 م2، جدرانها من الحجر الكلسي البلدي المقطع، مع مادة الربط "الجص الأسود"، في حين بنيت القباب من حجر السهل البلدي المتساوي الحجم، و"الجص الأسود" البلدي أيضًا، أما الأعمدة فهي على شكل أميال رخامية، تعلوها تيجان منحوتة على شكل وريقات شجر جميلة ومهذبة، وللحرم بوابة شمالية تطل على باحة المسجد والتي ضُمت إلى المسجد لاحقًا لضيق المكان، وله من الجهة الغربية بوابتان تطلان على إيوان، ثم يليه من الغرب أيضًا غرفتان إحداهما الديوان للدرس والذكر.

وهناك أيضًا تكية الشيخ "أحمد النقشبندي" الصغير، وقد بنيت عام 1906م عدا المئذنة التي تم بناؤها مؤخرًا في عام 1978م، وتقع شرقي تكية "النقشبندي" الكبير على بعد ثلاثمئة متر تقريبًا عن التكية الأولى.

تكايا تركيا:
أشهرها خان المولوي في منطقة غلاطة في إسطنبول، وهو أول تكية مولوية أنشئت في المدينة عام 1914م، وتشتمل على مئة غرفة للدراويش، والآن أصبحت متحفًا للأدب العثماني.

وهناك تكية التربة خانة وتعد أشهر تكية مولوية، وقد تحولت هذه التكية خلال القرن الثالث عشر إلى صرح ضخم يحتوي على مسجد وقاعة للرقص الروحي وجناح لسكن دراويش الطريقة ومدرسة ومضياف لرواد الطريقة، ويجذب المزار حجاجًا من جميع بلاد العالم يزيد عددهم على مليونين سنويًا.

تكايا مدينة حلب:
لعل مدينة حلب السورية من أكثر المدن الإسلامية غنى بالتكايا، وقد اندثر بعضها وتحول بعضها الآخر إلى مدارس شرعية وما زال بعضها قائمًا حتى الآن تحت رعاية الجهات المعنية بالآثار، ومن أهم هذه التكايا:

- تكية بابا بيرم:
وهي قديمة وكانت قبل عام (1982م) م مقصدًا للسياح، وقد هدمت في ذاك التاريخ لتحل مكانها الأبنية الطابقية.

- تكية بيرم دده:
كانت في جبل العظام بالقرب من جامع البختي، وكان يأتيها الزوار من كل مكان، وهي الآن دائرة حكومية.

- تكية الإخلاصية الرفاعية:
تقع في محلة البياضة، وتنسب إلى الشيخ إخلاص الخلواتي نزيل حلب المتوفى سنة (1074هـ) والتي عمرها الوزير محمد باشا الأرناءوط وذلك في عام (1044هـ/ 1634م)، وهي الآن مسجد تقام فيه الصلاة، ويتجمع فيها المريدون ليقيموا الأذكار والخلوة الرفاعية.

- تكية القلقر:
بنيت فوق مغارة الأربعين في محلة شاهين بك، وكان فيها عين ماء تعرف بالعوينة.

- تكية المخملجي:
بنيت هذه التكية عام (643هـ) في محلة تراب الغربا، كانت سابقًا مأوى للفقراء من الغرباء وقد حولت اليوم إلى مسجد، حيث تقام فيه كل يوم أربعاء بعد العشاء حلقات الذكر.

- تكية المولوية (الملخانة):
هي مركز الطريقة المولوية في حلب، وتعود بعض أجزائها إلى الألف الثانية قبل الميلاد، وتضم مسجدًا ومطبخًا وغرفًا لسكن دراويش المولوية المنقطعين للعبادة كما ضمت تربة تقع إلى الشرق من المسجد والتي حَوَت عددًا من الشخصيات الهامة من ولاة وعلماء ومشاهير وفيها قبر خطاط الدولة العثمانية (حسين حسني)، وربما كانت هذه التكية من أكبر وأعمر التكايا في حلب، حيث كانت تعقد فيها في المناسبات الدينية الفتلة وحفلات الذكر والأغاني والقدود والموشحات الدينية، حيث يدعى إليها رجالات الدولة والعامة. ومع إلغاء عمل هذه التكايا في الخمسينيات، اقتصر عمل هذه التكية كسابقاتها على مكان للعبادة.

- تكية أبو بكر الوفائي:
تأسست في القرن العاشر الهجري في المحلة المستمد اسمها من اسم هذه التكية (الشيخ بكر)، وأبو بكر هو العالم الفقيه المولود (909هـ) والمتوفى (991هـ)، وكانت هذه التكية عامرة بدراويش الطريقة الوفائية وسكنًا لولاة الدولة العثمانية في بعض الفترات القلقة، حيث آثروا السكن في ضواحي المدينة خوفًا من التمردات الشعبية، وهكذا أصبحت مقرًا لهم ولاجتماعاتهم، كما حرص كل من هؤلاء الولاة بالاعتناء بشأنها على أن يترك كل منهم أثرًا له فيها.

التكايا في فلسطين:
أتى إلى فلسطين بعد الفتح الإسلامي عدد كبير من الصحابة والتابعين والزهاد والمتعبدين والصالحين للاعتكاف في المسجد الأقصى وما حوله واتخذوا أماكن للعبادة وسموا بالمتصوفة أو الدراويش، وتبعًا لذلك كثر عدد التكايا، ومن أشهرها:

- التكية الداوودية:
تقع عند باب العتم في القدس، وقفها الأمير علاء الدين سنجر سنة 695هـ على 30 صوفيًا وكانت مدرسة في نفس الوقت.

- التكية الكريمية:
عند باب حطة في القدس، وقفها الصاحب كريم الدين بن عبد الكريم بن المعلم هبة الله سنة 718هـ، وقد زارها ابن بطوطة سنة 726هـ.

- التكية التنكزية:
تقع عند باب السلسلة في القدس، أنشأها الأمير تنكز الناصري سنة 729هـ، وكانت مدرسة وخانقاه ودار حديث ومكتب أيتام.

- التكية الفخرية:
في الجنوب الغربي من باب الحرم في القدس، وقفها القاضي فخر الدين أبو عبدالله محمد بن فضل الله ناظر الجيوش الإسلامية المتوفى سنة 732هـ، وكانت مدرسة وخانقاه، وقد هدمها الصهاينة سنة 1969م.

- التكية الأسعروية:
شمالي رواق الحرم الشمالي في القدس، وقفها الخواجا مجد الدين الأسعروي سنة 771هـ، وكانت خانقاه ومدرسة.

- التكية المنجكية:
عند باب الناظر، القدس، وقفها الأمير منجك نائب الشام سنة 762هـ، وكانت خانقاه ومدرسة.

- التكية المولوية:
تقع في القدس في حارة السعدية، أنشأتها الدولة العثمانية لأتباع الطريقة المولوية سنة 995هـ، وكان بنو عثمان يؤيدون هذه الطريقة فانتشرت بسرعة، بناها قومندان القدس خداوند كاربك، والطريقة المولوية أسسها جلال الدين الرومي سنة (604 -672هـ).

- تكية خاصكي سلطان:
تقع في القدس في عقبة التكية المعروفة باسم عقبة المفتي شرقي دار الأيتام الإسلامية، أنشأتها خاصكي سلطان زوجة السلطان سليمان القانوني سنة 959هـ، ووقفت عليها أوقافًا كثيرة، وقد أشرف على بناء التكية الأمير بايرام جاويش بن مصطفى الذي أشرف على عمارة سور القدس، وظلت التكية تقدم الطعام للفقراء حتى ستينيات القرن العشرين.

- تكية فاطمة خاتون:
فاطمة خاتون ابنة محمد بك وحفيدة السلطان قانصوه الغوري آخر سلاطين المماليك، وزوجة لالا مصطفى باشا من رجالات العثمانيين، وقد بنت في جنين جامع جنين الكبير، وأقامت تكية بجواره تقدم الطعام والمأوى للدراويش والأغراب والمسافرين.

- تكية سيدنا الخليل:
كانت تسمى "سماط سيدنا الخليل" في عهد المماليك وقبله، وقد أنشئ السماط منذ عهد قديم جدًا، ذكره الرحالة الفارسي ناصر خسرو 438هـ، ونسب بدايته إلى إبراهيم الخليل عليه السلام، وقد وقف عليه حكام المماليك أوقافًا سخية، ألحق في العصور الحديثة بالرباط المنصوري.

وتبقى مشرقة...
تبقى آثار التكايا في المدن العربية والإسلامية مثالًا مشرقًا عن التكافل في المجتمع الإسلامي، فهي كما قلنا وإن كانت أمكنة لممارسة الطقوس الصوفية والعبادات كانت أيضًا يدًا ممدودة لكل فقير أو عابر سبيل أو غريب، فيجد فيها المأوى ومكان الراحة والطعام واللباس، ومن الجيد أن الجهات الآثارية العربية انتبهت في السنوات الأخيرة إلى قيمة هذه التكايا فعمدت إلى ترميمها وتحويلها إلى متاحف واعتبارها أمكنة محمية بقوانين الحماية الآثارية؛ لتبقى هذه الأماكن تحكي عن التكافل في المجتمع الإسلامي.

* المصدر: مجلة الرافد الثقافية، الشارقة - الإمارات.


شاهر يحيى وحيد