“الرسم شعر صامت، والشعر رسم متكلم”، هذا ما قاله المؤرخ الإغريقي بلوتارخ. لقد تأمل الشعراء من مختلف العصور الصور واللوحات وحاولوا الغوص في أغوار تلك الأعمال الفنية وفك شفراتها ليجعلوا منها لوحات تتكلم وترينا الحقيقة.
سنعرض 10 أعمال فنية عالمية تحدثت بلسان الشعراء الذين وصفوها بقصائد مازالت خالدة حتى لحظة كتابة هذه القائمة.
10 – لوحة العميان
رسمها بيتر بروجل الأكبر (Peter Bruegel) عام 1568 وهي محفوظة في المتحف الوطني بمدينة نابولي. يعد بيتر بروجيل من أعظم مصوري المناظر الطبيعية وأهم رسام ساخر في هولندا بعد هيرونيموس بوش. سنة ميلاده غير معروفة على وجه التحديد، لكن يحتمل أن يكون قد ولد بين عامي 1525 و1530. أول رسم معروف له يرجع إلى سنة 1553. هذه الصورة التي رسمها هي من آخر أعماله.
الكاتب والشاعر إريش لوتس (Erich Lotz) الذي فقد بصره في الحرب العالمية الأولى نشر هذه القصيدة عن عميان برجيل في ديوان “والليل يسطع كالنهار”.
الجرس يجلجل في أرجاء البيت
والرعب يرج فؤاد الليل الساكن
وعلى مضض يجفو النوم جفوني
في الحلم رأيت الصورة
آخر صور الرسام بروجيل
نحو الموت الداهم تتعثر أقدام رجال ستة
الكريات بتجويف الأعين جوفاء
بغير بريق
وشعاع الحي كذلك مطفأ
والكل تشبث بقضيب وتحسس وجهة دربه
سقطوا في قبضة قدر أعمى
واندفعوا في الليل الأعمى.
9 – الزرافة المحترقة
رسم الفنان سلفادور دالي (Salvador Dali) هذه اللوحة سنة 1935 وهي موجودة بمتحف الفن في مدينة بال السويسرية. ويعتبر دالي من أهم فنانين العصر العشرين، ومن أهم الفنانين في المدرسة السريالية، من مواليد 1904 في إسبانيا، اشتهر بأعماله الفريدة من نوعها والغريبة.
استلهم من الصورة الشاعر بييت برشبيل قصيدته عندما شاهد اللوحة الأصلية سنة 1963 أو عام 1965، ومن المعروف أن الشاعر ألف ديوان كامل مستوحى من الصور واللوحات لمختلف الرسامين تحت اسم “الصور وأنا”.
نسختان من امرأة، صحراء إفريقية، سماء ربيع إسبانية
جبال بابل، إنسان الساونا، الزرافة التي تحترق متوهجة
وتنتظر في هدوء، حتى تلتهم النار مراعيها البرية وسماواتها
هذه لحظات، تمتد على سنوات، على حياة شبيهة بخيمياء
أحد مؤسسي الديانات، أو حياة في الجحيم
يسمح فيها أحياناً بالتخفيض على المبيعات بالجملة
صورتها الفرشاة بالأدراج الفارغة المشدودة، والطحال المنزوع
ربما كان هو المخ الذي يتأرجح وسط أسماك خرساء وصحراء صامتة
الإيماءات هناك، القروح، مساند الجسد، السماوات البلورية
البشر -المحترقون بلا حراك- كل شيء هناك.
ما نفتقر إليه هو تكرار الأحلام.
8 – الأقنعة العجيبة
اللوحة للفنان البلجيكي جيمس إنسور (James Ensor) يعد من رواد الحركة التعبيرية وكان له تأثير أيضاً على الحركة السريالية، وهي محفوظة في المتحف الملكي بمدينة بروكسل.
الشاعر السويسري كريس تانسبرج (Kris Tanzberg) الذي ولد سنة 1943 كتب قصيدة “الأقنعة العجيبة” حيث أن مقطوعات القصيدة تعكس تفاصيل اللوحة وتحولها إلى مرايا تنعكس عليها أمراض المجتمع والعصر.
من أين أيتها الأقنعة الفاقعة اللون، يامن تؤمنون إيماءات عاجزة؟
إلى أين يا نواطير الحقول، يامن تنقصكم الآذان والأنوف؟
لا مراء
أنت قادم من مجلس التعليم، وأنت من الأسقفية العامة
وأنت من وزارة الإرشاد القومي وعلم الفحش
لا مراء
انتم مشغولون بالدعوة والتوعية للإنقاذ، للحضارة
أصابعكم تشير للمحنة المائلة على الجدار
لكنكم بلا عمود فقري
جباهكم تتلبد بتجعيدات المفكرين، لكنكم بلا مخاخ
ارفعوا مصابيحكم البائسة كما تشاؤون، لقد انطفأت ناركم
قووا أنفسكم من الزجاجة بقدر ما تستطيعون
7 – صلح
حفر على الخشب للفنان التعبيري فرانتس مارك (Franz Marc) الذي ولد عام 1880 في مدينة ميونخ، اللوحة موجودة في متحف الفنون الجميلة في بوسطن، من أشهر أعماله تيرشيكسيل أو مصير الحيوانات، كما كان أحد مؤسسي مجلة الحصان الأزرق التي أصبحت مركزاً لتعاون الفنانين. استلهمت الشاعرة إلزه لاسكر شولر (Else Lasker-Schüler) التي ولدت عام 1869 قصيدتها من تلك اللوحة.
سيسقط في حجري نجم هائل
نريد الليلة أن نسهر سهرا، ان نبتعد بلغات
قُدَّت من نغم القيثارة سراً
تعال الليلة نتصافى، وسيغمرنا الله بنعم ثَّرة
قلبي مع قلبك طفلان اشتاقا للراحة
في حضن النوم المرهق، تاقا للقبلات
فلم تتردد، ولم الحيرة؟
آه يا حبي
أفلا يتجاوز مع قلبك قلبي، أولا يصبغ دمك الفائر
خدي حمرة
تعال الليلة نتصالح
لو نتعانق
لامتنع عنا الموت ، وزالت شوكته المرة
ولسقط النجم الهائل في حجري مرة
6 – الصرخة
وهي واحدة من أغلى اللوحات في العالم. رسمها الفنان النرويجي إدفارد مونش (Edvard Munch) أحد رواد الحركة التعبيرية من أشهر أعماله هي سلسلة لوحات سماها “إفريز الحياة”، اكتسبت هذه اللوحة شعبية كبيرة والتي رسمها الفنان في عام 1893.
الشاعرة التي استلهمت من اللوحة هي مارجوت شاربنبرج التي ولدت عام 1924 في مدينة كولونيا.
غناء فوق الماء وموسيقا الماء
لا تطفئها إلا النار
غناء فوق الجسر وصراخ عذارى
لم يتغنَّ به إنسان من أجل الصمّ
عبّر عنه الفنان كي لا يهووا
في جوف الصورة كالعميان
الصرخة كالشلال
تطلق بأصابع يد
توغل في البعد إلى أميال
تشبه قبضة حجر فوق الجلد
الطبلة
فاغرة الفم
5 – حقل القمح والغربان
اللوحة للفنان الهولندي فنسنت فان جوخ (Vincent van Gogh) وهي لوحته الأخيرة التي رسمها قبل موته، رسم فان جوخ أكثر من 900 لوحة وأثر كثيراً في الحركة التعبيرية وعلى أحد روادها وهو الفنان إدفار مونش صاحب اللوحة السابقة “الصرخة”. بدأ الرسم في وقت متأخر ورسم أول لوحة له وهو في عمر 27.
كتب الشاعر الألماني بول سيلان (Paul Celan) قصيدته عن اللوحة في عام 1956، نشر أول مجموعته الشعرية تحت اسم “الرمل من الأوعية” في عام 1948.
أمواج القمح تحط عليها اسراب الغربان
زرقة أي سماء هذي؟
العليا؟ السفلى؟
آخر سهم تطلقه النفس
خفقان أقوى
لمعان أقرب
وهنا وهناك
يتجلى العالم.
4 – كآبة
هذه الصورة هي حفر على النحاس لواحد من أبرز الفنانين العلماء آلبرخت دورر (Albrecht Dürer) أتمها سنة 1514، تعلم في البداية على يدي أبيه من ثم على يدي الرسام والحفار على الخشب ميشيل فولجيموت، عينه الإمبراطور ماكسيميليان سنة 1512 رساماً في بلاطه، أنتج إنتاجاً ضخماً في مجال الرسم والحفر على الخشب والنحاس، بالإضافة إلى كتابة الرسائل والبحوث النظرية عن القياس والتناسب والنظرية الفنية.
استلهم من هذه اللوحة الشهيرة العديد من الشعراء من بينهم الكاتب والشاعر بيتر آومولر الذي ولد في مدينة نورمبرج عام 1909، كتب القصيدة عام 1967 وظهرت في مجموعته الشعرية “تأمل 46″ في عام 1971.
فيم تطيلين الفكر يا ذات الثوب الفضفاض
الجبهة تبدو معقودة والبرجل في يدك اليمنى
والنظرة مستغرقة ومحدقة في أبعاد المجهول
وصبي يجلس بجوارك معتلياً حجر الطاحونة
وعلى الحائط ميزان واللوح المحفور
يمثل الأدوات المشهورة
لم هذا الحشد من الأدوات المنثورة
من ينشلها من قيد أخرس
هل تتعثر خطوات الفعل لأن جديد يولد
هل بدأت ترتفع اليد حاملة البرجل
في قبضتك المضمونة تحيا قوة عزم تواقة
وإرادة روح خلاقة لم تفتر بعد.
3 – بسيخه المهجورة أمام قصر ايروس
هذه الصورة رسمت في عام 1664 وهي للفنان الفرنسي الذي اشتهر وذاع صيته في رسم المناظر الطبيعية كلود لوران (Claude Lorrain) يعد من الرسامين الذي تميز بالدقة العالية والتناسق والإحساس، وهو رسام ونحات على الخشب من العصر الباروكي.
استلهم الشاعر الفرنسي بيير جان جوف (Pierre Jean Jouve) قصيدته وهو من مواليد مدينة اراس عام 1887، كتب الشعر والرواية والقصص القصيرة بالإضافة إلى أن لديه العديد من الترجمات والدراسات عن الرسامين الفرنسيين.
أيها الجمال الأخضر أيمكن أن تموت؟
نور الحزن حريق مظلم فوق البحر
ينداح مع المراعي الخضراء
مردة يتفكرون في ثنايا أشجارهم الملفتة التي لا تنسى
والجبال الصخرية تتلاشى
ويسود مذاق الموت المتميز
وحش البحر المفعم بالأسرار
السيل العاري ذكرى خالدة في القلب
يحرك الوحش الأخضر في الصدر
الذي تشقه على البعد أشرعة علامات بيضاء
وبسيخة مركب معتم مملوء بالوعود
بيدين مرتخيتين بقدمين مثلجتين في العشب
تجلس مع خرافها الهائمة هنا وهناك
2 – دير في غابة بلوط
هذه الصورة للفنان الألماني كاسبار دافيد فريدريش (Caspar David Friedrich) وهو من أبرز الفنانين الرومانتيكيين رسمها بين سنتي 1809 و1810 وهي موجودة في متحف قصر ارلوتنبورج في مدينة برلين. عرف فريدريش برسمه للطبيعة الصامتة ذات الطابع التشاؤمي.
كتب عن اللوحة الشاعر الألماني ثيودرو كورنر (Theodor Körner) وظهرت ضمن مؤلفاته الكاملة، درس هندسة التعدين والمناجم، ودرس أيضاً الحقوق والتاريخ والأدب والفلسفة، وشارك في المسرح الشعري.
الأرض صامتة في حزن عميق عميق
تسري فيها أنفاس الأرواح الهائمة في الليل
أنصت لحفيف الريح العاصفة في شجر البلوط العجوز
ونواحها المدوي خلال الجدران المتداعية
فوق القبور يتمدد الثلج الكثيف
متآخياً مع الأرض في هدوء كأنما يريد أن يدوم للأبد
والضباب المعتم الذي يلف الليل بالسواد
يعانق العالم بذاذ الموت البارد
القمر الفضي يطل وهو يرتع في شحوب
عبر النوافذ الخربة في حنان وسكون
وكذلك يخبو ضوء أشعته الناعم.
1 – الموناليزا
الجميع يعرف هذه اللوحة والتي ربما تعد من أشهر اللوحات في العالم وأشهر وجه إنساني في تاريخ الرسم، رسمها ليوناردو دافينشي (Leonardo da Vinci) وهو رسام ونحات ومعماري ولديه العديد من الاختراعات في عدة مجالات من بينها بدلة الغواص ومن الآلات الحربية التي اخترعها المدفعية ذات الثلاثة رؤوس، رسم هذه اللوحة التي عرفت باسم الموناليزا أو الجوكوندا بين سنتي 1500 و1504.
كتب لهذه اللوحة العديد من الشعراء من بينهم الشاعر الإيرلندي إدوارد دودن (Edward Dooden) الذي كان أستاذاً للأدب الإنجليزي في أكسفورد وكامبريدج، بالإضافة إلى ذلك لديه بحوث ودراسات عن شكسبير وملتون وشيللي.
أيتها العرافة، عرفيني بنفسك
حتى لا أيأس من معرفتك كل اليأس
وأظل أنتظر الساعات، وأبدد روحي
ما هي كلمة القدر التي تختبئ بين الشفتين
التين تبتسمان ومع ذلك تتمنعان؟
ياسراً متناهي الروعة! أيها الكمال السماوي!
لا تحيري الوجدان أكثر مما تفعلين
حتى لا أكره طغيانك الرقيق
يداك المشبوكتان في اتزان جليل
والشعر المتساقط على الجانبين
لا، لا. إني لأوذيك بكلمات غلاظ
ابقي صافية، منتصرة، ومستعصية!