الحاجة افتقار إلى شيء ما إذا وجد حقق الاشباع والارتياح للكائن الحي، والحاجة شيء ضرورى إما لاستقرار الحياة نفسها(حاجة فسيولوجية) أو للحياة بأسلوب أفضل(حاجة نفسية)
وتتوقف كثير من خصائص الشخصية ،وتنبع من، حاجات الفرد ومدى إشباع هذه الحاجات،
ولاشك أن فهم حاجات الطفل وطرق إشباعها يضيف إلى قدرتنا على مساعدته للوصول إلى أفضل مستوى للنمو النفسي والتوافق النفسي والصحة النفسية
وقد أورد الدكتور حامد زهران أستاذ الصحة النفسية هذه الحاجات النفسية في كتابه(علم نفس النمو) وهى كالآتي
1- الحاجة إلى الحب والمحبة، وهى من أهم الحاجات الانفعالية التي يسعى الطفل إلى إشباعها،والحب المتبادل المعتدل بينه وبين والديه وأخوته وأقرانه حاجة لازمة لصحته النفسية، أما الطفل الذي لا يشبع هذه الحاجة فإنه يعاني من الجوع العاطفي ، ويشعر أنه غير مرغوب فيه ويصبح سيء التوافق مضطرباً نفسياً.
2- الحاجة إلى الرعاية الوالدية والتوجيه
إن الرعاية الوالدية خاصة من جانب الأم للطفل هى التي تكفل تحقيق مطالب النمو تحقيقاً سليماً. إن غياب الأب أو الأم بسبب الموت أو الانفصال أو العمل وخاصة في حالة اشتغال الأم عن الطفل وتركه للخدم أو إيداعه في مؤسسة يؤثر تأثيراً سيئاً في نموه النفسي
3- الحاجة إلى إرضاء الكبار
4- الحاجة إلى إرضاء الأقران
5- الحاجة إلى التقدير الاجتماعي
6- الحاجة إلى الحرية والاستقلال
7- الحاجة إلى تعلم المعايير السلوكية
8- الحاجة إلى تقبل السلطة
9- الحاجة إلى التحصيل والنجاح
10- الحاجة إلى مكانة واحترام الذات
11- الحاجة إلى الأمن
12- الحاجة إلى اللعب
ومن الطبيعي أن كل هذه الحاجات النفسية يحتاج لها الطفل اليتيم لأنه لا يختلف عن الطفل الذي ينشأ بين أبويه لا يختلف عنه في هذه الحاجات النفسية.
واليتيم هو من فقد والديه أو أحدهما وتكون الحالة قاسية صعبة عندما يتم الفقدان في الصغر ،حيث أن اليتم في المراحل المبكرة من الحياة ينعكس سلباً لأن العاطفة التي يحتاجها الطفل تعتبر أساس من أساسيات النمو الطبيعي.
وفي وقتنا الحاضر نرى أشكال متعددة لليتم
* على سبيل المثال هناك أيتام توجد في أسر تفتقر إلى العلاقات الإنسانية فالأم تكون عاملة أو لديها مهام أخرى ولا يشغل الطفل الحيز الذي يجب أن يشغله من تفكيرها. لآن لد يها ما هو أهم منه هذا بالنسبة للأم . أما بالنسبة للأب نجده بعيد إما بسبب سفر أو متواجد فقط إسماً وكل ما يعنيه هو توفير النفقات المادية ، ولا يشغل نفسه بغير ذلك .
فينشأ الطفل في مثل هذه الأسرة في داخله شعور اليتم .
يقول الشاعر أحمد شوقي في ذلك:
ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه ذليلا
فأصاب بالدنيا الحكيمة منهما وبحسن تربية الزمان بديلا
إن اليتيم هو الذي تلقى له أماً تخلت أو أباً مشغولا
نأتي إلى نقطة مهمة في موضوعنا وهى :
دع اليتيم وقهره . قال الله تعالى{ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ }(2)
معنى يدع اليتيم أي يدفعه بعنف عن استيفاء حقوقه.
والدع كلمة استعملت لتدل على كل معاني الإقصاء والإهمال والشدة والعنف وسائر مظاهر الظلم الذي يلحق باليتيم ومثلها أيضا كلمة القهر.
في سورة الضحى يقول تعالى{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} (9) لقد شاء الله تعالى أن ينشأ الرسول الكريم عليه السلام يتيماً لكي يطبق الدرس تطبيقاً عملياً، ولكي يكون قدوة يقتدى به في معاملة الأيتام وتوجيههم التوجيه السليم.
ونجد أن هذه الآيات الكريمة السابقة قد جمعت بين طياتها درساً كاملاً لكل ما يحتاجه اليتيم في الحياة الإجتماعية فهى الدستور الذى لابد من تطبيقه للوصول إلي الغاية السامية، وهى أن ينشأ الطفل نشأة سليمة وصحيحة .
ونجد أن هذه الآيات الكريمة من أفضل ما تُعَالج به ظاهرة اليتم في شتى المجتمعات، لأنها تحث على توفير المأوى والملاز الآمن لكل يتيم، وأيضاً تحث على مساعدتهم وعدم قهرهم .
لقد حظى اليتيم في القرآن الكريم بمكانة عظيمة، وقد ذكره الله سبحانه وتعالى في آيات كثيرة كانت دائما هذه الآيات الكريمة توصي باليتيم وبالإحسان إليه ومعاملته معاملة تتسم بالعطف والحنان وعدم الاقتراب من ماله إن كان لديه مال إلا للإنفاق عليه منه وعدم أخذ الأجر المادي من اليتيم إلا بالتى هى أحسن وذلك في قوله تعالى
{وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً }الإسراء34.
* ونجد أن القرآن الكريم قدم اليتيم للمجتمع في صورة إنسانية رائعة ، فلم يقدم هؤلاء الأيتام على أنهم ضحايا القدر أو بقايا المجتمع، كما هو متعارف عليه في بعض المجتمعات، بل نجد القرآن الكريم وصى المجتمع بالاختلاط بهم وعدم نبذهم لكي لا يشعروا بالنقص والحرمان مما يشعر به من يوضعون في مؤسسات لا تتعامل معهم معاملة تتسم بالتراحم والتعاطف الذي توفره لهم الأسرة البديلة،
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }البقرة220وقوله تعالى{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }الأحزاب5 .
والحكمة من أن الله سبحانه وتعالى قد وصى وأكد على ضرورة مخالطة اليتامى وإيوائهم هو أن ينشأ الطفل بين أناس يتعامل معهم بشكل طبيعي ويشعر بحياة طبيعية لا تختلف عن أقرانه الذين يراهم ،فينشأ الطفل متوازن نفسياً ومتوافق مع نفسه ومع المجتمع الذي يعيش فيه.
ولكن على النقيض من ذلك عندما يوضع هؤلاء الأطفال الأيتام في مكان ونعزلهم عن المجتمع، فالذي يحدث هو أنهم يشعرون أنهم مختلفون عن بقية المجتمع،وهذا يولد لديهم شعور بالكراهية، والحقد على المجتمع، ويشعرون أنهم غير منتمون له،وهذا بدوره يؤدي إلى أنهم يصبحوا غير متوافقين نفسياً، وتكون احتمالية وجود سلوك مضاد للمجتمع واردة.
* إذا كان الإسلام العظيم قد وصى وفعل كل هذا من أجل اليتيم، فمن هو المسئول عن دع اليتيم وقهره ؟
عندما نسمع لفظ يتيم يتبادر إلى أذهاننا الظلم والقهر والحرمان النفسى فلا نكاد نسمع عن يتيم إلا ونتخيل أمامنا صورة طفل ذليل يشعر بالحرمان والنقص والقهر.
*وهذه الصورة للأسف الشديد في أغلب الأحيان تكون صحيحة ، ولكن ما ليس بصحيح أن نرجع هذا السبب في ذلك إلى اليتم لأنه ليس شراً في حد ذاته وليس هو المسئول عن هذا الواقع ، وإنما المسئول هو المجتمع، والنظرة الخاطئة له.
* إن مظاهر الظلم والقهر والإهمال وكل الاضطرابات النفسية التي تحتل نفوس معظم الأيتام لا علاقة لها باليتم أو بفقد النسب بل هى من صناعة المجتمع الذي يهمل ما به من أيتام .( كَلاَّ بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ )17 الفجر وقوله تعالى( يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ) 15البلد .
* ولهذا لم يخاطب القرآن الكريم اليتيم ، لأنه لا دور له فيما حدث له، بل اليتم قدر من الله لحكمة يريدها ، وإنما خاطب المجتمع مباشرة يحمله وزر التفريط في فئة من أبنائه نجد الخطاب موجه لهم أيضاً في قوله تعالى {وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً }النساء127( كَلاَّ بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ )17 الفجر
نجد أن القرآن الكريم اعتبر من يدع اليتيم مكذباً بالدين وذلك بنص الآية الكريمة قال الله تعالى{ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ }(2) .
ففي بداية هذه السورة وهى سورة الماعون استفهام فيه تعجب وبيان أن الذي يفعل ذلك فإنه يبعد عن الدين وحقيقته ويكون مكذباً به.
ولكن الذي نجده من البعض عند تناول هذه المشكلة الاجتماعية يتناولها من ناحية نظرية ، وإذا تحدث عنها فإن الحديث يتسم بالوعظ والنصح ، ولم يستوعب خطورة هذه المشكلة على اليتيم وانعكاسها على المجتمع الذي هو فرد منه.