يلوذ الشاعر والروائي المصري أسامة الزيني بمشاهد الذاكرة في روايته "ضريح الكمانات" الصادرة حديثاً عن دار النسيم بالقاهرة، محتمياً من واقع هزائم وخيبات ضاغطة تطارد ذاكرة بطل العمل التي تعود إلى زمن اجتياحالعراق الذي تشير الرواية في أحد مستوياتها الدلالية إلى أنه بداية مسلسل سقوط كبير يرصده العمل على أكثر من مستوى، "على مشهد إعدام حاكم العراق على أيدى ملثمين كبست زر التلفاز بثقل شديد اعتري ذراعي اليسرى، مع طنين حاد في الأذن من جراء سنوات من استراق السمع إلى نشرات الأخبار، ووقع انفجارات القنابل العنقودية والصواريخ على جسد بغداد التي لفظت أنفاسها الأخيرة، في اليوم الذي تسلم فيه حكامها الجدد مفاتيحها، لكنها بقيت مدينة بلا حصون".
ثم تنتقل الرواية في مستوى آخر من مستوياتها الدلالية إلى رصد خيبات مماثلة على الصعيد الداخلي "كنت أخفي عن رأفت عامر ما آل إليه مقر الحزب الناصري في مدينتنا بعد سفره. لم أرد أن أعمق أوجاع الثائر المحبط، بأنباء صراع الأعضاء على مقعد "أمين الحزب" شأنه شأن الأمانة العامة في العاصمة التي شهدت صراعات أشد ضراوة على مقعد رئاستها.. لم أود إيلامه كذلك بنبأ تحول مقر الحزب الذي ولد حبه لعبد الناصر وحلم القومية في قلبه بين جدرانه، إلى محل لبيع الألبسة النسائية. تخلى عنه الجميع، ولم يجد من يسدد إيجاره".
ثم تكفر الرواية بدور الأحزاب عامة في المشهد السياسي في مصر ما بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير " أين يعيش هؤلاء؟ ولماذا يظنون أنه لا أحد يفهم غيرهم. نعم ربما يقرأون أكثر منا في السياسة ويحضرون الندوات والمؤتمرات، لكني لا أراهم استفادوا شيئاً مما قرأوا أو سمعوا.. كأنهم طلاب بليدون يحفظون مقررات دراسية لا قيمة لها، ويستظهرون شعارات جوفاء لم تنفع الناس ولن تنفعهم؛ لأن مشاكل الناس تطورت وتعقدت.. . كل شيء تغير حتى كأننا في حياة أخرى تماماً، بينما هؤلاء ما زالوا يعيشون في العام 52 من القرن الفائت. أما اليمينيون فلا تحدثنى عنهم.. فإذا كانت هذه حال من يفكرون، فما بالك بمن يطيعون وحسب من دون تفكير.. . يترقبون حلم خلافتهم التي لا سبيل إلى إقامتها سوى قتل الملايين من شعوبنا وشعوب العالم".
أمام هذا الواقع الضاغط يهرب بطل العمل في تفاصيل الذاكرة وقصة عشقه الصغيرة التي وجد فيها ملاذه الآمن عزاءه وسط دوامة من الفقد العام "إذن هذا أنا، خليط من البرتقال الأخضر، ورائحة مطبخ أمي، وعطر أكفان أخي، وأنفاس منى، طائري المنهك العائد من سماوات الغياب".
يذكر أن أسامة الزيني أحد الأصوات الشعرية المصرية المعروفة التي انتقلت في العقد الأخير إلى أرض الرواية حيث حصد أكثر من جائزة عربية منها جائزة الشارقة للإبداع العربي للشباب عن روايته (أنا وعائشة) من الإمارات العربية المتحدة، وجائزة الألوكة الكبرى عن روايته (أهازيج البنغال) من المملكة العربية السعودية، وجائزة دار الصدى عن روايته (شتاء جنوبي)، بالإضافة إلى قائمة جوائز عربية أخرى في الشعر منها جائزة سعاد الصباح عام 1998 عن ديوانه "طبل الريح" من الكويت.