أوروبيين وآسيويين وعرب يعيشون في الجزائر
"رمضانكم مذهل وموائدكم تحفة .. ولكنكم لا تسوّقون روائعكم"
"لدينا بابانويل واحد ولديكم شهر من الفرح والتراحم"
"أنتم أثرياء وموائدكم تنافس مطاعم الخمسة نجوم"
تؤكد إحصاءات رسمية أن عدد الأجانب في الجزائر يفوق مئة ألف، وترفع أرقام غير رسمية الرقم إلى قرابة ثلث مليون نسمة، ويبقى شهر رمضان هو الفرصة الكبرى وربما الوحيدة التي تقدم الجزائري لهؤلاء الأجانب في صورته الاجتماعية رغم داء اللهفة وأعداء الأسعار الملتهبة، الشروق اليومي أفطرت في العشر الأواخر مع عدد من الجنسيات الأوربية والآسياوية والعربية وأخذت انطباعات صبت جميعها في كون رمضان هو ملحمة جديدة يخوضها المسلمون والجزائريون الذين يقدسون الشهر ويمنحوه نكهة لا يمكن أن نرى لها مثيلا في بلد آخر باعتراف الأجانب أنفسهم، يقول الصيني ويجيجور وهو عامل في مؤسسة سيساك المشرفة على إنجاز المدينة الجامعية الكبرى في علي منجلي بولاية قسنطينة، إنه يشعر بقساوة صيام الشهر الفضيل ويندهش لصبر الناس، وينتظر معهم بشغف آذان المغرب لأجل أن يرى ابتسامة الإفطار، "إنه مدهش".
ما يحدث عندكم يجبرنا على احترامكم
رغم أن الصين بها عشرات الملايين من المسلمين إلا أن رمضان في الجزائر هو حدث كبير بالنسبة للجميع فأينما تولي وجهك ترى مظاهره المدهشة وهو ما جعل زميلته الصينية المترجمة زيهيا تشرح رأيها في رمضان، "ما يحدث عندكم يجبرنا على احترام تضحياتكم بالصيام نحن أيضا، ومنا من صار يصوم فعلا ويرفض شرب الماء أو تناول الطعام حتى ولو كان بمفرده"، وتبتسم وتعرّج على كون الصوم هو ريجيم حقيقي وطبيعي يمنح الجهاز الهضمي عطلة إجبارية لا يختلف في مدته بالخصوص عن العطلة المخصصة للعامل إذا تمت دراسة الأطباق المقدمة ليلا، ويركز زميلها ويجيجور على أن الأطباق التقليدية الجزائرية هي تحفة نادرة تقدم نكهة تختلف بالكامل عن الأطباق الآسيوية وحتى الأوروبية، ويذهب الإيطالي مورجينو إلى أبعد من ذلك فيقول: "نحن لدينا بابانويل واحد ورأس سنة ميلادية واحدة مرة كل سنة، نحتفل بها ويساعد فينا الغني الفقراء أما عندكم فهو شهر كامل، لا نرى فيه جائع واحد ولا فقير واحد، تكافل مذهل، حتى الناس يحتفلون في النهار والليل بهذا الشهر"، ويشرح زميله ضاحكا سيريو: "لا يمكن لأي شخص يعيش معكم في شهر رمضان أن يتعدى على التزامكم سوى بالصوم، فنحن صراحة لا نصوم ولا يمكننا في نفس الوقت أن ندخن أو نشرب الماء في أماكن عملنا بسبب التزامكم الصارم بالصيام".
الإيطاليون منبهرون من المطبخ الجزائري
الإيطاليون المشرفون على إنجاز خط الترامواي، يرون أن إجماع الجزائريين على صوم رمضان من دون استثناء هو وحدة واتحاد نادرة لا يمكن مشاهدتها في مكان آخر، أما عن الأطباق الجزائرية التي خطفت أذواقهم فيحلمون بنقلها جميعا إلى إيطاليا خاصة رغيف الكسرة ولا يرون مانعا في أن يعتمد الإيطاليون على الطاجين أو الوسائل الحديثة لتقديم هذا الخبز المصنوع من السميد، أبناء بلد البيتزا والسباغيتي، قالوا إن الجزائريين لا يتقنون الأكلات التقليدية ويُبدعون فيها فقط، وإنما أيضا الأكلات الغربية المكونة من اللحوم مثل لحوم الضأن المحمرة، ويرى مورجينو أن الكسكسي الجزائري أكلة مرسوم عليها حضارة كبرى من طريقة تحضيره والطبق الذي يوضع فيه واجتماع الناس حول الطبق بطريقة اجتماعية وأخوية، وانتهاء بمرقه الأحمر والخضار الموسمية الصحية التي تزينه رفقة اللحوم بأنواعها، وغير بعيد عن الأطباق الجزائرية قال المهندس بيهاري وهو شاب تركي في الثلاثينات من العمر ضمن الفريق العامل في شركة ماكيول التي مقرها الرئيسي في العاصمة التركية اسطنبول على مستوى الطريق السيار شرق غرب في جزئه المتبقي على حدود ولاية سكيكدة، أن اشتراك الجزائريين والأتراك يتركز في الحلويات فقط، ورغم أن الأكلات الجزائرية لا تختلف في مذاقها عن الأكلات التركية إلا أن للشربة الحمراء والشخشوخة والكسكسي، ما يجعل الصائم يسابق الساعات لأجل بلوغ آذان المغرب فيحس أن الله يجازيه دنيويا بأكلات لذيذة قبل الجزاء الكبير يوم الحساب، ومعظم الأتراك المتواجدين في الجزائر لا يصطحبون معهم زوجاتهم وأبناءهم، ورغم تعلم الكثير منهم اللغة الفرنسية وحتى العربية إلا أن التواصل مع الجزائريين مازال مقتصرا على الجانب المهني والصداقات كلها وليدة فرصة العمل وتبقى بين المكان والزمان فقط رغم أن ظاهرة الأعمال الدرامية التركية قد أدخلت أبناء الدولة العثمانية من دون جواز سفر، الأتراك يؤدون بين الحين والآخر صلاة التراويح وصاروا يشترطون في قواعد الحياة وأماكن العمل التي يعملون بها في الجزائر وجود مصلى لهم وللعمال الجزائريين، أما بالنسبة للأفارقة فغالبيتهم من المسلمين القادمين من مالي ونيجر ونيجيريا والسينغال وهم يعيشون بطريقة عادية همّهم كسب لقمة العيش ولو بالتضحية بالفطور وبالسحور ويشترون الكسكسي من المحلات ويتناولونه بشراهة، فهم يرونه مُقنعا وصحيا ولا يُثقل معدتهم، ويُجمعون على أن الجزائريين أثرياء في عمومهم ودليلهم على ذلك أن الجميع يأكل ما يشاء ومن أفخم الأطعمة ويرتدون اللباس الفاخر ولهم سيارات من مختلف الماركات الأجنبية، وتكاد مزابل بعض الأحياء تنافس مطاعم الخمسة نجوم، ويذهلهم أن الكثير من الجزائريين ينسحبون من أمام موائد متخمة بأطعمة فاخرة. وتميّز رمضان 2012 بتواجد قوي للنازحين السوريين الذي هربوا في رمضان من سوريا وبعضهم قدموا من تركيا ومن مصر وكلها دول إسلامية لأجل ذلك لم يلاحظوا اختلافا كبيرا، الملاحظة التي أجمع عليها غالبية الأوروبيين والآسياويين وحتى الأفارقة والعرب الذين تحدثت معهم الشروق اليومي على موائد الإفطار أن الجزائريين فشلوا فشلا ذريعا في تسويق صورتهم الرائعة في شهر رمضان، وقال مهاجر مصري إن الإعلام المصري يسوّق موائد الإفطار والسحور الجماعية لكل العالم بينما تعيش الجزائر كل هذه النْعمة في السر والكتمان.