اجتمع هولاكو مع كبار مستشاريه في مجلس حرب يُعَدُّ من أهمِّ مجالس الحرب في تاريخ التتار، لقد أخذ القرار بغزو العاصمة بغداد ، وكان هولاكو قلقًا من أي مفاجآت؛ خاصَّة من الأمراء المسلمين الذين انضمُّوا إلى جيشه؛ ولذلك وضع على الفرق الإسلامية التي معه مراقبة شديدة، ولكن مخاوفه لم تمنعه من التقدُّم، كما أنها لم تكن حقيقية؛ لأن الأمراء المسلمين الذين انضمُّوا إليه لم يكن في نيتهم قطُّ الغدر «بهولاكو»، إنما كان العزم -كل العزم- أن يغدروا «ببغداد»!
كان مجلس الحرب معقودًا في مدينة «هَمَذَان» الفارسية (في إيران حاليًّا) وهي تقع على مسافة حوالي450 كيلو مترًا من بغداد إلى الشمال الشرقي؛ وقرَّر هولاكو في هذا المجلس أن يُقَسِّم جيشه إلى ثلاثة أقسام:
الجيش الأول:
هو القلب، وهو القسم الرئيسي من الجيش، وسيقوده هولاكو بنفسه، وستلحق به الإمدادات التي سيُرسلها «باتو» زعيم القبيلة الذهبية التترية، وكذلك ستلحق به الفرق المساعدة من مملكتي أرمينيا والكُرْج، وهذا القسم من الجيش سيخترق الجبال الواقعة في غرب فارس صوب بغداد مباشرة مرورًا بمدينة كَرْمَان شاه، وستكون مهمَّة هذا الجيش حصار بغداد من الجهة الشرقية.
الجيش الثاني:
هو الجناح الأيسر لجيش التتار، وهذا سيقوده «كتبغا» أفضل قوَّاد هولاكو، وسيتحرَّك هذا الجيش بمفرده في اتجاه بغداد أيضًا، ولكن إلى الجنوب من الجيش الأول، وقد تمَّ فصل الجيشين حتى لا تستطيع المخابرات الإسلامية -إن وُجدت- أن تُقَدِّر العدد الصحيح للجيش التتري، إضافة إلى أن الطرق لا تستوعب هذه الأعداد الهائلة من الجنود، فضلاً عن أن هذا الجيش ستكون له مهمَّة اختراق سهول العراق، والتوجُّه إلى بغداد من جهة الجنوب، وحصارها من جهتها الجنوبية الشرقية.
ومع أن المسافة تبلغ 450 كيلو مترًا؛ فإن هولاكو كان من الحذر الكافي بحيث استطاع أن يُخفي هذا الجيش عن عيون العباسيين -إن كانت هناك عيون- فلم يكتشف العباسيون الجيش إلاَّ وهو على بُعد كيلو مترات معدودة من بغداد!
أما الجيش الثالث:
فكان هو الجيش التتري الرابض على أطراف الأناضول (في شمال تركيا الآن)؛ الذي كان مكلَّفًا بفتح أوربا قبل ذلك، وعلى رأس هذا الجيش الزعيم التتري الكبير «بيجو»، وكان على هذا الجيش أن يأتي من هذه المناطق الشمالية في اتجاه الجنوب حتى يصل بغداد من شمالها، ثم يلتف حولها ليُحاصرها من جهة الغرب، وبذلك تحصر بغداد بين هولاكو شرقًا وكتبغا من الجنوب الشرقي وبيجو من الغرب[1].
لكنَّ هناك مشكلتين كبيرتين أمام هذا الجيش الثالث:
أما المشكلة الأولى:
فإن عليه أن يضبط توقيته؛ حتى يأتي بغداد في الوقت نفسه الذي يأتي فيه جيش هولاكو، وإلا وجد نفسه وحيدًا أمام العباسيين إن جاء مبكِّرًا، أو ترك هولاكو وحيدًا إن كان متأخِّرًا؛ فإذا أخذنا في الاعتبار أن هذه التحرُّكات تدور في زمان ليست فيه وسائل انتقال معلومة سرعة التحرُّك بدقَّة.. وليست فيه وسائل الاتصال إلاَّ عن طريق الخيول، وليست هناك طرق ممهَّدة؛ لعلمنا صعوبة هذه النقطة، ومع ذلك فقد وصل بيجو في التوقيت المناسب إلى بغداد؛ دلالة على دقَّة حساباته، ومهارته في التحرُّك بهذا الجيش الكبير.
المشكلة الثانية:
من المفروض أنها أكبر بكثير من المشكلة الأولى؛ وهي أن هذا الجيش الثالث -لكي يصل إلى بغداد- عليه أن يخترق مسافة خمسمائة كيلو متر في الأراضي التركية، ثم خمسمائة كيلو متر أخرى في الأراضي العراقية، وهذه كلها أراضٍ إسلامية! أي أنه يجب أن يسير مسافة ألف كيلو متر في أعماق العالم الإسلامي حتى يصل إلى بغداد؛ وتَذَكَّر أننا نتحدَّث عن زمن ليس فيه طائرات؛ أي أنه ليس هناك غطاء جوي يكفل له الحركة في أمان، أو يضمن له تدمير ما يُقابله من معوقات، لقد كانت أقلّ المخاطر التي تواجه هذا الجيش أن يُكتشف أمره، فيفقد -على الأقل- عنصر المباغتة، ويستعدّ له الجيش العباسي قبل وصوله، أمَّا المخاطر الكبرى التي كانت في انتظاره فهي أن يجد مقاومة شرسة في طريقه؛ المليء بالتجمُّعات السكنية الهائلة.. وكلها تجمُّعات إسلامية، أو أن تُنصب له الكمائن، وتُوضع له الشراك.. وتَذَكَّر أنه يخوض في أرض يدخلها للمرَّة الأولى في حياته، لكن -سبحان الله!- كل هذا لم يحدث.. لقد قطع «بيجو» بجيشه 95٪ من الطريق (أي حوالي 950 كيلو مترًا) دون أن تدري الخلافة العباسية عنه شيئًا! لقد باغت «بيجو» الخلافة العباسية على بُعد خمسين كيلو مترًا فقط شمال غرب بغداد! لقد اكتشف العباسيون جيش «بيجو» تمامًا كما اكتشفوا جيش هولاكو، عندما كان كلا الجيشين على مسيرة يوم واحد من بغداد!
وإن كنا نقول: إن جيش هولاكو كان يتخفَّى بالجبال، ويسير في أراضٍ غالبها تحت سيطرة التتار، فكيف نُفَسِّر مباغتة بيجو لبغداد بهذه الصورة؟!
إن تسويغ اختراق «بيجو» للأراضي الإسلامية يحمل معه مصيبتين عظيمتين:
أمَّا المصيبة الأولى:
فهي غياب المخابرات الإسلامية عن الساحة تمامًا، وواضح أن الجيش العباسي كان لا علم له ولا دراية بإدارة الحروب أو فنونها.
والمصيبة الثانية والأعظم:
فهي أن هناك خيانة كبرى من أمراء الأناضول والموصل المسلمين؛ هذه الخيانة فتحت الأبواب لجيش التتار، ولم يحدث أيُّ نوع من المقاومة، وسار الجيش التتري في هدوء وكأنه في نزهة، وبالطبع لم يرتكب في طريقه مذابح لكي لا يلفت أنظار الخلافة في بغداد، ورضي الناس منه بتجنُّب شرِّه، وخافوا أن يدلُّوا عليه لكي لا ينتقم منهم بعد ذلك.
خيانة عظمى من كيكاوس الثاني وقلج أرسلان الرابع أمراء الأناضول.
وخيانة أعظم من بدر الدين لؤلؤ أمير الموصل.
فبدر الدين لؤلؤ لم يكتفِ بتسهيل مهمَّة التتار، والسماح لهم باستخدام أراضيه للانتقال والعبور، بل أرسل مع التتار فرقة مساعدة تُعينهم على عملية «تحرير العراق» من حُكم الخلافة العباسية!
ومن الجدير بالذكر أن بدر الدين لؤلؤ قام بهذه الخيانة وهو يبلغ من العمر ثمانين عامًا! وقيل: مائة! وجدير بالذكر -أيضًا- أنه مات بعد هذه الخيانة بشهور معدودات!
ونسأل الله حسن الخاتمة.
كانت هذه هي تحرُّكات الجيش التتري.
كيف كان الوضع في بغداد؟
كانت بغداد في ذلك الوقت من أشدِّ مدن الأرض حصانة؛ وكانت أسوارها من أقوى الأسوار؛ فهي عاصمة الخلافة الإسلامية لأكثر من خمسة قرون، وأُنفق على تحصينها مبالغ طائلة وجهود هائلة؛ لكن وا أسفاه على المدينة الحصينة!
لقد كانت الحصون تحتاج إلى رجال؛ ولكن ندر الرجال في ذلك الزمن!
مَنْ على رأس الدولة في الخلافة العباسية؟
إنه الخليفة السابع والثلاثون والأخير من خلفاء بني العباس في بغداد.
إنه «المستعصم بالله».
اسم كبير «المستعصم بالله»، ولقب كبير أيضًا: «خليفة المسلمين»!
ولكن أين مقوِّمات الخلافة في «المستعصم بالله»؟!
عندما تقرأ عن صفات هذا الخليفة الذاتية في كتب السير؛ مثل: تاريخ الخلفاء للسيوطي، أو البداية والنهاية لابن كثير.. أو غيرها من الكتب تجد أمرًا عجبًا.
تجد أنهم يصفون رجلاً فاضلاً في حياته الشخصية وفي معاملاته مع الناس، (رجل يتميَّز بالطيبة.. مثلما يقولون).
يقول ابن كثير مثلاً: «كان حسن الصورة، جيد السريرة، صحيح العقيدة، مقتديًا بأبيه «المستنصر» في المَعْدَلة[2]، وكثرة الصدقات، وإكرام العلماء والعباد... وكان سُنِّيًّا على طريقة السلف واعتقاد الجماعة»[3].
ولا أدري في الحقيقة ماذا يقصد بأنه كان على طريقة السلف؟!
ألم يكن في مذهب السلف جهاد؟!
ألم يكن في مذهب السلف إعداد للقتال؟!
ألم يكن في مذهب السلف دراسة لأحوال الأرض ولموازين القوى؟!
ألم يكن في مذهب السلف حميَّة ونخوة لدماء المسلمين التي سالت على مقربة من العراق في فارس وأَذْرَبِيجَان وغيرها؟!
ألم يكن في مذهب السلف وَحْدَة وألفة وترابط؟!
لقد كان الخليفة المستعصم صالحًا في ذاته؛ كان رجلاً طيبًا؛ لكنه افتقر إلى أمور لا يصحُّ أن يفتقر إليها حاكم مسلم:
افتقر إلى القدرة على إدارة الأمور والأزمات.
افتقر إلى كفاءة القيادة.
افتقر إلى علو الهمَّة، والأمل في سيادة الأرض، والنصر على الأعداء، ونشر دين الله.
افتقر إلى الشجاعة؛ التي تُمَكِّنه من أخذ قرار الحرب في الوقت المناسب.
افتقر إلى القدرة على تجميع الصفوف، وتوحيد القلوب، ونبذ الفُرقة، ورفع راية الوَحْدَة الإسلامية.
افتقر إلى حُسن اختيار أعوانه، فتجمَّعَتْ من حوله بطانة السوء؛ الوزراء يسرقون، والشرطة يظلمون، وقوَّاد الجيش متخاذلون!
افتقر إلى محاربة الفساد، فعمَّ الفساد وطغى؛ وكثرت الاختلاسات من أموال الدولة، وعمَّت الرشاوى، وطغت الوساطة، وانتشرت أماكن اللهو والفساد والإباحية والمجون؛ بل وأُعلن عنها صراحة! ودُعِيَ إليها على رءوس الأشهاد! الراقصات الخليعات ما كُنَّ يختفين في هذا البلد الإسلامي بل يُعْلِنَّ عن أنفسهن صراحة!
نعم كان الخليفة محسنًا في أداء شعائر الدين من صلاة وصيام وزكاة؛ نعم كان لسانه نظيفًا، وكان محبًّا للفقراء والعلماء، وكل ذلك جميل في مسئوليته أمام نفسه، لكن أين مسئوليته أمام مجتمعه وأُمَّته؟
لقد ضعف الخليفة تمامًا عن حمل مسئولية الشعب.
لقد كان باستطاعة الخليفة أن يُدَبِّر من داخل العراق مائة وعشرين ألف فارس فضلاً عن المشاة والمتطوعين، وكان الجيش التتري المحاصِر لبغداد مائتي ألف مقاتل، وكان هناك أمل كبير في ردِّ الغزاة، لكنَّ الخليفة كان مهزومًا من داخله! وكان فاقدًا للرُّوح التي تُمَكِّنه من المقاومة، كما أنه لم يُرَبِّ شعبه على الجهاد، ولم يُعَلِّمْهم فنون القتال.
وإلاَّ.. فأين معسكرات التدريب التي تُعِدُّ شباب الأُمَّة ليوم كيوم التتار؟!
أين الاهتمام بالسباحة والرماية وركوب الخيل؟!
أين التجهيز المعنوي للأُمَّة لتعيش حياة الجدِّ والنضال؟!
أنا لست متحاملاً على الخليفة!
لقد حكم هذا الخليفة بلاده ما يقرب من ستة عشر عامًا.
إنه لم يُفاجأ بالحكم.. ولم يأته الأمر على عجل..
لقد رُبِّي ليكون خليفة، وتولَّى الحكم وهو في سنِّ الحادية والثلاثين، وكان شابًّا ناضجًا واعيًا، وأُعطي الفرصة كاملة لإدارة البلاد؛ وظلَّ في كرسي حكمه ستة عشر عامًا كاملة، فإن كان كَفِيًّا كان عليه أن يُعِدَّ العُدَّة، ويُقَوِّي من شأن البلاد، ويرفع من هيبتها، ويُعلي من شأنها، ويُجَهِّز جيشها، ويُعِزَّ رأيها، وإن كان غير ذلك فكان عليه -إن كان صادقا- أن يتنحَّى عن الحكم.. ويترك الأمر لمن يستطيع؛ فهذه ليست مسئولية أسرة أو قبيلة؛ إنما هي مسئولية أُمَّة.. وأمة عظيمة كبيرة جليلة، أمة هي خير أمة أخرجت للناس.
لكن الخليفة لم يفعل أيًّا من الأمرين.. لا هو قام بالإعداد، ولا هو قام بالتنحي.. فكان لا بُدَّ أن يدفع الثمن، وكان لا بُدَّ لشعبه الذي رضي به أن يدفع الثمن معه.
وعلى قدر عظم الأمانة التي ضاعت، سيكون الثمن الذي يدفعه الخليفة ومعه الشعب.. وسترون كيف كان ثمنًا باهظًا!
والبلاد لم يكن ينقصها المال اللازم لشراء السلاح أو تصنيعه، بل كانت خزائن الدولة ملأى بالسلاح، لكنه إما سلاح قديم بالٍ أكل عليه الدهر وشرب، وإما سلاح جديد عظيم لم يُستخدم من قبل.. ولكن -للأسف الشديد- لم يتدرَّب عليه أحد.
والنتيجة: جيش الخلافة العباسية جيش هزيل ضعيف، لا يصلح أن يكون جيشًا لإمارة صغيرة، فضلاً عن خلافة عظيمة.
كان هذا شأن الخليفة في بغداد! فماذا عن حكومته؟ كيف كان حالها؟!
حكومة بغداد:
كانت البطانة كالحاكم، وكان الحاكم كالبطانة.. كانت الحكومة -كالجيش- هزيلة ضعيفة مريضة، مكونة من «أشباح» وزراء! ليس من همهم إلا جمع المال والثروات، وتوسيع نطاق السلطة، والتحكم في رقاب العباد، والتنافس الشريف وغير الشريف فيما بينهم، والتصارع المرير من أجل دار أو منصب أو حتى جارية.! وكان على رأس هذه الوزارة الساقطة رئيس وزراء خائن باع البلاد والعباد، ووالى أعداء الأمة، وعادى أبناءها! لقد كانت تلك الوزارة سيفًا مسلطًا على رقاب وأموال المسلمين.. ولم تكن علاقاتهم بالمسلمين الذين يحمونهم علاقة الإخوة بإخوانهم.. وإنما كانت علاقة السادة بعبيدهم.
الشعب في بغداد:
كيف كانت طبيعته؟ وكيف كانت طموحاته؟!
لا تتوقَّعوا أنه شعب قد ظُلم بخليفة ضعيف أو هزيل.. فالحُكَّام إفراز طبيعي جدًّا جدًّا للشعوب.
«كما تكونوا يُوَلَّ عليكم»[4].
الشعب في بغداد آنذاك كان شعبًا كبيرًا ضخمًا.. كان يبلغ ثلاثة ملايين نسمة على الأقل، وبذلك تُعَدُّ بغداد أكثر مدن العالم ازدحامًا في ذلك الوقت، هذا إلى جانب السكان في المدن والقرى المحيطة.. فلم تكن تنقصهم الطاقة البشرية، ولكنهم كانوا شعبًا مترفًا.. ألِف حياة الدعة والهدوء والراحة.. الملتزم فيهم بدينه اكتفى بتحصيل العلم النظري، وحضور الصلوات في المساجد، وقراءة القرآن، ونسي الفريضة التي جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ذروة سنام الإسلام وهي فريضة الجهاد، وغير الملتزم منهم بدينه -وهم كثير- عاشوا لشهواتهم وملذَّاتهم، وتنافسوا في ألوان الطعام والثياب، وفي أعداد الجواري والغلمان، وفي أنواع الديار والحدائق والبساتين والدواب؛ ومنهم مَنِ التهى بسماع الأغاني والألحان عن سماع القرآن والحديث، ومنهم من شرب الخمر، ومنهم من سرق المال، ومنهم من ظلم العباد.. وفوق ذلك فإنهم ظلوا قرابة الأربعين سنة يسمعون عن المذابح البشعة التي تتمُّ في إخوانهم المسلمين في أفغانستان وأوزبكستان والتركمنستان وفارس وأَذْرَبِيجَان والشيشان..
سمعوا عن كل هذه المذابح ولم يتحرَّكوا..
وسمعوا عن سبي النساء المسلمات ولم يتحرَّكوا..
وسمعوا عن خطف الأطفال المسلمين ولم يتحركوا..
وسمعوا عن اغتصاب بنات المسلمين ولم يتحركوا..
وسمعوا عن سرقة الأموال، وتدمير الديار، وحرق المساجد، ولم يتحركوا..
بل سمعوا أن خليفتهم «الناصر لدين الله» جد «المستعصم بالله» كان يساعد التتار ضد المسلمين الخُوارِزمية ولم يتحرَّكوا!
سمعوا بكل ذلك وأضعافه ولم يتحركوا.
فلا بد أن يكون الجزاء من جنس العمل!
«كَمَا تَدِينُ تُدَانُ»[5].
سيأتي يوم يذوق فيه هذا الشعب كل ما كان يُفعل في الشعوب المسلمة الأخرى، ولن يتحرَّك له أحد من المسلمين، بل سيساعدون التتار عليهم كما ساعدوهم على إخوانهم من قبل.. وهكذا تدور الدوائر.
ولا يقولن قائل: إن الشعب مغلوب على أمره. فالشعوب التي تقبل بكل هذا الانحراف عن نهج الشريعة شعوب لا تستحق الحياة، الشعوب التي لا تثور إلا من أجل لقمة عيشها شعوب ليس لها أن ترفع رأسها.
ثم أين العلماء؟ وأين الرجال؟ وأين الشباب؟ وأين المجاهدون؟
أين الآمرون بالمعروف؟ وأين الناهون عن المنكر؟
أين الحركات الإصلاحية في هذا المجتمع الفاسد؟
أين الفهم الصحيح لمقاصد الشريعة، ولأصول الدين؟
أليس في بغداد رجل رشيد؟!
لقد كان هذا هو الوضع في بغداد.
أمَّا خارج بغداد فالوضع كما تعلمون.. فهناك جيوش التتار تتحرَّق شوقًا لتعذيب المسلمين، والمسلمون في استكانة ينتظرون التعذيب!
[1] ابن العبري: تاريخ الزمان ص307.
[2] المعدلة؛ أي العَدْل: وهو الحُكْم بالحقِّ.
[3] ابن كثير: البداية والنهاية 13/238.
[4] الطرطوشي المالكي: سراج الملوك ص116.
[5] سنن البيهقي 1/197.
د.راغب السرجاني