توجه ملوك الكشيين بعد ذلك إلى إعمار مختلف المدن البابلية المهمة وتجديد معابد الآلهة الكبيرة فيها ، وبناء معابد جديدة منها معبد ( أي – أنا ) والذي عُثر عليه في الوركاء ؛ شيده الملك ( كرنداش ) ؛ الواقعة في الناحية الشمالية الشرقية من الزقورة ؛ إن المعابد الكشية بالرغم من صغر حجمها بالنسبة للمعابد القديمة إلا أن كل جزء منها يبدو كشي حقيق ابتداءً من مخططها الأرضي إلى الصفة الداخلية والمظهر الخارجي فيها.
المعبد ذا شكل مستطيل ، فالمدخل يقع على محور المعبد وفي أحد الجانبين الذي يؤلف الواجهة ؛ وكذلك لا يمكن الوصول إلى الفسحة التي أمامها بصفة مباشرة من المدخل ؛ وهي تؤلف قلب البناء ؛ ويحف بها من كل من جانبيها الطويلين ملحق أشبه بالدهليز ؛ ولقد شيدت الأركان الأربعة بشكل محصن وأقيمت على الجدار الشمالي الغربي دكة في الجزء الداخلي من مؤخرة الخلوة لتكون موضع تمثال العبادة ؛ فهذا المخطط الأرضي مغاير تماماً لكل المخططات الأرضية الشرقية القديمة لأنه لا يحتوي باحة داخلية ؛ وهذا البناء نصب مستقل ؛ فهو بواجهته وأبراجه الأربعة في الأركان .
أن الشيء الجديد كلية في معبد ( أي – أنا ) يتمثل في قاعدة جدرانها الخارجية التي توفر لنا دليل على استقلالية البناء الكشي ، وانفصاله عن التقاليد التي أنتجتها أيدي البّناء والفنان السومري والأكدي ؛ فآجر قاعدة الجدران تتألف من قطع آجرية ذات أشكال وصور بارزة إذا جمعت بعضها إلى بعض ظهرت الأشكال الآدمية كاملة بارتفاع مترين إلى ثلاثة أمتار .
ويؤلف الآجر ذو الأشكال الآدمية ، إفريزاً ذا صفين من آلهة تقف في فجوات جدارية متجهة إلى الخارج ؛ فهناك إله من آلهة الجبل الذي تم تمييزه بأشكال الزخرفة التي تشبه حراشف السمك وبقبعته ؛ وهو يتناوب مع إلهة من آلهات النهر التي أمكن تشخيصها عن طريق شكل أمواجها ؛ وكذلك زهريات الماء الفوار بجداول من الماء المتدفق منها ؛ فضلاً عن صف الجبال المتمثلة بأنصاف دوائر ؛ أن الآجر ذو الأشكال الآدمية يمثل النحت الذي يستعمل في الواقع بمثابة جزء من فن العمارة ، وأكثر من هذا فإن الآجر المقلوب بأشكال آدمية كان جزءاً أساسياً لإنشاء الأبنية ؛ وهو وأن كان له مظهر النحت فأنه لم يفقد قيمته المعمارية وحتى عندما يبدو كمنحوتات في حقيقته .
كما شيد الملك ( كوريكالزو الأول ) معبداً في مدينة أور أسمه ( ادوب – لالماخ ) ، والذي يعني تقريباً ( الدار المعدة لتعليق الألواح المجيدة ) ؛ ولهذا المعبد أهمية في تاريخ فن العمارة الكشية من ناحيتين ؛ الأول لأنه يحتوي على باب أوسع مقبى ما تبقى منها يرتفع إلى أكثر من ثلاثة أمتار ؛ والثانية لأن الملك قد بنى المعبد على دكة ؛ وهي نوع من الأسس الواقعية المرتفعة ؛ وربما استعملت الأخيرة لغرض رفع البناء عالياً عن الأبنية الدنيوية المحيطة به ؛ وأحتوى هذا المعبد على ساحة مركزية ومجموعة من الساحات الثانوية الأخرى ؛ تحيط بها مجموعة من الغرف المربعة والمستطيلة .
أما الزقورة والتي لم يبق منها سوى الطبقة الأولى وأجزاء قليلة من الطبقة الثانية ، ومع هذا فارتفاعها الحالي عن سطح الأرض ( 56 م ) ؛ وتبلغ مساحة قاعدتها ( 78 x 78 م ) ؛ وارتفاع الطبقة الأولى ( 33 م ) ؛ ولما كانت العادة في الزقورات المربعة التي هي من نوع زقورة ( دور – كوريكالزو ) أي الزقورة المربعة ؛ أن يكون علوها بمقدار طول ضلع الطبقة السفلى ؛ فيكون على هذا الأساس العلو الأصلي لبرج عقرقوف نحو ( 78 م ) .وتحتوي على سلم رئيس وسلمين جانبين ، وكان كلاً من السلمين الجانبيين يبتديات بمسافة ( 18 م ) من زاويتي الوجه الجنوبي الشرقي للزقورة ؛ وقد ظهر ارتفاع كل درجة منها بمعدل ( 18 سم ) ؛ وعمقها بمعدل ( 27 – 28 سم ) ؛ أما السلم الرئيس ( الوسطي ) الذي يلتقي مع السلمين الجانبيين في صحن في نهاية الطبقة الأولى ؛ وقد وجد عرض هذه السلالم الثلاثة مع الشرفات ( 5.20 م ) ؛ وعرض كل درجة ( 2.50 م ) ؛ وعرض عدد طبقات زقورة عقرقوف بست طبقات .
إن هذا البرج يعتبر حلقة مهمة في تطور بناء الزقورات ، ونموذجاً مهماً في الأبراج المدرجة العائدة لحضارة وادي الرافدين ؛ ويلاحظ في بناء الزقورة إنها مكونة من صفوف أو طبقات من اللبن ؛ يبلغ ما بقي منها الآن ثلاثين طبقة ؛ في كل طبقة ( 8 – 9 ) سافات من اللبن ؛وتفصل هذه الطبقات بعضها عن بعض طبقات الحصير المصنوعة من القصب فرشت عليها طبقة من الحصى والرمل بسمك ( 8 سم ) ؛ كما توجد كذلك لفات من الحبال ( بقطر 10 سم ) ؛ نافذة في بطن البناء ؛ لعلها استعملت لتقوية البناء على غرار الخرسانة المسلحة ؛ كما يوجد في بدن الزقورة فتحات مربعة وذلك لمراعاة التمدد الحاصل في بدن الزقورة في فصل الصيف(11).
وهناك جملة معابد رئيسة تقع إلى الجنوب الشرقي من الزقورة ، شيد ت من قبل الملك الكشي ( كوريكالزو الثالث ) ؛ وهي ثلاثة معابد رئيسة هي ( معبد إنليل وزوجته ننليل ومعبد ننورتا ) ؛ وأشهر هذه المعابد هو معبد الإله ( إنليل ) والمعبد مقام حول مصطبة رئيسة مساحتها ( 24 x 43 ) مشيدة باللبن ومغلفة بالآجر مزينة بالطلعات والدخلات ؛ واجهة المعبد مشابهة للزقورة من حيث أن جدرانها تميل إلى الداخل كلما ارتفعنا نحو الأعلى ؛ وللمصطبة سلمان في ضلعها المطل على المعبد الرئيس ؛ وشيد هذا المعبد وفق نمط خاص قوامه ساحة مركزية كبيرة تحيط بها من الجوانب الأربعة مجموعة من الغرف المستعرضة الضيقة ؛ ولم يعثر في بقايا تلك المعابد على غرفة قدس الأقداس وامتازت هذه المعابد بجدرانها السميكة ؛ حيث بلغ سمك جدران معبد ( إنليل ) حوالي ( 3.5 م ) ؛ ويتألف المعبد من ساحة مركزية كبيرة محاطة بغرف مستعرضة وممرات على الجهات الأربعة ؛ وللمعبد مدخلان رئيسيان أحدهما يقابل سلم المصطبة والأخر يقع على الضلع المقابل له ؛ وبقيت المعابد تتشابه ؛ كما عثر على دكاك لتقديم القرابين .
ثانياً : العمارة المدنية .
1- القصور : -
عثر على القصر الملكي في الجزء الغربي من أطلال عقرقوف المعروفة باسم ( التل الأبيض ) ، ويتألف مبنى القصر من منطقة مركزية ومجموعة ساحات محيطة بها ؛ وتتألف المنطقة من ساحة كبيرة مربعة ( 64 x 64 م ) ؛ مع مجموعة من الغرف تقع على ثلاثة من جوانبها ؛ وتتألف كل من هذه المجموعات من غرفة طويلة مستطيلة ودهليز محاط من كل جوانبه بغرف صغيرة ؛ فإذا كان الدهليز مسقوفاً فيجب أن يكون أعلى من سقف الغرف وهو الأسلوب المألوف في البناء لتوفير الضوء ؛ ذلك لأن الفتحة الوحيدة تتمثل في بوابة تقع على الساحة ؛ وبسبب طول ضلع الساحة البالغ الطول ؛ إذ أنه يبلغ ( 64 م ) ؛ فإن هذه البوابة كانت أشبه بشق في واجهتها .
أما غرف السُلم التي تقع في كل زاوية من المبنى الشمالي الشرقي فأنها تكون المرتقى إلى حصون الزوايا الشبيهة بالأبراج ، وإن هذه سوية مع واجهات الباحة التي لا فتحات لها ؛ لا بد وإن كانت تسيطر على مظهر مبنى القصر كله . أما الزاوية الشرقية من البناء فقد عُثر على ثلاث ممرات طويلة ومتوازية ، تخترق أرضها قنوات مياه ؛ وعلى جانبي الممر ( كوى ) مرتفعة عن الأرض ذات سقوف معقوفة ؛ كما كانت الممرات معقوفة من السقف أيضاً ؛ وينفذ من هذه الممرات إلى غرف مقببة أشبه بالخلايا على كلا الجانبين ؛ وكانت تستخدم لأغراض منزلية بشكل خاص .وعثر المنقبون على برج مشيد باللبن في الجنوب الغربي من الساحة الكبرى ، لا بد وأن كان جزءاً مهماً في القصر ؛ فهو يشبه الدكة داخل مبنى المعبد على التل ( أ ) ؛ وتتمثل خاصية فن العمارة الكشية في الطريقة التي لم توضع فيها المجموعات المختلفة التي حول الباحات متعاقبة إحداها تلو الأخرى ؛ ضمن سور خارجي مشترك ؛ وإنما شيدت بنسق متفكك ليس له نهج محدد بوضح .
أظهرت التنقيبات أن المنطقة المركزية والغرف التي تستدير حولها مباشرة قد قسمت إلى أربع طبقات من ( 1 – 4 ) ، قسمت منها الطبقة الأولى إلى ثلاثة أقسام ثانوية ( أ – ج ) ؛ أما الملحق ( ح ) فإنه يقع على مستوى أعلى بكثير من المنطقة المركزية ؛ وهكذا فإن البناء ( ح ) كان شيد في وقت متأخر وأنه لم يصبح جزءاً مكملاً لا ينفصل عن المبنى كله إلا في تاريخ متأخر . وقد عثر في هذا القصر على كتابة تحمل اسم ( كوريكالزو ) ، وكذلك اسم القصر ( أي – جال – كي – شار – را ) أي قصر بلد الجميع ؛ ويُعد الملحق ( ح ) ذات أهمية خاصة ؛ لأنه المكان الذي اكتشفت فيه الرسوم الجدارية .
2- الخصائص العامة للعمارة في العصر الكشي : -
1- إتباع التقاليد المعمارية التي كانت متبعة في العهد البابلي القديم . 2- استمرت الزقورة بنفس الشكل ونفس مواد البناء .3- ظهور مخططات معمارية جديدة قوامها ساحة وسطية كبيرة وتنتشر حولها مجموعة من الغرف المستعرضة الضيقة ومن نماذجها معابد ( إنليل وزوجته ننليل ) .4- تحتوي الأبنية على أكثر من مدخل أحياناً ، إضافة إلى كونها لم تلتزم بمخطط واحد .5- إنشاء مصطبة تتوسط معابد المدينة بطبقة واحدة مزينة بالطلعات والدخلات .6- معبد ( كارنداش ) شيد وفق مخطط ثلاثي الأجزاء يختلف عن بقية المعابد .7- استخدام ظاهرة معمارية جديدة والمتمثلة بالآجر ذو الأشكال الآدمية وعلى ارتفاع بين مترين إلى ثلاثة أمتار .8- استخدام لبن كبير الحجم ، وزينت بعض القصور برسوم جدارية ملونة .9- امتازت القصور بوجود ساحة مركزية محاطة بها وحدات معمارية ، كما امتازت بسعة الفناء وسمك الجدران ( 4.5 – 5 م )
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سهوري
