عمرها 3 مليارات عام ونطرح 37 مليوناً منها خلال ساعة.. حقائق مبهرة لا تعرفها عن البكتيريا
أنصتوا! إننا لسنا وحدنا. لم نكن أبداً وحدنا في هذا الكون. نحن مجتاحون من الداخل. والشياطين التي تسكننا لا يمكن طردها؛ لأنها لم تدخل من الأساس لتمتلكنا، بل كانت هنا قبلنا وسوف تبقى على قيد الحياة حتى بعد رحيلنا. لا يمكننا رؤيتها، فهي ماكرة وتتواجد بأعداد هائلة. وهي تتولى أمرنا بطرق لا تعد ولا تحصى. إذ تساعدنا في استخلاص المعادن والفيتامينات، وفي هضم الوجبة الثقيلة التي نتناولها على الغداء، كما أنها مسؤولة عن توفير كل أنواع الجبن والزبادي والجعة والنبيذ والخبز واللحم المقدد واللحم البقري. إنها الميكروبات، إذ يمكنها أن تتحكم في حالتنا المزاجية، وتتولى مسؤولية جهازنا المناعي، وتجعلنا نمرض، بل وتقتلنا، ثم تتولّى أمر تحلل أجسادنا.
نحن نتسبب في انتشارها، ونوفر لها تنوّعاً حيوياً ونمدها بكل ما تحتاجه لكي تتكاثر وتغزو مواطن جديدة. إننا أبراج متسكعة تسكنها البكتريا، وكل من تلك الأبراج مستعمر من حوالي 40 تريليون عنصر من تلك الكائنات. بشرتنا ملطخة بطبقة رقيقة من الميكروبات الحية، فضلاً عن الأعداد الكبيرة التي تغزو كل فتحة في هذه البشرة وتعمل بأعداد هائلة في أحشائنا.
بيد أننا لم نكن نعرف أنها موجودة هنا حتى فترة قريبة من التاريخ البشري. ولا نزال لا نعرف من هي وما الذي تفعله؟. إننا نكتشف أموراً جديدة كل يوم تقريباً. ففي يوليو/حزيران الماضي، أعلنت مجموعة من علماء الجراثيم الألمان عن مضاد حيوي جديد يمكنه أن يقتل بكتيريا العنقوديات الذهبية. وصُنعت تلك البكتيريا من خلال مواجهة ميكروبية غير متصلة بالبكتريا الأساسية تقوم من أجل السيطرة على الجسد المسلوب الذي يستضيف البكتيريا، وهو الأنف البشري. ويمكن لتلك المكورة العنقودية أن تنتج مادة سامة تتخلص من العنقوديات الذهبية، حتى وإن كانت تفوقها بنسبة 10 عنقوديات ذهبية أمام مكورة عنقودية وحيدة.
عالم مدهش وغني بالتفاصيل
ولن تجد ذلك الميكروب المحدد في كتاب إد يونغ المدهش والمرعب والغني بالتفاصيل التي يمكن فهمها، ولكن لا تقلق من ذلك. فإن لم تكن عالِم جراثيم، فستكون جميعها جديدة بالنسبة إليك. إنني أعتبره كتاباً رائعاً؛ فكل شيء يرتبط بعالم الميكروبات يدعو للاندهاش. وستجد نفسك تقلب الصفحة تلو الأخرى بشغف يشبه الشغف الذي اعتدناه في الماضي قبل عصر التكنولوجيا. فكل الحياة هنا، والموت أيضاً. الجنس والعنف ستجدهما فيه أيضاً، بما في ذلك الانحرافات التي لم ترها في أحلامك على الإطلاق.
اكتُشِف جنس بكتيريا الولبخية في عام 1924 داخل بعوضة. وفي الحقيقة يمكن أن نجدها في كل شيء. فمعظم أنواع الحيوانات على وجه الأرض تنتمي إلى شعبة المفصليات- بما في ذلك العناكب والبعوض والعقارب والعث وقمل الخشب وغيرهم- والولبخية تصيب على الأقل اثنين من بين كل خمسة حيوانات. إنها تتلاعب بحياتهم الجنسية، فتقتل ذكور الدبابير والإناث كذلك من خلال زيادة أعدادها عن الذكور. إنها تختار قتل الأجنة الذكور لفراشات القمر الأزرق في جزيرتي فيجي وساموا، لذا يتجاوز عدد الإناث عدد الذكور ب 100 مرة. إنها تغير الحيوانات المنوية للحشرات مما يجعل الذكور لا تستطيع أن تلقح سوى بويضات الإناث المصابة بنفس السلالة من بكتيريا الولبخية، وكل تلك الأمور تحدث لأن الميكروب يقوم برحلته عبر الأجيال عن طريق المبايض وداخل البويضات. إنه يبدو كما لو كان طاقة نسوية هائلة. وتمتلك تلك البكتيريا قوة مذهلة من الإستراتيجيات للبقاء على قيد الحياة وتنفيذ مهامها بنجاح.
تساعد كل تلك الأمور في وضع باقي الكائنات الحية في أماكنها. وعلى الرغم من أن تلك الأشياء دقيقة للغاية، فهي تعمل في خلية واحدة، وكل خلية من تلك الخلايا شديدة الصغر أمام أي خلية بشرية على حدة. لا تمتلك عقلاً أو نظاماً عصبياً، لكنها تتواجد بأعداد ضخمة- ففي كل ساعة تعطس أو تسعل أو تبصق أو حتى تتنفس، ينتقل ما يقرب من 37 مليوناً من تلك البكتيريا في الهواء المحيط بك، وبشكل شديد التنوع. وفي المجمل، تبدو أذكى منا، لكنها تتنافس وتتعاون.
أما بقيتنا فننشر جيناتنا المتنوعة من خلال التكاثر، وعليه يحدث التغيير مع الأجيال الجديدة. إذ يمكن للميكروبات أن تبدل تلك الطفرات اليدوية التي تسبب ميزة في الظروف العصيبة مع جيرانها، مما يعني أن ذلك التغيير يحدث بتلك البقعة، وأن ذلك التساوي وتلك الموهبة التعاونية- التي تسمى نقل الجينات الأفقي- يمكنها أن تنقل بسرعة السلالات الميكروبية التي تتعلم أن تقاوم أي نوع من المضادات الحيوية تتعرض له. وعليه فإن الميكروبات تتواجد حولنا، وقد تعلمت شيئاً أو ربما شيئين.
نحن ذرية للميكروبات
يبلغ عمر الحياة الكلي حوالي 500 مليون عام من التطور، أما عمر الميكروبات فيبلغ 3،5 مليارات عام. لذا فنحن ذريتها. إننا نتشارك الجينات معها، ونمتزج بحمضها النووي. وبالنسبة لعالم الجراثيم، تعد كل النباتات والطيور والثدييات والحشرات والرخويات والزواحف والأسماك والبرمائيات، مجموعة من الأغصان الأخيرة من طرف واحد لفرع حقيقيات النوى داخل المملكة الميكروبية.
وعلى الرغم من أن الحياة الميكروبية تمتد لكيلومترات أسفل المحيطات، كما تمتطي الغبار وبخار الماء فوق سحب الأطلسي، وأيضاً توجد لنفسها حياة داخل الينابيع الحرارية ونفايات المناجم والبحيرات القلوية وحتى المخلفات المشعة، فإن كتاب يونغ لا يتناول سوى الميكروبيوم، وهو اسم الميكروبات التي تعيش مع الإنسان والكائنات الحية بطريقة طفيلية أو تكافلية أو علاجية.
فلدينا بكتريا تسمى "فايبريوم فاشيري" Vibrium fischeri التي تغزو الحبار قصير الذيل الهوائي، لتشغل أجهزة التلؤلؤ مما يلغي ظلها ويجعلها غير مرئية للكائنات البحرية المفترسة. أما البكتيريا المسماة "تريمبلايا" Tremblaya ، فهي تستعمر بق الموالح الدقيقي ثم تتخلص من المواد الوراثية التي لم تعد في حاجة إليها باعتبارها متعايشة على البق. لدينا بكتيريا أخرى تسمى "مورينيلا" Moranella ، والتي تستعمر بكتيريا تريمبلايا. والآن ثمة ثلاث جهات في عملية التكافل، وبينها تسهم تسعة إنزيمات ضرورية في تكوين الأحماض الأمينية. لذا فلن يستطيع أي منها البقاء على قيد الحياة بدون وجود الآخر.
أما بكتيريا الأمعاء الموجودة في جيروذ الصحراء (حيوان قارض يتبع الفصيلة الفأرية) بجنوب الولايات المتحدة وغربها، مما يساعد تلك الحيوانات على أكل السموم الموجودة في الأدغال وأيضاً التخلص منها، وهي عملية قد تقتل أي حيوان ثديي آخر. وبكل تأكيد يستفيد الفأر من الميكروب أيضاً، في الحقيقة كلاهما يستفيد.
الأمهات يرضعن أطفالهن ميكروبات
وتبدو القصة متقنة عندما يتعلق الأمر بحليب الأمهات. فحليب الثدي يحتوي على اللاكتوز والدهون وأكثر من 200 نوع من السكريات المعقدة التي تسمى السكريات قليلة التعدد. إلا أن الرضع لا يمكنهم هضم أي من تلك الأشياء. وثمة كائن يتكون من خلية واحدة يسمى "بكتيريا بيفيدو لونجم الطفلية" Bifidobacterium longum infantis تلتهم كثيراً من تلك الأشياء. وتعد تلك البكتريا الميكروب المسيطر على أمعاء الرضع الذين يرضعون من حليب الثدي، ومع هضمها للسكريات، فإنها تفرز أحماضاً دهنية قصيرة السلسلة تطعم خلايا أمعاء الرضع فيما بعد.
لذا فإن الأمهات يرضعن أطفالهن الميكروب الذي يعمل على إطعام الرضع. وليس ثمة كائن ثديي يمكنه أن ينتج سكريات قليلة التعدد مثل البشر، أو حتى بنفس الكمية. بل وقد يبدو الأمر أن علينا أن ننشر بكتيريا الرضع لأنها السبب الذي يجعل عقولنا كبيرة، أو ربما تكون السبب في طفرة النمو بالسنة الأولى من حياة البشر.
وإن كنت تبحث عن مثل لـ "البكتيريا الجيدة"، فإن هذا الكتاب يتناول تلك الفكرة الصعبة بين صفحاته، إذ إن بكتيريا الرضع تبدو مثل المرشح لمنصب هام. كما يتناول الكتاب عملية أكل البراز وزراعة البراز بكل تفاصيلها وبأسلوب ممتع، كما أن الإشارة إلى البكتيريا "الجيدة" أو "الضارة" تبدو مخادعة. ميكروباتنا موجودة وتفعل وظيفتها ويستفيد كل منا من الآخر بطريقة ما، فيما عدا الحالة التي لا نفعل فيها نحن ذلك.
وعلى عكس عملية الاجترار عند الماشية وقطعان الرعي الكبيرة في سيرينغتي بأفريقيا، يقول يونغ إن البشر يمكنهم التخلص من البكتيريا المرافقة لهم، إلا أنه يتضح أن حياتنا ستصير أقصر بدون تلك البكتيريا. لدينا حياة داخل كل حركة نقوم بها ونحن المستفيدون الأكثر ثراءً من جراء تلك الحياة. كما أننا لا نزال أكثر ثراءً لاقتنائنا هذا الكتاب البارع والمثير للإعجاب.