في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد (59)
قال تعالى ( وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) سورة البقرة الاية 110 .
نتعرض في هذه الاية الى عدة مطالب
اولا : العلاقة بين الصلاة والزكاة
القران الكريم كما يظهر ويبرز المعاني البلاغية، كذلك يظهر الحقائق الالهية والترابط بين الايات والاحكام والتشريعات الالهية، ولذلك نجد في ايات كثيرة ربطا بين الصلاة والزكاة ولعلها تصل الى عشرات الايات قلما نجد ربطا بين الاحكام الاخرى ، وهذا ان دل على شيء فانما يدل على اهمية الصلاة والزكاة في الاسلام وسلوك الانسان المسلم ،فلا يمكن اقامة الصلاة والنفس شحيحة على المال ، ولا يمكن قبول الصلاة وانت تعيش البطر وهناك الفقراء لا يجدون رغيفا من الخبز يقاتون عليه ،لذلك اذا كنت تريد ان تقف بين يدي الله تعالى عليك كما تتقرب بالصلاة عليك ان تزكي اموالك وتعطيها للفقراء والمحرومين ولذلك اصبح الصوم والصلاة والحج والزكاة من اعظم الفرائض في الاسلام .
ثانيا: الانسان يدخر عمل الخير لنفسه
علينا ان ندرك ونتيقن ونفهم ونربي انفسنا سلوكا وثقافة، ان ما نقوم به من عمل صالح وصوم وصلاة وصدقة ومعروف وصلة ارحام واصلاح بين الناس وقضاء حوائج الناس وغيرها من الاعمال الخيرة مدخرة عند الله و هي لانفسنا في يوم نحتاج فيه الى عمل الخير والذي سوف يتخلى عنا اقرب الناس الينا ومن كنا نقوم بخدمتهم في الحياة الدنيا ،ولذلك الانبياء والائمة الاطهار لما عرفوا ذلك كانوا يفتشون ويبحثون عن الفقير والمحتاج وكانوا يفرحون بقدوم السائل ،وكان الامام السجاد إذا أتاه السائل يقول : مرحبا بمن يحمل زادي إلى الآخرة ، وكان يقبّل الصدقة قبل أن يعطيها السائل . قيل له : ما يحملك على هذا ؟.. فقال : لستُ أُقبّل يد السائل إنما أُقبّل يد ربي ، إنها تقع في يد ربي قبل أن تقع في يد السائل . )
روي أنّ عنبسة العابد قال : قلت لأبي عبد اللَّه عليه السّلام : أوصني ، فقال أعدّ جهازك ، وقدّم زادك ، وكن وصىّ نفسك ، ولا تقل لغيرك يبعث إليك بما يصلحك .
ثالثا : الله بصير بكل ما يقوم به الانسان
كل العالم بل العوالم والاكوان ما نرى وما لا نرى من الذرة الى المجرة بيد الله تعالى وتحت نظره ورعايته تبارك وتعالى ، فحتى لو عمل الانسان الاعمال الصالحة وكان سرا بينه وبين ربه تبارك وتعالى فسوف تكون هذه الاعمال مدخرة عند الله تعالى ،فسواء عمل الانسان الخير بشكل علني او بشكل سري فسوف يعرفه الله ولا يعزب عن الله اي عمل صالح بل الاعمال كل ما كانت خافية عن الناس كانت اكثر اخلاصا لله تعالى ولذلك الامام زين العابدين كان يقوم بالاعمال ليلا ولا يعرفه احدا ،وكان يخرج في غلس الليل البهيم فيوصل الفقراء بهباته وعطاياه، وهو متلثم، وقد اعتاد الفقراء على صلته لهم في الليل فكانوا يقفون على أبوابهم ينتظرونه فإذا رأوه تباشروا وقالوا: جاء صاحب الجراب ،؟ وكان له ابن عم يأتيه بالليل فيناوله شيئا من الدنانير، فيقول له العلوي: إن علي بن الحسين لا يوصلني، ويدعو عليه فيسمع الإمام ذلك، ويغضي عنه، ولا يعرفه بنفسه، ولما توفي (عليه السلام) فقد الصلة فعلم أن الذي كان يوصله هو الإمام فكان يأتي إلى قبره باكياً ومعتذراً منه ...........؟