المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
القران الكريم اقدس كتاب عرفته البشرية، فهو الكتاب الذي تحدى به النبي الاعظم محمد (صلى الله عليه واله) العرب بان يأتوا بمثله او بسورة ، ما يعني انه معجزة كبيرة في لغته وموضوعه، فهو لم يكتب بالعربية فحسب انما حمل مفاهيم عدة لحياة الانسان المسلم، لان الكتاب من الله عز وجل وليس من صنع البشر حتى يتعرض للتبديل او التحريف او الزيادة او النقصان، فهذا الدستور حوى مواضيع شتى وجعل الله تعالى آياته بمثابة الكنز للمتأمل والباحث، وقد حث على تدبره واكتشاف مكنوناته العظيمة واسراره العالية، وقد اهتم به الاعلام من المسلمين اهتماماً بالغاً لا سيما بتفسير آياته من اول السور الى آخرها، ومنهم من استخرج الموضوعات العلمية والعقائدية وجلها ضمن كتب خاصة كي يعرف الباحث وجهة القران الكريم حول الموضوع المعين ، فالتوسع الكبير في مفاهيم القران الكريم دفع الكثير لكتابة الاطروحات المختلفة حول المعارف القرآنية، وهذا الامر يرجع الى القران نفسه لما يتسم به من مرونة يتمكن من خلالها الباحث ان يتطرق لموضوعات شتى وبأساليب عدة، كل الامر يرجع الى المنهج وكيف يتعاطى كل مفسر معه، اذ الايمان بالمنهج يتولد من القناعة التامة بكافة تفاصيل المنهج المختار للتفسير ولا ريب انها تعتبر من اعقد الخطوات التفسيرية من هنا تبرز اهمية دراسة مناهج المفسرين المختلفة، والتي يصب كل واحد منها في اناء القران الكريم عظمة ورفعة حسب ما يراه اصحاب كل منهج، لكن هذه المناهج كثيرة يصعب على الدارس الاحاطة بها كلها منها هنا جاء اختيار منهج تفسير القران بالقران، الذي يراه كل دارس منهج لا يمكن اهماله بالمرة، اذ عمل به الرعيل الاول من القادة الالهيين ومن بعده العلماء الربانيين الى يومنا هذا، ولا اعتقد ان الدارس ياتي بشيء جديد في المضمار سوى ترتيب الكلمات والاشارات المتوزعة في الكتب التفسيرية ما يعني ان هنالك التقاطات حول هذا المنهج جمعت في هذا الملف الصغير ابتداء بتعريف التفسير وانتهاء بنماذج الآيات المفسرة بطريقة هذا المنهج.
المبحث الاول: تعريف التفسير لغة واصطلاحاً
التفسير في اللغة:
ـ الاستبانة والكشف ، قال : ( ( ابن دريد ) ) ومنه يقال للماء الذي ينظر فيه الطبيب تفسرة ، وكأنه تسمية بالمصدر ، لأن مصدر فعل جاء أيضاً على تفعله نحو جرب تجربة وكرم تكرمة ، وإن كان القياس في الصحيح من فعل التفعيل ، كقوله تعالى ( وأحسن تفسيراً ) ، وينطلق أيضاً التفسير على التعرية للانطلاق ، قال ( ( ثعلب ) ) تقول : فسرت الفرس عريته ، لينطلق في حضره ، وهو راجع لمعنى الكشف ، فكأنه كشف ظهره لهذا الذي يريده منه من الجري[1]
ـ وأما التفسير في اللغة ، فهو راجع إلى معنى الإظهار والكشف ، وأصله في اللغة من التفسرة ، الذي وهي القليل من الماء الذي ينظر فيه الأطباء ، فكما أن الطبيب بالنظر فيه يكشف عن علة المريض ، فكذلك المفسر ، يكشف عن شأن الآية وقصصها ومعناها ، والسبب الذي أنزلت فيه ، وكأنه تسمية بالمصدر ، لأن مصدر ( فعل ) جاء أيضا على ( تفعلة ) ، نحو : جرب تجربة ، وكرم تكرمة ، وقال ابن الأنباري : قول العرب : فسرت الدابة وفسرتها ، إذا ركضتها محصورة لينطلق حصرها ، وهو يؤول إلى الكشف أيضا . فالتفسير كشف المغلق من المراد بلفظه ، وإطلاق للمحتبس عن الفهم به ، ويقال : فسرت الشئ أفسره تفسيرا ، وفسرته أفسره فسرا ، والمزيد من الفعلين أكثر في الاستعمال ، وبمصدر الثاني منها سمى أبو الفتح بن جنى كتبه الشارحة حتى ( الفسر )، وقال آخرون : هو مقلوب من ( سفر ) ومعناه أيضا الكشف ، يقال : سفرت المرأة سفورا ، إذا ألقت خمارها عن وجهها ، وهي سافرة ، وأسفر الصبح أضاء ، وسافر فلان ، وإنما بنوه على التفعيل ، لأنه للتكثير ، كقوله تعالى : ( يذبحون أبناءكم ) ، ( وغلقت الأبواب ) ، فكأنه يتبع سورة بعد سورة ، وآية بعد أخرى ، وقال ابن عباس في قوله تعالى : ( وأحسن تفسيرا ) أي تفصيلا وقال الراغب : الفسر والسفر يتقارب معناهما كتقارب لفظيهما ، لكن جعل الفسر لإظهار المعنى المعقول ، ومنه قيل لما ينبئ عنه البول : تفسرة وسمى بها قارورة الماء ، وجعل السفر لإبراز الأعيان للأبصار ، فقيل سفرت المرأة عن وجهها ، وأسفر الصبح[2]
ـ البيان والكشف وفي القرآن الكريم بهذا المعنى ، قال تعالى : ( ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ) فتفسير الكلام – اي كلام - معناه : الكشف عن مدلوله ، وبيان المعنى الذي يشير إليه اللفظ[3]
التفسير في الاصطلاح:
ـ التفسير علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ومدلولاتها وأحكامها الإفرادية والتركيبية ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب وتتمات لذلك[4]
ـ علم يبحث فيه عن كلام الله تعالى المنزل للإعجاز من حيث الدلالة على مراده تعالى[5]
ـ هو بيان ظواهر آيات القرآن حسب قواعد اللغة العربية[6]
ـ علم يبحث فيه عن معاني ألفاظ القرآن وخصائصه[7]
ـ هو علم نزول الآية وسورتها وأقصيصها ، والإشارات النازلة فيها ، ثم ترتيب مكيها ومدنيها ، ومحكمها ومتشابهها ، وناسخها ومنسوخها ، وخاصها وعامتها ، ومطلقها ومقيدها ، ومجملها ومفسرها[8]
ـ هو بيان معاني الآيات القرآنية والكشف عن مقاصدها ومداليلها[9]
المبحث الاول: منهج تفسير القران بالقران
يعتبر منهج تفسير القران بالقران من اقدم المناهج التفسيرية، واول من اعتمده الرسول الكريم(صلى الله عليه واله)، حيث مارس هذا المنهج عملياً، وذلك انه كان يستعين على تفسير بعض الآيات بآيات أخرى..، وقد تبع الرسول (صلى الله عليه واله) في هذا المنهج ائمة اهل البيت (عليهم السلام) وبعض الصحابة ، وقسم من التابعين ، واستمرت هذه الطريقة في التفسير وحظيت بإجماع العلماء حتى قيل ان (احسن طريق للتفسير ان يفسر القران بالقران فما اجمل في مكان فقد فصل في موضع أخر ، وما اختصر في مكان فانه قد بسط في أخر )[10]
ويعرفه الحيدري: ( ان تكون النصوص القرآنية بعضها مفسراً للبعض واذا ما عرفنا ان التفسير هو الكشف عن معاني ومرادات النص القرآني فانه في ضوء هذا المنهج يكون النص القرآني المراد كشف معانيه منكشفاً ومفسراً بنص آخر)[11]
وتعتبر هذه النظرية في الطرف المقابل لنظرية المحدثين والتي تقضي بعدم امكان التفسير إلا بالرجوع إلى الروايات والأحاديث[12]
هذا المنهج ليس جديداً انما منهج قديم باعتبار اقوال العلماء الكبار من اهل التفسير بانه يعود الى النبي الاكرم (صلى الله عليه واله)، واهل البيت (عليهم السلام) وبعض الصحابة، فلم يظهر جديداً انما أُعيد تفعيله الى الوسط التفسيري فهو لم يأخذ حصته بشكل كبير، سوى انه ورد في بعض التفاسير منهجاً ثانوياً، لأنه هذا المنهج كان قريب من الصدام مع منهج المحدثين ، لكن استمرار العلماء في اهتمامهم بهذا المنهج هو ادى الى ظهوره بين الاوساط الثقافية المختلفة ، وقد نفع كثيراً في عملية التفسير لا سيما وانه برز على ايدي علماء كبار في مجالهم القرآني، كي لا يحصل الشك تجاههم، ومن توزع العمل وانتشر بشكل مكثف، وهو على حيثيات مختلفة تبعاً للمفسر يقول الشيخ محمد هادي معرفة: ( وتفسير القران بالقران على نمطين: منه ما ابهم في موضع وبين في موضع آخر ـ فكان احدهما متناسباً معنوياً او لفظياً ـ كما في قوله تعالى: (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ)[13] وقد جاء تبيين هذه الليلة المباركة بليلة القدر في سورة القدر(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)، وقد بين في سورة البقرة انها واقعة في شهر رمضان: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)[14] ..
والنمط الاخر من تفسير القران بالقران ، كان ما جاء فيه البيان غير مرتبط ظاهراُ ولا معنوياً ولا لفظياً مع موضه الابهام من الآية الاخرى ، سوى امكان الاستشهاد بها لرفع ذلك الابهام ، مثال ذلك ايه الشرقة ، حيث ابهم فيها موضع قطع اليد، فقد بين الامام ابو جعفر محمد ابن علي الجوا د(عليه السلام) انه من موضع الاشاجع مستشهداً لذلك بقوله تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدً)[15] حيث ان السارق انما جنى على نفسه فتعود عقوبته الى ما يمسه من الاعضاء وبما ان مواضع السجود لله تعالى، لا يشركه فيها احد، وراحة الكف من مواضع السجود لله ، فلا موضع للقطع فيها)[16]
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
[1] ـ البحر المحيط: ابو حيان الاندلسي(ت 745هـ) ، تحقيق د. زكريا عبد المجيد النوقي، الناشر دار الكتب العلمية، ط1، 1422ـ 2001م، مطبعة لبنان، ج1، ص121.
[2] ـ البرهان في علوم القران: بدر الدين بن محمد الزركشي(ت 794هـ)، تحقيق محمد ابو الفضل هاشم، دار احياء الكتب العربية، ط1، 1957، ج2، ص146.
[3] ـ علوم القران: السيد محمد باقر الحكيم، (ت1425هـ)، مجمع الفكر الاسلامي، ط3، ص217.
[4] ـ البحر المحيط: ج1، ص121.
[5] ـ مجمع البحرين: الشيخ فخر الدين الطريحي، ط2، ج 3، ص438.
[6] ـ الذريعة الى تصانيف الشيعة: اغا بزرك الطهراني(ت 1389هـ)، الناشر دار الاضواء بيروت ـ لبنان، ج4، ص232.
[7] ـ التفسير الكاشف: الشيخ محمد جواد مغنية(ت 1400هـ) ، نشر دار العلم للملايين بيروت لبنان ـ ط3، 1981م، ج1،ص9.
[8] ـ البرهان في علوم القران: ج2، ص148.
[9] ـ الميزان في تفسير القران: السيد محمد حسين الطباطبائي( ت 1402هـ) ، مؤسةة النشر الاسلامي قم ـ ايران ، ج1، ص4.
[10] ـ ينظر: منهج فهم القران عند الشهيد الصدر: الدكتور احمد الازرقي، الناشر منشورات المحبين، مطبعة الكوثر ، ط2، 2011م، ص308.
[11] ـ مناهج تفسير القران الكريم: الدكتور طلال الحسن تقريراً لابحاث السيد كمال الحيدري، مؤسسة الهدى للطباعة والنشر ، بيروت لبنان، ص39.
[12] ـ الامامة الالهية: تقرير لابحاث الشيخ محمد السند، ط1، 1427هـ ، منشورات الاجتهاد قم ـ ايران، ج1، ص39.
[13] سورة الدخان: 3.
[14] ـ سورة البقرة: 158.
[15] ـ سورة الجن: 18.
[16] ـ ينظر: التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب: الشيخ محمد هادي معرفة، مؤسسة الطبع والنشر في الاستانةالرضوية، قم ـ ايران، ط2، 1426هـ ، ج2، ص541ـ542.