أربيل مدينة المنارة الأثرية الشاهقة
الكرد يعشقون الجمال، والاماكن المفتوحة والورود والالوان البراقة المشرقة، التي تسعد النفس، ويرتدون الثياب ذات النقوش الزاهية، ويشتهرون بالصناعات اليدوية، كالالبسة الصوفية، وغرف العرائس والدواليب والمكاتب والكنبات، المصنوعة من خشب الاشجار المقاوم للانواء والظروف القاسية.. البرد والحرارة، وحين يتعب الانسان الكردي من العمل، يمارس لعبة شعبية قديمة، او يستريح قرب ينبوع الماء الجاري، النازل من اعالي الجبل العملاق، واسراب الامواج المتدفقة، مثل الطيور السعيدة تغمرهم من كل صوب، تبشر الفلاحين بالحب والحنان والخير الوفير، على هذه الارض الطيبة المعطاء.
يستقبلون الحصاد بالاغنيات البهيجة، ذات اللحن الناعس الطروب، ويرقصون تحت رذاذ الامطار، ويحضنون كرات الثلوج الصغيرة باصابعهم، ويطلقون في الصباح الندي حناجرهم بالغناء، ابتهاجا بموسم حافل، بالجوز والبلوط والرمان والبرقوق والعنب، ويدبكون في المراعي الباسمة، بالزي التقليدي الذي يتيح لهم، راحة في الحراك، او يتقافزون بالملابس الحديثة.. لا ضير، حيث الجيل الحالي من الشباب والبنات، يلبسون افضل البناطيل والقمصان والاحذية العالمية المستوردة، وهم يد بيد.. رجل وامرأة في مشوار سعيد.. يلتقطون التفاح المتساقط من شدة البروق، والزوابع الليلية الممطرة، تجعلهم في نشوة واندهاش، وصوت الرعد الصاخب الذي يشبه قرع الطبول، يأخذهم الى عالم غريب، من الاحلام والامنيات والذكريات القديمة، وما احلى شآبيب المطر المنسكبة، فوق زجاج البيوت اللامع الانيق، وما ابهى وجه السماء الباسم المشرق الجديد، وهو مضاء بالنجوم المنتشرة في كل مكان، انهم يتسلقون القمم الشاهقة في يوم مشمس جميل، او يمتطون الخيول القوية التي لا تعرف الخواء، وينطلقون في غابات لا حد لها، او يصعدون في شاحنات المواد الغذائية، الذاهبة نحو فضاء المدينة الواسع المفتوح. هكذا وصف الحياة في سبعينيات القرن الماضي، د. شيروان محمد، واضاف: «ما يميز اربيل قلعتها الشاهقة، التي تعتبر من اهم المعالم السياحية، التي قيل شيدها الملك سرجون الاكدي، وهي مدينة قديمة عالية الصروح والبناء، تحتوي على منازل جميلة واسواق كبيرة، وحدائق كثيرة الاشجار والبلابل والتغاريد، وفيها لقى واثار والواح وجوامع، وتماثيل وحقائق وكتب دينية مقدسة، ونوادٍ رياضية ومستشفيات ومدارس ومعاهد، ومنارة اثرية تقع في منتصف المدينة.
يأخذ رشفة من استكان الشاي، معاودا الكلام: «صعوبة المواصلات تلاشت بفضل المشاريع الخدمية، وبات من السهل على الفلاح، ايصال محصوله من التين والخوخ والكمثرى الى كل الاماكن، ليست الزراعة وحدها سيدة الموقف هنا، انما تشتهر المنطقة بتربية الماعز والاغنام وصناعة الالبان، ويوجد فيها مصنعان للسجاد والنسيج، وما اكثر القرى التي شيدت بيوتها متقاربة، لاجل لم شمل العوائل المتناثرة حول الجبال، واتاحة الفرصة امامهم لتربية الدواجن، اما المصدر الاقتصادي الاهم فهو السياحة، اذ يجيء السياح في كل عام باعداد هائلة، الى مصيف شقلاوة او صلاح الدين، وما اجمل الفنادق الجديدة التي انشئت، لسكن القادمين للترويح والابتهاج والمتعة، للهاربين من حر الشمس الحارقة، صوب شلالات تفيض بالعذوبة والبرودة والسلام.
د. شيروان يباغتنا بالقول: «من بعيد تشاهد دخاناً يتعالى في الافق الرحيب، ليست نيران الذهب الاسود التي تضيء، السفوح والوديان والتلال، انه اكبر المعامل في الشرق الاوسط لانتاج السجائر، ينتج يوميا اكثر من 15 مليون سيجارة، من اجود التبوغ المحلية والاجنبية، وتوجد مدارس ثانوية ومهنية، تهتم بالنجارة والكهرباء وتصليح السيارات العاطلة، ويعد معهد المعلمين دورات مدرسين يمتازون بقدرات تعليمية ناجحة، تدفع الطلبة الى القراءة والتنافس والنقاش والتفاعل.