ظهور الأنباء حول زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الجمعة 12 أغسطس/ آب الحالي إلى العاصمة التركية أنقرة، يثير الكثير من التساؤلات.
ظريف يلتقي بعدد من المسؤولين الأتراك، بما في ذلك مع نظيره التركي والرئيس رجب طيب إردوغان. وذلك فقا لما ذكرته قناة "إن تي في" التلفزيونية التركية، حيث سيتم بحث العلاقات الثنائية التركية الإيرانية خلال اللقاءات، وكذلك الأزمة السورية.
الزيارة بحد ذاتها خطوة مهمة، وإجراء يأتي في وقته، عقب المصالحة الروسية – التركية، وإعلان أنقرة عن سياسة تركية خاصة، تنطلق من مصالحها الوطنية، وعلى الغرب (أوروبا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي) أن يحترمها. ومن جهة أخرى، فلم تكن هناك صعوبات وتعقيدات ملموسة في العلاقات بين طهران وأنقرة، على الرغم من اختلاف مواقفهما جذريا بشأن الأزمة السورية. ومع ذلك فالعلاقات كانت تتسم بالحذر والحيطة والدبلوماسية، نظرا لتوازنات أخرى تهم طهران في علاقاتها بكل من موسكو ودمشق من جهة، وبخصومها في دول الخليج من جهة أخرى، وبتوازناتها مع أوروبا والولايات المتحدة من جهة ثالثة.
وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أشاد بمؤيدي الرئيس رجب طيب إردوغان الذين نزلوا إلى الشوارع لمعارضة الانقلاب. ما يعني أن طهران أفصحت عن جانب مهم في علاقاتها ليس بالضبط مع أنقرة، وإنما مع الرئيس إردوغان شخصيا، تعويلا على حسابات مستقبلية.
ولكن على الجانب التركي – السعودي تتكاثر الأسئلة وعلامات الاستفهام. فأنقرة والرياض كانتا تعملان معا جنبا إلى جنب، وكانت التحضيرات تجري على قدم وساق، سواء حسب السيناريو العسكري لحل الأزمة السورية، أو وفق سيناريو سياسي يستبعد وجود الرئيس الأسد. ولكن توجهات إردوغان الأخيرة، وتصريحات وزير خارجيته ومستشاره والمتحدث باسمه تشير إلى تحولات ملموسة في السياسات التركية بعد الانقلاب الفاشل، وعودة العلاقات بين موسكو وانقرة.
إن زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى أنقره تحمل العديد من الرسائل حتى وإن لم تظهر تصريحات أو توصيات عملية يمكن تطبيقها على أرض الواقع في المديين القريب والمتوسط. لأننا ببساطة لا يمكننا أن نتجاهل سيناريوهات إقليمية ودولية مضادة ستظهر في القريب العاجل لإضفاء المزيد من الاستقطابات وترسيم الحدود السياسية بين هذه الكتلة وتلك، وبين هذا التحالف وذاك. ولا يمكن أن نستبعد أن تظهر تصريحات سعودية ذات مغزى، أو اتساع مساحة التفاهمات السعودية – المصرية كبديل سريع. وعلى جانب آخر، قد تبدأ إثارة القلاقل في ملفات بعينها حول روسيا وإيران، وخاصة في أوكرانيا أو في أفغانستان، وفي البحر المتوسط.
الخلافات واضحة وملموسة والجميع يعترف بها. وهي لا تزال قائمة بشأن الأزمة السورية ومصير الرئيس الأسد، وبشأن القضية الكردية، وحول تفاصيل أخرى تتعلق بالجغرافيا السورية وبالتقسيم الطائفي والمذهبي والعرقي. غير أن السؤال الأهم هنا يتمحور حول مستقبل العلاقات التركية السعودية بعد تلك الإزاحات الواسعة في المواقف والرؤى. فهناك انزياح سريع وواسع من جانب تركيا نحو روسيا، وهناك قلق من جانب حلف الناتو، وربما تهديدات مبطنة لأنقرة، وهناك ضيق وغضب من جانب الاتحاد الأوروبي، وهناك تملق وكر وفر من جانب الولايات المتحدة، بينما أنقرة تطلق تصريحات ساخنة في اتجاه الجميع، وإن كانت متوازنة بعض الشئ في ما يخص علاقتها مع الحلف ومع واشنطن، في حال احترمت تلك الأطراف تركيا وخصوصيات سياساتها ومصالحها.
يبقى فقط أن نتابع في هدوء التحولات الهادئة التي ستلحق بالعلاقات بين أنقرة والرياض، والتي ستنعكس حتما على علاقات الطرفين بأطراف أخرى إقليمية ودولية كانت مهمشة أو يتم التعامل معها بحذر. وإلى جانب ذلك، يمكن أن نلاحظ النشاط غير العادي للولايات المتحدة وحلف الناتو والدول الأوروبية الكبرى في ليبيا التي يمكن أن تتصدر أخبارها وسائل الإعلام للتغطية على الهدوء الحذر الذي سيسطر على الجبهة السورية – العراقية، ومن أجل منح واشنطن وحلفائها نفسا إضافيا للتصرف مع "المعضلة التركية".