هل سألت نفسك يومًا ما عن الطقوس الخاصة التي يلتزم بها الروائيون في الكتابة؟ هل يفضلون الكتابة في الليل أم في النهار؟ هل يفضلون الأجواء الهادئة في المنزل، أم الصاخبة في المقاهي؟ هل يستعينون بالموسيقى أم لا؟ هل يحبون النظام أم الفوضى «الخلاقة»؟ هل يكتبون بأقلام الحبر أم الرصاص؟ ما لون أوراقهم المفضل؟ أم تراهم يفضلون الحاسوب؟ هل كتبوا رواياتهم دفعة واحدة أم على فترات؟
هذا ما سنحاول التعرف إليه في هذا التقرير، الأمثلة كثيرة ومتنوعة لكن المجال لا يتسع لذكرها جميعها، لذلك سنكتفي ببعض الأمثلة والنماذج المختلفة من أدباء عالميين وعرب، بلغت شهرتهم الآفاق لكنهم حافظوا على طقوسهم في الكتابة، مهما بلغت درجة غرابتها.
أحمد شوقي.. أمير الشعراء الذي لا يثق في ذاكرته
أحمد شوقي
يعتبر أحمد شوقي واحدًا من أعظم شعراء العرب في العصر الحديث، ولد عام 1868، وتوفي سنة 1932، نشأ في وسط غني، فقد كانت جدته لأمه وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل، أظهر نبوغه مبكرًا، وساهم سفره إلى أوروبا في صقل موهبته، التي أهلته للتتويج كأمير للشعراء العرب سنة 1927.
كان أمير الشعراء أحمد شوقي من المؤمنين بأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال الاعتماد على الذاكرة دائمًا، لذلك كان يسارع لكتابة بيت شعري مرت ومضة إلهامه خاطفة أمام عينيه، بشكل عشوائي، سواء في علبة سجائره، أو كف يده، أو حتى فوطة المطعم.
غوستاف فلوبير.. رائد الواقعية الذي لا يكتب بلا صخب
غوستاف فلوبير
غوستاف فلوبير روائي فرنسي مشهور، ولد عام 1821، وتوفي سنة 1880، يعتبر من رواد الواقعية الأدبية، والموضوعية، والدقة في العمل، والتي تهدف إلى الاختيار الدقيق للألفاظ، والعبارات المناسبة للأسلوب الروائي المستخدم.
لم يكن صاحب رواية «مدام بوفاري» الشهيرة من محبي الهدوء، بل بالعكس، كان يذرع غرفته المغلقة ذهابًا وإيابًا ضاربًا الأرض بقدميه، ويكلم نفسه ويردد أبياتًا من الشعر القديم باحثًا عن كلمات موسيقية الأثر لإقناع القارئ، ويصرخ ويئن متفاعلًا مع شخصيات رواياته!
نجيب محفوظ.. عاشق الحارة الذي يعتبر المقهى منبعًا للأفكار
نجيب محفوظ
نجيب محفوظ، واحد من أفضل الروائيين العرب، إن لم يكن أفضلهم، العربي الوحيد الحاصل على جائزة نوبل للأدب عام 1988، وأكثر من حولت أعماله بين العرب لأعمال سينمائية وتليفزيونية، ولد عام 1911، وتوفي سنة 2006، تعتبر الثلاثية وأولاد حارتنا أشهر أعماله، والتي ركز فيها على (ثيمة) الحارة المصرية التي تعادل العالم، فهو واحد من رواد الواقعية في الأدب العربي.
من المعروف عن محفوظ أنه يدين بالفضل الكبير في أعماله الخالدة للمقاهي، التي لعبت دورًا رئيسيًّا في كتاباته، ومنها أوجد شخوصًا وأفكارًا لرواياته، ومن عادته الاستماع للموسيقى قبل الكتابة، وشرب القهوة والتدخين بشراهة أثناءها.
جان بول سارتر.. الفيلسوف الوجودي الذي لا يكتب إلا برفقة سجائر غولواز
جان بول سارتر
جان بول سارتر روائي وفيلسوف فرنسي غزير الإنتاج، ولد عام 1905، وتوفي سنة 1980، يعتبر مؤسسًا ورائدًا للمذهب الفلسفي الوجودي، اشتهر بعلاقته المثيرة للجدل مع رفيقته سيمون دي بوفوار، وأيضًا برفضه الشديد للتكريم والجوائز، فهو واحد من أشهر من رفضوا تسلم جائزة نوبل للأدب، وكان ذلك عام 1964.
أنجز الأديب والفيلسوف الفرنسي معظم أعماله الفلسفية والروائية وهو متنقل بين مقاهي «سان جيرمان» الأنيقة، لكنه لم يتخل أبدًا عن الجمع بين الكتابة وتدخين سجائز الغولواز القوية، وهو يشبه في ذلك صديقه وغريمه ألبير كامو، كما عرف عن سارتر مرافقته لصديقته الأديبة سيمون دي بوفوار إلى محطة المترو، وكان يناقشها في أفكار وكتب وهمية يدعي بأنه يكتبها، وإذا ما لمح الانبهار على ملامحها بدأ في كتابة تلك الأعمال فعلًا.
الطاهر وطار.. جزائري لا يكتب إلا في شهر أبريل
الطاهر وطار
الطاهر وطار كاتب جزائري معروف، ولد عام 1936، وتوفي سنة 2010، أصدر العديد من الروايات والمسرحيات والمجموعات القصصية، من أشهر أعماله رمانة والشهداء يعودون هذا الأسبوع.
عرف عن الكاتب الجزائري الطاهر وطار أنه لا يكتب في بيت الزوجية أبدًا، ويكتب في شهر أبريل من كل سنة نظرًا لطول النهار في هذا الشهر، ولا يستغرق أكثر من خمسة عشر يومًا في كتابة رواياته، ولكل رواية موسيقى مصاحبة لها أثناء الكتابة، تختلف حسب الموضوع الروائي، وقبل تحوله لاستخدام الحاسوب في الكتابة، كان يكتب في سجل ويصحح الأخطاء بقلم حبر أحمر، ويكتب من التاسعة صباحًا إلى الخامسة عصرًا، ويبقى طوال هذه المدة بلا طعام.
غابرييل غارسيا ماركيز.. ملهم الأدب اللاتيني الذي يجد صعوبة في كتابة الفصل الأول
غابرييل غارسيا ماركيز
غابرييل غارسيا ماركيز، واحد من أشهر روائيي أمريكيا اللاتينية، كولومبي عاش متنقلًا بين أوروبا والمكسيك، ولد عام 1927، وتوفي سنة 2014، تعتبر روايته مئة عام من العزلة واحدة من أكثر الروايات اللاتينية تأثيرًا، بالإضافة طبعًا إلى أعمال أخرى لعل أشهرها خريف البطريرك والحب في زمن الكوليرا، حصل على جائزة نوبل للأدب عام 1982.
يقول الأديب الكولومبي إنه يخصص ساعات محددة للكتابة كل يوم، من السادسة صباحًا إلى الثانية ظهرًا، مع محاولة الاستمرار في الكتابة بشكل يومي، فالتوقف عن الكتابة ليوم واحد يعني صعوبة الكتابة في اليوم التالي حسب رأيه، كما أنه كان يمزق الكثير من الأوراق لدرجة أنه استهلك يومًا ما 500 صفحة لكتابة قصة من 15 صفحة! ويقول أيضًا إن المعاناة الأكبر تتمثل في كتابة الفصل الأول، الذي قد يستغرق منه سنة أو أكثر، لكن بمجرد إنهائه تسهل كتابة ما تبقى من فصول.
إبراهيم نصر الله.. صاحب الملهاة الذي لا يكتب إلا في النهار
إبراهيم نصر الله
إبراهيم نصر الله روائي فلسطيني من مواليد عام 1954، يعتبر اليوم واحدًا من أكثر الكتاب العرب تأثيرًا وانتشارًا، فقد حققت أعماله المهتمة في أغلبها بالواقع الفلسطيني المعاصر حضورًا بارزًا لدى القراء والنقاد على السواء، ومن أشهر أعماله سلسلة الشرفات، وسلسلة الملهاة الفلسطينية.
يقول الروائي الفلسطيني عن نفسه أنه كائن نهاري، فهو يفضل الكتابة في الصباح منذ ثلاثين سنة، سواء في الأيام التي فرضت فيها ظروف السكن أو العمل الصحفي ذلك، أو بعد تفرغه التام للكتابة، يستيقظ صباحًا ويحلق ذقنه، ويعد فنجان قهوته، ويبدأ في الكتابة من الثامنة إلى الثانية عشرة أو الثالثة بعد الظهر، ويرى بأن فنجان القهوة دليل على استغراقه في العمل، فشربه لنصف الفنجان أو أقل من ذلك رغم مرور وقت طويل دليل حسب رأيه على توحده مع أحداث وأبطال أعماله الروائية، وتجاهله لكل ما يحيط به، كما يفضل الكتابة بحبر أسود اللون فقط على أوراق بيضاء، هذا قبل اعتماده كغيره من الكتاب على الحاسوب.
دان براون.. عاشق المؤامرات الذي يقف على رأسه
دان براون
دان براون روائي أمريكي من مواليد 1964، يعتبر رائدًا في مجال الروايات الخيالية التي تجمع بين العلم والدين والفلسفة والغموض البوليسي، والتي حققت شهرة عالمية وجدلًا نقديًّا واسعًا، ولعل أبرزها رواية شيفرة دافنشي التي صدرت عام 2003.
يعتبر الكاتب الأمريكي أن الجلوس إلى المكتب انطلاقًا من الرابعة صباحًا طقس مهم في الكتابة بالنسبة إليه، قد يفقد ساعات إنتاجية مهمة إذا تخلف عنه، وعند الكتابة يأخذ استراحة بين الساعات، يمارس فيها تمارين رياضية خفيفة لتنشيط الدورة الدموية، كما يمارس رياضة الوقوف على الرأس التي يرى أنها تساعده في حل صعوبات الحبكات الروائية، حسب رأيه.
براون مهووس بمراجعة ما يكتب أكثر من مرة، فمراجعة النص هي الخطوة الأهم حسب رأيه، ويقول إن الكثير من الصفحات تطلب العمل على كل صفحة منها كتابة عشر صفحات، ثم تمزيقها ورميها في سلة المهملات!
عبد الرحمن منيف.. الروائي الفيلسوف الذي يرى شخصياته في المنام
عبد الرحمن منيف
عبد الرحمن منيف أديب وروائي عربي من أصول سعودية، ولد عام 1933، وتوفي سنة 2004، يعتبر أحد أهم الروائيين العرب في القرن العشرين، وأحد أفضل من صوروا الواقع الاجتماعي، والسياسي، والانقلابات الفكرية، والثقافية العنيفة التي عرفتها الدول العربية في تلك الفترة، تعتبر خماسيته مدن الملح واحدة من أفضل الروايات العربية في القرن العشرين، كما كان من أوائل من كتبوا في أدب السجون في الأدب العربي برواية شرق المتوسط، بالإضافة طبعًا إلى أعمال أخرى كالأشجار واغتيال مرزوق، وعالم بلا خرائط بالتعاون مع جبرا إبراهيم جبرا، وثلاثية أرض السواد، وغيرها.
يعتبر الروائي العربي العبقري أن كتابة الرواية عملية شاقة جدًّا، ولولا متعتها لهجرها معظم الروائيين، فهي تشبه مشاعر الحب حسب رأيه، الذي يعاني فيه الإنسان أحيانًا لكنه يشعر بغبطة داخلية فيها الكثير من التعويض. تميز منيف بدقة الملاحظة واتساع عينيه لرؤية ما حوله حسب تعبيره، رفة عين الآخر، ومدى صدق كلامه، وإرهاف السمع لسماع الصمت كما وصف ذلك.
يرى منيف بعض شخصيات رواياته في المنام، يحادثها ويختلف معها، وكثيرًا ما شقت عصا الطاعة واختارت طريقها بنفسها حسب تعبيره.
فيودور دوستويفسكي.. عبقري النفس البشرية الذي يحفظ رواياته
فيودور دوستويفسكي
فيودور دوستويفسكي، عبقري الأدب الروسي ورائده بلا منازع، ولد عام 1821، وتوفي سنة 1881، اشتهر بفهمه العميق لدواخل النفس البشرية، وقد اتضح ذلك في أعماله الخالدة التي ما زالت حاضرة ومؤثرة في ملايين القراء حول العالم، كالجريمة والعقاب والأبله والأخوة كارامازوف والفقراء والمقامر وغيرها.
يعتبر دوستويفسكي أحد أكبر وأعظم الروائيين الذين جسدوا بوضوح دور المعاناة في حث الأديب على الإبداع، فظروف حياته القاسية والصعبة حفزته على كتابة عدد كبير من الروايات الخالدة التي ما زال صداها مترددًا بين القراء إلى يومنا هذا كما أسلفنا الذكر، وربما اعتبره كثيرون أفضل روائي في التاريخ على الإطلاق.
عرف عن دوستويفسكي تفضيله للكتابة في الليل دائمًا، كما أنه كان يقرأ الرواية التي يكتبها بصوت عالٍ حتى يحفظها عن ظهر قلب قبل الانتهاء من كتابتها.