بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
اضع هذا الموضوع بين أيديكم .. لاخذ آرائكم والمناقشه فيه
الاسف شديد ظاهرة منتشرة في المجتمع وتتمنى ان تختفى
هناك بعض الأمور التي توارثناها ونحن لا نعلم صحته
ا، وتعلمناها ونحن نجهل صحته مشروعيتها، وعملنا بها ونحن غير مدركين لخطورتها، كل ذلك لأنها في اعتقادنا عادات وسلوكيات مقدسة، مع أنها بعيدة عن الدين وتعاليمه، وعن العقل ومفاهيمه، فهي ليست إلا مجرد خرافات سطرها البعض واستلطفها البعض الآخر، ومن ثم قدسها وتعامل معها الكثير، فالكثير يعتقدون بأنها من المقدسات التي يجب احترامها وتقديرها وعدم معارضتها، مع أن الكثير منها يقف ورائها أناس لديهم أطماع دنيوية – أموال أو نفوذ اجتماعي - يريدون الوصول إليها من خلال الترويج لهذه الأمور.
الكرامات:
ومن ضمن هذه الأمور التي أعنيها ، ما يتداول لدى الناس من قصص وكرامات ، هي أقرب إلى الأساطير منها إلى الحقيقة والواقع، فبعض الكرامات والقصص التي تتناقلها الألسن ، تحفظها القلوب ، وتخطها الأيدي ، وتتكرر على المسامع والعيون ، ما هي إلا خرافات وخزعبلات أطلقت عليها هذه التسمية ليكون لها ارتباط ديني مقدس .
إن كلامي هذا لا أعني به جميع الكرامات المنقولة، فأنا أؤمن بالكرامة لأنها حقيقة قرآنية مثبته تحدثت عنها العديد من الآيات المباركة ، وإنما أعني به بعض ما يطلق عليها كرامات ، وهي في الحقيقة كذبات وخرافات يرفضها الدين ، ويأباها العقل السليم ، وذلك لتناقضها ولعدم مشروعية ما جاء فيها، ولكن مع ذلك كله نجد البعض يصر على ترويجها ، والسؤال هنا لماذا ؟!!
إن البعض يستغل عواطف الناس من خلال الكرامات ، للحصول على أطماعه غير المشروعة ، سواءً كانت أموالاً أو نفوذاً و وجاهةً اجتماعية أو غيرها ، ولذلك نجده يحاول الترويج للكرامات التي يسترزق من خلالها ويستفيد منها ، وللأسف أن مجتمعاتنا لازالت مهيأة لانتشار مثل هذه الأمور، فنجد أخبار هذه الكرامات تتناقل بسرعة البرق بين الناس ، وكثيراً ما نسمع أن في بيت فلان كرامة أو شارة ، وفي مجلس فلانة الذي تقام فيه المآتم الحسينية شارة أو كرامة ، إلى درجة أنني سمعت أن إحدى الأخوات قامت بعمل شباك يشبه شباك ضريح الإمام الحسين عليه السلام ، والناس تأتي له من كل مكان لأخذ البركة، والسؤال هنا : ألا يحق لنا وضع علامة استفهام حول بعض الكرامات التي تتناقل بين الناس؟ !!
إن البعض يتعامل مع جميع الكرامات المنقولة ، سواءً كانت كرامات حقيقية أو خرافات مكذوبة ، وكأنه يتعامل مع آيات قرآنية معصومة عن الخطأ ، ونجده لا يضع حتى أدنى احتمال للخطأ أو التزوير والكذب فيها، وهذا بالتأكيد غير صحيح على الإطلاق ، لأن التحريف في الكرامات أمر غير مستبعد إذا وجدت الأطماع والمصالح الدنيوية .
لذا لابد لنا أن نقر وأن نعترف بأن بعض الكرامات المنتشرة والمتداولة غير صحيحة ، ولابد لنا كذلك أن لا نستبعد ذلك ، فنحن نعلم بأن هناك أديان وكتب سماوية حرفت ، وبأن هناك روايات زورت ووضعت ونسبة للرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، فكيف نستبعد بعد علمنا بهذا وجود التحريف أوالكذب والتزوير في الكرامات ؟ !!
الرؤيا والأحلام :
وربما تكون الكرامات المكذوبة - أو لنقل الخرافات- بشكل أكبر وأوسع عندما تعرض في شكل أحلام ورؤى، فالكثير نجده يقول حلمت بكذا وكذا ، وجاء الإمام ... عليه السلام وقال لي كذا وكذا ، وهناك الكثير من القصص المتداولة بهذا الشكل، والأمر الغريب هنا أن الكثير من الذين يدعون هذه الأحلام نرى سيرهم تخالف المقام والمنزلة التي يدعونها ، فالبعض من هؤلاء نرى الغيبة والنميمة لا تفارق ألسنتهم وآذانهم ، والمعاصي ملازمة لعيونهم وجوارحهم ، ومع ذلك يدعون ويصدقون !!
أرجوا أن لا يفهم من كلامي هذا بأني لا أؤمن بهذه الأمور وأنكرها كلياً ، لا وكلا ، وإنما أنا فقط أشكك في مصداقية الكثير منها ، خصوصاً إذا كان مدعيها ليس من أهل الصلاح والإيمان ، ويحاول إبراز نفسه من خلال هذه الدعاوى ، وأتذكر هنا كلمة سمعتها وهي منقولة عن السيد محسن الحكيم رحمة الله عليه ، وهي حول إدعاء التشرف بلقاء الإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف حيث يقول : " من رأى لم يقل ومن قال لم يرى " .
صحيح لماذا يعلن البعض ويحاول الإيحاء بأنه مقرب من الله سبحانه وتعالى وتحصل له الكرامات من الإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف ؟ !! ولماذا كذلك يصر البعض ويوحي بأنه على اتصال دائم بالإمام عجل الله فرجه ؟ !! لابد لنا أن نسأل سؤالين: لماذا يعلن... ؟ !! وما هي أهدافه ... ؟ !!
.
الخرافات ومصادر التشريع :
إن مصادر التشريع عند الشيعة الإمامية أربعة : القرآن والسنة والعقل والإجماع ، ولا يصح أبداً أن نضيف لهذه المصادر الرؤيا والأحلام أو الإلهام أو الكرامات أو أي شيء آخر ، ونأخذ منه على أنه مصدر من مصادر التشريع الإسلامي ، لأن هذا غير صحيح ولكن للأسف نجد البعض لا يبالي ويعتمد على بعض الأحلام والكرامات ، ويجعلها مصدراً من مصادر التشريع - سواءً كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر- بل نجدها من أهم مصادر التشريع عند البعض ، مع أنه من المفترض أن تكون هذه الأمور واقعة تحت مضلة مصادر التشريع ، بحيث يحكم عليها من خلالها لا أن يُتعامل معها كأحدها .
طريقة التعامل مع فكر ومنهج أهل البيت عليهم السلام :
هل من الأفضل أن يعرض فكر أهل البيت عليهم السلام ومنهجهم في الحياة أم الاقتصار فقط على الحديث حول كراماتهم عليهم السلام ؟ !!
وبعبارة أخرى : هل يصح أن نتحدث عن كرامات أهل البيت عليهم السلام فقط ولا نتحدث عن فكرهم ومنهجهم الرسالي ؟ !!
بالتأكيد بأن الحديث عن أهل البيت عليهم السلام بالكرامات فقط ، مجرداً عن فكرهم وسيرتهم غير صحيح ، لأن فكر أهل البيت عليهم السلام ، فكر عملي يستفيد منه الإنسان في كل جانب من جوانب حياته ، ولذلك لابد أن نتخذ من فكرهم ومن سيرتهم ومنهجهم ، منهاجاً للحياتنا ، بحيث نسير على هديهم ونتخذهم قدوة في كل أمر من أمور الحياة ، لا أن يعرضوا وكأنهم لا يتعاملون بشكل طبيعي مطلقاً – دائماً بخوارق العادة – لأن استعراضهم بهذا الشكل يبعدنا عنهم عملياً، ويصعب عملية الإقتداء بهم عليهم السلام .
لذا من المهم التركيز على فكرهم ومنهجهم عليهم السلام ، وهو أهم من الحديث عن كراماتهم وخوارق العادة التي تحدث على أيديهم وببركاتهم عليهم السلام ، لأن هذا الأمر يربطنا بهم عملياً ، ومع ذلك لو ركزنا وتأملنا في فكرهم وأفعالهم عليهم السلام لوجدناها كرامة من كراماتهم ، بل إنني أراها من أفضل وأعظم الكرامات ، فمن ينظر إلى سيرهم عليهم السلام ويتأمل في طريقة تصرفاتهم في المواقف المختلفة ، ويتتبع أقوالهم المتعددة يرى أنهم عليهم السلام محاطون بعناية غيبية خاصة ، وهذه العناية الربانية هي كما أرى من أفضل الكرامات وأعظمها شأناً ، ولذلك من الأفضل والأولى - بحسب وجهة نظري - أن تعرض حياتهم عليهم السلام ، ومواقفهم وأقوالهم وتصرفاتهم الطبيعية إن صح التعبير . (وقد يكون من الشواهد على كلامي هذا هو ما جاء في بعض الكتب كـ كتاب الإمام علي صوت العدالة الإنسانية لجورج جرداق وكتاب الإمام الصادق كما عرفه علماء الغرب وككتاب الرسالة الذهبية للإمام الرضا عليه السلام وغيرها من الكتب التي تعرضت لهم عليهم السلام من ناحية الفكر والمنهج) .
المقصد هنا الترويج للكرامات التي يسترزق من خلالها ويستفيد منها
والسؤال هنا : لو لم تكن لدى أهل البيت عليهم السلام كرامات هل سوف نؤمن بهم وبمكانتهم أم ماذا ؟ !!
إنني طرحت هذا السؤال لأقول بأننا نحتاج إلى إيمان الدين والعقل ، .
· كيف نعالج هذا الأمر من مجتمعنا ؟