"وأيقنت ألا جدوى من إضاعة الوقت هباء, فأنت لا تستطيع أن تعلم زنجياً كيف يجادل. وعندئذ كففت عن الحديث" هاكلبري فين, بعد أن رفض الزنجي أن الاختلاف بين الأمريكي والفرنسي مثل الاختلاف بين القطة والبقرة

ذا لم تستطع هذه الرواية أن توصل لك قيمة العلم والمنطق, وخطر العلم الزائف فما الذي سيفعل؟
إذا لم تشعرك الرواية بكمية الخطر والخداع الذي يتحتم عليك أن تحتمي منه في هذا العالم المحيط بك, فما الذي تبقى لنشلك من سذاجة الطفولة؟

فكما يقول "بريان ديوننج":
"قد يكون مارك توين أكثر النقاد فاعلية عند نقده لجهل البشر وخدعهم حتى الآن, بالرغم من مظهرها فهي تبدو وكأنها قصص مغامرات, فهي بالحقيقة مجموعة من إفشاءات صادمة للضعف البشري, والتي تقودها الخرافات, العنصرية, الجشع, والجهل"

في ريفيو الجزء الأول: توم سوير تحدثت عن روعته الرواية كقصة مغامرات مسلية, ولكن في الجزء الثاني منها, والذي يُحكى لنا على لسان صديق توم سوير "هاكلبري فين", نشهد تحولا كبيراً واضحاً في موضوع المغامرات منذ الصفحات الأولى من الرواية:


- فدية؟ وما هي الفدية؟
- لست أدري! ولكن هذا ما يفعله المغامرون دائماً! ولقد قرأت عن الفدية في الكتب. ومن ثم فهذا هو ما يجب علينا أن نفعله!!
- ولكن كيف يمكننا أن نفعل ذلك ونحن لا نعرفه؟
- مهما يكن من أمر, فإنه يجب علينا أن "نفعل" ذلك! ألم أقل لك إنه مذكور في الكتب؟ هل تريد أن تأتي عملاً يخالف ما ورد في الكتب؟ وأن تفسد كل مغامرتنا بذلك؟
...
- ولماذا لا يلتقط الإنسان هراوة و "يفتديهم" بمجرد مجيئهم إلى هنا؟!!
- لأن ذلك ليس مذكوراً في الكتب!..هذا هو السبب يا "بن روجرز".. هل تريد أن تعالج الأمور حسب النظام المتبع أم بطريقة مخالفة؟ -هذه هي المسألة ..ألا تظن أن أولئك الذين وضعوا الكتب يعرفون الإجراءات الصحيحة التي ينبغي اتخاذها؟ هل تظن "أنك" تستطيع أن تعلمهم شيئاً؟ كلا يا سيدي! سوف "نفتدي" هؤلاء الأشخاص بالطريقة المتبعة
- .. وهل نفتدي النساء أيضا؟
- لا, فان أحداً لم يقرأ عن مثل هذا في الكتب!

======================
الرواية هي إحدى الكلاسيكيات الخالدة, وعندما نقول أنها كلاسيكية ليس فقط معناها أنها قديمة, بل لأنها أيضاً أصيلة في أفكارها التي يتداولها اللاحقون تحت غطاء مسميات أخرى, فمثلا عندما تقرأ هذا المشهد:

- إن ما يجعلني أشعر بالحزن هذه المرة , هو أنني سمعت صوت باب يغلق بعنف منذ قليل , فذكرني ذلك بالمعاملة السيئة التي عاملت بها ابنتي اليزابيث الصغيرة في أحد الأيام ! لم تكن حينذاك قد بلغت الرابعة من عمرها , وأصيبت بالحمى القرمزية , وكانت إصابتها شديدة الوطأة ولكنها شفيت . واتفق ذات يوم أن كانت تقف أمام المنزل فقلت لها :
- أغلقي الباب.
ولكنها لم تفعل , وابتسمت لي فجن جنوني , فقلت لها مرة أخرى بصوت مرتفع:
- ألا تسمعيني ؟ أغلقي الباب .
فوقفت جامدة في مكانها , والابتسامة على شفتيها , فازددت سخطاً وغيظاً وصحت :
- سأجعلك تطيعين ما أقوله لك .
وهويت بيدي فوق رأسها , فسقطت على الأرض . ثم تركتها ودخلت المنزل وقضيت هناك عشر دقائق .. وعندما خرجت , كان الباب لا يزال مفتوحا والطفلة واقفة وقد خفضت رأسها والدموع تنهمر من عينيها .. وقد زادني ذلك جنونا ؛ وهممت بالانقضاض عليها , لولا أن الريح هبت في تلك اللحظة فأغلقت الباب خلف الطفلة .. ولمنها لم تتحرك من مكانها . فأحسست بأن قلبي يكاد يفلت من بين ضلوعي , وتقدمت نحو الباب وفتحته بلطف وهدوء وأبرزت رأسي من خلفه , فإذا بالطفلة لا تزال واقفة في مكانها ؛ وعندئذ صحت فيها صيحة مدوية مفاجئة , ولكنها لم تتحرك .. أواه يا هاك .. لقد انفجرت باكيا , وحملت الطفلة بين ذراعي وقلت لها : أيتها الطفلة المسكينة , فليغفر الله العظيم لجيم المسكين ما أتاه من أثر عظيم , لأن جيم لن يغتفر لنفسه هذا الإثم طالما بقي على قيد الحياة" .. يا الهي يا "هاك" ..
لقد كانت الطفلة التعسة بكماء صماء .. ومع ذلك عاملتها لك خشونة.!

تذكرت مشهد مشابه سرده ستيفن كوفي في كتاب العادات السبع الأكثر فعالية, رغم أنه سرده كمشهد حقيقي.
====
وقالت لي الآنسة واطسون انه ينبغي علي أن أصلي كل يوم حتى أستطيع على كل ما أطلبه في صلاتي! ولقد جربت ذلك, ولكن الصلاة لم تحقق لي أي مطلب! ... لقد كنت أحدث قائلاً: "إذا كان الناس يستطيعون الحصول على ما يريدون بالصلاة فلماذا لا يستعيد "ويكون وين" النقود التي فقدها في تربية الخنازير؟ ولماذا لا تستطيع الأرملة دوجلاس أن تسترد علية "السعوط" الفضية التي سرقت منها؟ ولماذا لا تستطيع الآنسة واطسون أن تزيد من وزنها" وعندئذ أيقنت أنه ليس في الإمكان أن يحقق الإنسان أمنيته بالصلاة! وذهبت إلى الأرملة وقلت لها رأيي, فقالت أن الشيء الذي يستطيع الإنسان الحصول عليه من الصلاة هو "الهبات الروحية" لا الهبات المادية!!

====
في الغالب ستخرج من هذه التجربة متشكك يعمل عقله في كل الاحتمالات, فطوبى للمتشككين.
"فأجبت : أكبر الظن أن هؤلاء الجن أغبياء لأنهم لا يحتفظون بالقصر لأنفسهم بدلاً من أن يشيدوه لغيرهم ! فلو أنني كنت واحداً منهم , لما لبيت نداء أي شخص يحك مصباحاً قديماً من الصفيح !! بل لو أنني كنت واحداً من هؤلاء الجن, لتخليت عن عملي !"