السومرية نيوز/ دهوك
يستمع مختار قرية أورة الحدودية مع تركيا دون اهتمام للقصف المدفعي والجوي التركي شبه اليومي على مناطق قريته، ويؤكد مع هذا علاقاتها الجيدة مع الجانب التركي وأن أهاليها تزوجوا مؤخرا أكثر من 15 امرأة منهم على الرغم من نقلهن بطرق غير رسمية على البغال وعبر الجبال الوعرة.
وتقع قرية أورة، في منطقة جبلية وعرة، على بعد أقل من كيلومترين من الحدود العراقية التركية وهي تابعة لقضاء العمادية 70 كم شمال مركز محافظة دهوك، وتسكنها نحو40 أسرة تعتمد على الزراعة وتربية النحل والمواشي والتجارة، وغالباً مايترك سكانها قريتهم في فصل الشتاء وموسم الثلوج التي تؤدي إلى قطع الطرق إذ يصل معدل سقوط الثلوج فيها ما بين2 ـ3 متر ما يؤدي إلى توقف حركتهم لفترة وجيزة.
الجبال الوعرة والحدود لا تستطيع منعنا من التواصل مع أقاربنا
ويقول المختار أورة محمد طاهر، ( 55 عاما) في حديث لـ"السومرية نيوز"، إن"أهالي القرية تواقون لبناء قريتهم مجددا وإعادة الحياة إليها، فهم إضافة إلى ممارستهم للزراعة وتربية المواشي فإن قريتهم تعتبر منفذا لممارسة التعاملات التجارية مع القرى في الجانب التركي".
ويوضح طاهر أن "هناك تجار محليون يأتون يوميا للقرية من الجانبين للتعامل التجاري وهم ينقلون بضاعتهم إلى القرى التركية بواسطة البغال وعبر المنافذ الجبلية الوعرة"، مشيرا إلى أن "تجارة السجائر والشاي السيرلانكي هي الرائجة حالياً بسبب الطلب الكبير عليها في الجانب التركي".
يشار إلى أن عملية التهريب تتم عبر البغال وجميع المهربين الذين يتجاوزون الحدود هم من (أكراد تركيا) من أهالي قرى (آروش) و(آشوت)الواقعتين على الشريط الحدودي في الجانب التركي، والذين يدخلون إلى القرية وينقلون بضاعتهم من خلال البغال حيث يتم يوميا نقل مابين 3 ــ 10 بغال محملة بالبضائع من قرية أورة إلى الجانب التركي. أما التجار من أكراد تركيا فغالباً ما يجلبون معهم مواد غذائية محلية مثل الجبن المحلي وانواع أخرى من الآلبان.
ويؤكد طاهر متانة العلاقات الاجتماعية والعشائرية مع القرى الكردية في الجانب التركي، حيث إن "أهالي القرية تزوجوا مؤخرا أكثر من15 امرأة من الجانب التركي وتم نقل جميع العرائس إلى القرية بواسطة البغال وعبر الجبال الوعرة وبطرق غير رسمية.
ويشير مختار القرية إلى أن الحدود "لم تكن عائقاً في يوم ما من تواصلنا مع أقربائنا رغم تعرضهم للمشاكل عند عبورهم من خلال الجبال الوعرة ووقوعهم في حقول الألغام والقصف ومراقبة الجيش التركي"، مبيناً أن "العديد من أهالي المنطقة لقي مصرعه أو أصيب بجروح خلال تجاوزه للحدود".
ويلفت طاهر الى أن "السلطات المحلية في الجانبين لديها معلومات عن هذه علاقاتنا وحتى عن عملياتنا التجارية"، معربا عن امله " بأن تشهد الفترة المقبلة إعادة بناء ما دمرته الحرب في قريته أورة وتوفير الخدمات اللازمة لأهاليها من قبل الجهات الحكومية".
تجارتنا مع تركيا ناجحة رغم "مدافعها" وخاصة السكائر والشاي
في مكان آخر من القرية يبدو فوزي محمد شريف، 57 سنة في قمة النشاط والحماسة وهو يعمل على بناء متجر صغير له داخل القرية بعد عودة الحياة إليها وانتهاء موسم الثلوج والشتاء فيها.
ويقول شريف في حديث لـ"السومرية نيوز"، انه بدأ "بتشييد متجر صغير الى جانب ممارسته للزراعة وتربية المواشي كخطوة لتحسين أوضاعه المادية واستغلال فرصة توجه المواطنين إلى منطقته للتمتع بأجوائها المتعدلة".
ويشدد شريف قائلا "لا يمكن أن نتوقف عن ممارسة حياتنا بسبب القصف التركي، فقد اعتدنا عليه"، مبينا "لأن قريتنا تتمتع بالكثير من الموارد ولا نستطيع تركها لأنها المصدر الرئيسي لإعالة العشرات من الأسر".
حروب الأعداء والأشقاء تحاصر أورة
اما الأحداث التي شهدتها قريته ومنها هجمات قوات النظام العراقي السابق على القرية لوجود قوات البيشمركة في الجبال المحيطة بالقرية في ثمانينيات القرن الماضي، والمعارك التي دارت بين مسلحي حزب العمال الكردستاني والأتراك والتي مازالت مستمرة، فضلا عن المعارك بين الحزبين الكرديين، العمال الكردستاني والديمقراطي الكردستاني في منتصف تسعينيات القرن الماضي.
ويستعيد سامان محمد ذاكرته بقوله "في إحدى ليالي شهر آب من عام،1995، هاجم أكثر من 400 مسلح من حزب العمال الكردستاني قريتنا ما أدى إلى مقتل خمسة قرويين وإصابة 4 آخرين، فضلا عن تدمير معظم المنازل ومحاصرة القرية لمدة أكثر من ثلاثة أشهر بسبب المعارك بين الـpkk، والحزب الديمقراطي الكردستاني"، مشددا على أن "حزب العمال ليست لديه مقرات مكشوفة في المنطقة لكن مسلحيه يتواجدون فيها بين حين وآخر".
ويواصل محمد في حديث لـ"السومرية نيوز"، "كان آخر حدث أمني كبير عندما اقتحمت قوة تقدر بنحو ألف عنصر من الجيش التركي القرية قبل نحو سبعة أشهر، خلال عملية بحث عن مسلحي حزب العمال الكردستاني .
ويصف محمد طرق الدخول الى الجانب التركي قائلا أن "هناك منافذ وعرة في المناطق الجبلية ومن الصعب السيطرة عليها، على الرغم من سيطرة السلطات التركية على الجانب الآخر من الحدود"، لافتا في الوقت نفسه إلى عدم وجود قوات للحزب الديمقراطي الكردستاني أو أي مركز حكومي رسمي في قرية أورة.
ويعتقد محمد أن "معاملة عناصر حزب العمال الكردستاني تغيرت بشكل كبير اتجاه أهالي القرية والمدنيين ولم يعد يتدخلون في شؤونهم أو يضايقونهم خلافاً مع الأعوام السابقة إذ كانوا يمارسون فيها ضغوطا كبيرة على أهالي القرى".
وكانت القوات الجوية التركية قد شنت ليلة 28 من شهر كانون الأول 2011، غارة على منطقة كردية واقعة على الحدود مع العراق أسفرت عن مقتل 35 شخصاً، وبحسب السلطات التركية فان طائراتها الحربية كانت تستهدف مسلحين من حزب العمال الكردستاني في الجانب العراقي من الحدود، الا انها عادت في وقت لاحق واعترفت بخطأ الهجوم وان الضحايا لم يكونوا سوى قرويين مدنيين يعلمون في مجال تهريب البضائع عبر الحدود العراقية التركية.
السلطات المحلية:الخدمات تطورت بأورة على الرغم من المشاكل
اما ناحية كاني ماسي التي تتبع لها القرية اداريا فاكدت أن الخدمات في القرية شهدت تطورا في مختلف المجالات على الرغم من المشاكل التي تشهدها القرية الاوضاع الامنية التي تشهدها.
ويقول مدير ناحية كاني ماسي مشير محمد بشير في حديث لـ"السومرية نيوز"، إن "حكومة الإقليم أولت إهتماماً ملحوظاً لمعظم قرى المنطقة بما فيها قرية أروة، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن "الوضع الأمني و مشاكل الحدود كانت لها تأثير إلى حد ما على تقديم الخدمات للقرية.
ويضيف بشير أن "الجهات المعنية تمكنت خلال الأعوام الماضية إيصال خدمات إلى المنطقة منها فتح طريق رئيسي لربط القرية بالمناطق المحيطة بها،فضلا عن إنشاء مشروع صغير لمياه الشرب و إنشاء عدد من قنوات صغيرة لإرواء الأراضي الزراعية.
وأشار مدير ناحية كاني ماسي إلى أن "حكومة الإقليم أطلقت قروضاً عقارية وزراعية لسكان القرى مبينا ً أنه بإمكان أهالي قرية ،أورة، أيضاً الإستفادة من هذه القروض لتطوير قريتهم .
وتتبع قرية أورة لناحية كاني ماسي الحدودية،120كم شمال قضاء العمادية بمحافظة دهوك
وتعتبر أورة من القرى القليلة المأهولة بالسكان على الشريط الحدودي العراقي التركي وهي تتعرض بين حين وآخر للقصف التركي لضرب عناصر حزب العمال الكردستاني المتواجد في المنطقة منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي.
ويطالب حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تركيا ودول أخرى، منظمة"إرهابية"، بمنح المناطق الكردية في تركيا حكما ذاتياً، وهو الأمر الذي كانت الحكومات التركية المتعاقبة ترفضه بشدة، لكن حكومة حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان بدأت باتخاذ مواقف تختلف عن سابقاتها باتجاه الاعتراف بحقوق الكرد في تركيا ومنحهم حرية أكبر لاسيما على الأصعدة الثقافية والاجتماعية.
يذكر أنه وبحسب مصادر مطلعة في محافظة دهوك، 460 كم شمال بغداد، فإن سكان أكثر من 200 قرية حدودية في المحافظة دهوك لا يستطيعون العودة إلى قراهم خوفاً من الهجمات التركية المتكررة وهم يعيشون أوضاعا إنسانية واقتصادية صعبة بعيداً عن مناطقهم، وتسببت العمليات العسكرية التركية على الحدود العراقية بخسائر كبيرة بالأراضي الزراعية والغابات في المنطقة بحسب تلك المصادر.
وتشهد المناطق الحدودية العراقية مع تركيا وإيران منذ عام 2007 هجمات بالمدفعية وغارات للطائرات الحربية التركية بذريعة ضرب عناصر حزب العمال الكردستاني المتواجد في تلك المناطق منذ أكثر من 25 عاماً، وحزب بيجاك المعارض لطهران، مما أسفر عن سقوط العشرات من المدنيين العراقيين وتهجير المئات من أهالي القرى.