يعمل فنان الغرافيتي متخفياً في الظلام، يكتب حرف الـ"م" بالبخّاخ على الجدران في أنحاء الموصل.
"م" مقاومة، "م" معارضة، "م" مواجهة.
يكفي هذا الفعل المتمرِّد الصغير لجعل الرسَّام عرضةً للتعذيب، بل وللموت.
لأنَّ حرف الـ"م" ذلك أكثر من كونه فن شارع سرِّياً، وأكثر من تخريب بسيط. إنَّه رسالة كتائب الموصل إلى تنظيم (داعش): نحن هنا، نحن وسطكم، ونراقبكم.
تقع الموصل تحت سيطرة داعش منذ يونيو/حزيران 2014.
جيش العراق يقاوم، وقواته تقترب من المدينة، وتقول إنها تأمل استردادها بحلول نهاية العام. وكتائب الموصل حلفاؤها داخل المدينة.
تنفِّذ الشبكة - السرية لدرجة أن الكثير من أعضائها لا يعرفون هويات بعضهم بعضاً - ضربات الهجوم والانسحاب، والاغتيالات الموجَّهة، وقصف أهداف خاصة بداعش في المدينة وحولها.
خطر التعذيب والموت
إنَّ "أبا علي" (وهو ليس اسمه الحقيقي)، الذي نلتقيه في أربيل، يتعمد الغموض بشأن دوره في كتائب الموصل، واصفاً نفسه بأنه رجل اتصال بالمنظمة.
يتصل بعضوٍ في المجموعة نيابةً عنَّا. يخبرنا الرجل، ومهنته الهندسة، أنَّه في البساتين في ضواحي الموصل، وهي إحدى المناطق القليلة في المدينة حيث يوجد استقبال للهواتف المحمولة بعيداً عن جواسيس داعش.
يقول إنَّ الحديث في الهاتف كان جريمة يُعاقَب عليها بقطع يد مرتكبها، أمَّا الآن فهي تعني الموت.
ويضيف: "المجموعة التي تعمل معي، كلُّنا من الموصل. نشر صدَّام الروح العسكرية في السُكَّان، فكُل الشعب العراقي مُدرَّب على السلاح. ولكنَّنا لا نملك أسلحة متطوِّرة، لا نملك سوى البنادق والمسدَّسات".
ويؤكد أنَّ لدى الكتائب دعماً في أنحاء المدينة، فـ"الجميع يمنحوننا معلومات استخباراتية من مناطقهم. نُجري استطلاعات، نعرف عندما ينتقل شاب ما إلى مكانٍ جديد، ومتى يذهب ومتى يأتي، وننتظر حتى اللحظة المناسبة وننفِّذ".
تنشر المجموعة على صفحتها على فيسبوك تفاصيل عن أحدث هجماتها، ولكن إخراج الرسائل من الموصل يمثِّل تحدياً، أحياناً يكون الفرق الزمني بين التحديثات أسبوعاً.
كانت الرسالة الأحدث كالتالي: "فتحت كتائب الموصل النار على شاحنة نقل مثبَّت بها مدفع رشاش وبها 5 من أعضاء داعش. فقدت الشاحنة ركَّابها جميعاً بين قتلى وجرحى".
بقايا أسلحة الجيش
سرعان ما تكوَّنت الكتائب بعد سطو داعش على المدينة.
يقول أبوعلي: "بدأ الأمر بصديقين يثقان ببعضهما بعضاً، كانا يُخطِّطان لضرب داعش في مرحلة معينة. كان هناك آخرون لديهم نفس الخطة، وكانوا سيضربون داعش في منطقة أخرى. تمكَّنوا ببطءٍ من تنظيم أنفسهم تحت اسم كتائب الموصل".
جاءت أسلحة المجموعة وذخيرتها من داخل الموصل نفسها، والكثير منها ممَّا خلَّفه الجيش العراقي وراءه عند فراره.
يقول أبوعلي: "كانت هناك أسلحة في كل أنحاء المدينة. تمكَّن الكثير من المدنيين من جمع هذه الأسلحة. بحثت داعش بالفعل عنها وجمعتها من منازل الناس، ولكن بعض الناس تمكَّنوا من إخفائها".
3 فقط من أعضاء المجموعة يعرفون بعضهم بعضاً.
ويوضح أبوعلي أنَّهم "يعملون في تشكيلات من فردين وشخص ثالث على مستوى أعلى لتجنُّب تعريض المجموعة للخطر إذا أُسِر أحدهما".
للتمرُّد ثمنٌ ضخم: "أسر داعش الكثيرين منهم، وقتلهم بالإغراق أو تفجيرهم، أو ذبحهم بطُرقٍ أخرى وحشية".
قصفٌ على قارعة الطريق
توضِّح مقاطع الفيديو التي وصلت إلى "سي إن إن" والأخرى المنشورة على الإنترنت أسر أعضاء داعش واغتيالهم، وهجمات على نقاط تفتيش معزولة وأهداف أخرى، غالباً باستخدام أسلحة داعش ضدها.
يقول أبوعلي: "تلك القنابل التي استخدموها على قارعة الطريق، كانوا يسرقونها من داعش. زرع داعش قنابل في مناطق معينة، ويذهب مَن لديه خبرة عسكرية سابقة ليسرق هذه القنابل ويزرعها لاستهداف داعش".
ويرفض أبوعلي الكشف عن أعداد محددة، لكنَّه يقول إنَّ لدى الكتائب عدداً يتراوح بين 100 و300 مقاتل، من المهنيين السابقين وأفراد الجيش السابقين والشباب.
كما أنَّهم يوفِّرون معلومات استخباراتية وإحداثيات عن مواقع داعش - عن طريق وسطاء مثل أبي علي - لصالح ضربات التحالف الجوية.
ويؤكد أبوعلي: "لدينا وسائل أخرى للتحقُّق من المعلومات التي يقدِّمونها. أرادوا العمل مع التحالف لسبيين، لكي يكون التحالف دقيقاً ولا يضرب سكَّاناً مدنيين، وللتعجيل بالقضاء على داعش".
بانتظار "ساعة الصفر"
يقول عضو آخر بالمجموعة داخل الموصل إنَّ للمجموعة "جانبين نعمل عليهما. أولاً: جانب عسكري ضد داعش. ثانياً: نجهِّز للوقت الذي يقع فيه الهجوم، فنحن سنُسهِّله من الداخل".
بمجرد اختراق الجيش العراقي المدينة، فيما تطلق عليه الكتائب "ساعة الصفر"، سيُكثِّف أعضاؤها هجماتهم على داعش. هناك تشكيل آخر ينتظر كي يحشد في "ساعة الصفر" يُطلِق على نفسه كتائب السلام. ووظيفته حشد العامة وحمايتهم.
يوضِّح أبوعلي قائلاً: "يقودهم أشخاص معروفون، حائزون على ثقة السُكَّان. دورهم هو السيطرة على الشوارع ومنع النهب، كما سيصبحون قوة داعمة لتدعيم قوات التحرير".
يقول إنَّهم يريدون تجنُّب الفوضى التي رأيناها في بغداد بعد غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة عام 2003، والمساعدة في منع انتشار الموت والدمار.
ويضيف: "هناك تنظيم واسع سيتم تفعيله عند بدء تنفيذ العمليات. سيكون طراز ملابسهم وإشاراتهم معروفين كي يمكن تمييزهم عن العدو".
معركة على السيطرة
يخبرنا قادة الجيش العراقي بأنَّهم يعتمدون على سُكَّان المدينة - مجموعات مثل كتائب الموصل والمواطنين العاديين - في الوقوف ضد داعش.
ويقولون إنَّهم يحتاجون إلى دعم الناس كي ينجحوا حقّاً، ليس فقط في المعركة التالية على السيطرة على المدينة، ولكن في منع ظهور داعش أخرى (أو ما هو أسوأ) في أعقابها.
هذا الموضوع مترجم عن موقع CNN الأميركي