الزمن في السينما يلعب الدور المؤثر والرئيس في الربط بين الصور ،
وفي الاختزال ضمن التتابع بالاحداث وفق ما هو متعارف علية في كتابة سيناريو الفيلم السينمائي ،أنه يكتب نوع المشهد وزمنه كأن يكون نهاري /داخلي او ليلي/ خارجي وهكذا لذلك نعمل وفق زمن محدد حتى ظهرت الاساليب والمدارس ،
التي حاولت جاهدة كسر هذا الزمن وفق معايير سينمائية بعد أن أعتدنا على ثلاثة أزمنة للفيلم وهي:-
1- الزمن المادي
2- الزمن النفسي
3- الزمن الدرامي
لقد أقترح هذا التقسيم الناقد والمنظر السينمائي (بيلا بلاش) ، فالزمن المادي (هو الزمن الذي يستغرقه حدث ما عند تصويره وعند عرضه على الشاشة ) والزمن النفسي (هو الانطباع العاطفي والذاتي عن الامر الذي يشعر به المتفرج عند مشاهدته الفيلم ) أما الزمن الدرامي( هو الزمن الحقيقي المضغوط الذي تستغرقه الاحداث المصورة عند تحويلها الى فيلم )
يُقيم (الفلاش باك) روابط بين الحاضر والماضي في العديد من الافلام لكن ما نشاهده في فيلم (مستر نوبدي)، الذي أبتعد عن (الفلاش باك) نجده حاضراً بقوة في تخيلات البطل لكن لعب الزمن هنا تواجده اللحظي الآني ،
الذي يقودنا الى أن زمن اللحظة هو زمن الحاضر مع العلم أن هناك تاخيراً وتقديماً في الزمن بثلاثة أعمار يلعب بها الزمن لحظته الزمنية الآنية ،لذلك نحس بوجود (الفلاش باك) لكن الزمن يمنعه من تواجده الحقيقي لأنه لم يخبرنا أي الفيلم منذ البداية أنه أبن أي زمن ،لذلك أخذ يتلاعب بنا في عدة أزمنة مستقبلية وآنية وماضية لذلك نشعر أن الماضي هو زمن الحاضر والحاضر هو زمن الحاضر والمستقبل هو زمن الحاضر حتى أخذ الزمن المادي والنفسي والدرامي منحى واحداً هو لحظة الصورة الموجودة على الشاشة ،
وهذا النوع من التلاعب يكون بصفة جيدة أذا أخذت السينما على عاتقها أن تقدم صورة مبهمة تجعل العقل في بحث عن الزمن الحقيقي .
إن الوصول الى حل يرضى له بالتفاعل الزمني الذي تلعبه أحداث الفيلم بين الحاضر والماضي حتى أصبح (الزمن يجعل الحاضر يمضي ويحفظ في ذاته الماضي،ثمة أذن صورتا زمن ممكنتان الاولى أساسها الماضي،
والاخرى أساسها الحاضر،وكل منهما مركبة وتصلح لمجموع الزمن ) وهذا ما لوحظ في فيلم (مستر نوبدي) الذي جمع به الزمن بين الماضي والحاضر ليقدم حاضراً واحداً.
أن تتابع الصورة في حاضرها هو الذي يمضي ،حيث أن سرد القصة في الحاضر سوف لن يمضي دون أن يكون لها ماضٍ ،قد حدث بعد الآنية الحاضرة ومن هذا أخذ الفيلم يظهر لنا مبتغاه في أن الحاضر سوف يمضي الى ماضٍ يبعد لحظة تواجده ،
لذلك جعل الفيلم ماضيه حاضراً وحاضره ماضياً وهذا تلاعب في آنية الصورة المعروضة على الشاشة رغم تفاوت عمر البطل بين الشيخوخة والشباب ،فأيهما الحاضر وأيهما الماضي فلقد لعب الزمن هنا تواجداً آنياً لحظياً رغم وجود ثلاثة أعمار للبطل لكن أيهما الحاضر .
لذا كان من المعقول أن نجعل زمن الشباب هو الماضي وزمن الشيخوخة هو الحاضر ،هذا منطقي كما شاهدناه في فيلم (يوم الحساب الجزء الثاني)حيث نجد قدوم المنقذ من الزمن المستقبلي الى الماضي على عكس ماهو موجود في فيلم (مستر نوبدي) الذي قد لا يكون قدومه من المستقبل الى الماضي ولا من الماضي الى المستقبل أنه أبن لحظته الآنية لذلك نجد أن حبكة الفيلم معقدة جداً تدور في حلقة مفرغة ،تتلاعب بالزمن الحقيقي الذي يعيشه (مستر نوبدي) الذي يربط بين زمن ماضٍ وحاضر الذي يعيشه المعمر على الارض ،
فلقد أخذ الفيلم فنتازيا جديدة بين التجريب والغرائبي بأستخدام التقنية الحديثة التي وصل اليها المستقبل فلقد تلاعب الفيلم بمسار الزمن ،فكانت هناك أحداث غير معقولة مثل زواج (نيمو)أو(مستر نوبدي) من (أليس) و(آنا ) و(جين) صديقات الطفولة ولقد كان يهرب بواسطة كل واحدة من أي موقف صعب يمر عليه ،فلقد كان لكل واحدة قصة معه يعرضها في عبثية زمنية فلم نشاهد الترابط بالزمن للاحداث .
لقد قدمت السينما الفرنسية في الستينات من القرن المنصرم أمثلة كثيرة في معالجة الزمن ،ولقد (بدا واضحاً لنا أن هذه الافلام تمزج ما بين الحاضر والماضي مع المستقبل، ليغدو ذلك كله ضرباً من التجربة التزامنية ) ،
وهذه الافلام هي (الرصيف) لكريس ماركو أنتاج 1964 و(الفافيل)لجانجودار 1965 و(أحبك أحبك) لألان رينية 1968 وكل هذه الافلام نجدها لا تختلف عن فيلم (مستر نوبدي) في التداخل والمزج بين الأزمنة ،
و(أننا في هذا النمط أمام زمن يسبق في السرد زمن الحدث بعكس الأول الذي يتم فيه زمن الحدث قبل زمن السرد فالسرد في هذا النظام يتنبأ بوقوع الحدث قبل وقوعه فالحدث لم يقع بعد لكنه يقع) فنجد (نيمو) بين الحدث قبل وقوعه ، وهو يتنبأ وقوعه حيث يشهد الفراق بين أمه وأبيه وكيف يقع فريسة لهذا القرار لذلك نجده في المشهد مع والده ونجده في المشهد نفسه مع أمه لذلك لم يتضح لنا أي القرار هو الصحيح ،وأيهما الزمن الحقيقي الذي عاشه (نيمو).
أن الزمن قد بعثر على غرار ما ورد لعدم معرفة بداية الزمن فلقد أعتاد الناس أن يفكروا في مفهوم الزمن على أساس الثواني والدقائق والساعات والايام التي تمر بهم فهو عندهم مجموعة اللحظات العابرة ،
و كيف بدأ الزمن من نقطة لم يكن قبلها زمن وهل ينتهي الزمن بنقطة لا ياتي بها زمن فلقد ورد على أن الزمن هو مجموعة اللحظات التي نمر بها ،ولكن لم توضع لهذه اللحظات لا بداية ولا نهاية فلقد أخذ الفيلم يبني ذلك في عبثية تجعل الزمن ليس من البديهيات التي نادى بها الفلاسفة القدماء ،فلقد أخذت اللقطات المتباعدة في الأزمنة والتي تتلون بأوقات عديدة أن تجعلنا في أستسلام لسقوط أحدى البديهيات التي يؤمن بها السينمائيون حالهم حال الفلاسفة القدماء الذين يجعلون الزمن بديهياً ،
وحتى المكان فلقد تلاعب به السينمائيون ليسقط من واقعه الحقيقي ليكون ضمن الواقع الافتراضي المتخيل فهو الآخر سقط من البديهيات ،بعد أن أخذت الافلام الغرائبية تُكون مكاناً ليس له وجود فقد أخذت السينما تنطلق بأبعادها الثلاثة الى تكوين أماكن جديدة حتى أخذ بعض العلماء وعلى رأسهم أنيشتاين الى القول (أن هناك بعداً رابعاً هو الزمان الذي ينحني به الكون )
لذلك استطاع هذا البعد الرابع أن يجعل الاستمرارية موجودة لان الفضاء قد تحدب ،وبالتالي فأن الزمن ليس له بداية وليس له نهاية وهذا ما قد اثبته الفيلم ولم نحظ بنهاية للزمن وبالرغم من أنتهاء الفيلم.
المصادر
1- الصورة –الزمن ، جيل دولز ،المؤسسة العامة للسينما ،سوريا، 1999
2- السينما فناً، رالف ستيفون ،تر خالد حداد ،الفن السابع،دمشق.
3- لغة الصورة في السينما المعاصرة،روى ارمز،الهيئه المصرية العامة للكتاب ،القاهرة.
4- مرايا السرد ، موصف البياتي .
5- مهزلة العقل البشرية ، علي الوردي،مكتبة دجلة والفرات ، بيروت،2009.