يعد خان أسعد باشا العظم Khan As'ad Pasha Al-Azem in Old Damas واحد من روائع الخانات في العمارة الإسلامية، ومن أعظم خانات الشرق قاطبة التي تم بناؤها في أرجاء الخلافة العثمانية. وصفه الشاعر الفرنسي مارتين، وقال: "إن قبابه تذكر بعظمة وضخامة قبة القديس بولس في روما، وإن شعبا فيه مهندسون لديهم الكفاءة لتصميم مثل هذا الخان وعمال قادرون على تنفيذ مثل هذا البناء لجدير بالحياة والفن والاحترام".

مَن بناه؟ وما تاريخ بناء الخان؟
ينسب بناء الخان إلى والي الشام أسعد باشا بن إسماعيل باشا العظم الذي حكم بين عامي (1156 - 1171هـ / ١٧٤٣ - 1757م) في العهد العثماني إبان عهد الخليفة محمود الأول (1143 – 1168هـ/ 1730 – 1754م)، واستغرق بناؤه عام ونيف، من سنة 1166هـ / 1751م، إلى سنة 1167م / 1753م، وقد استخدم الوالي معظم الحجارة الموجود بدمشق للتفنن في بنائه؛ ليكون أكبر محطة استراحة إستراتيجية على طريق الحرير وطريق قوافل الحج في الشام شريف (دمشق)، وسوقًا كبيرة ليتبادل التجار القادمون إلى الشام بضائعهم الثمينة فيه، وليصبح من أجمل وأعظم خانات الشرق قاطبة والتي تم بناؤها في أرجاء الخلافة العثمانية.

الموقع الجغرافي:
يقع خان أسعد باشا العظم داخل أسوار مدينة دمشق القديمة في منتصف سوق البزورية على يمين الداخل إلى السوق من جهة سوق مدحت باشا. يحده شمالا حمام نور الدين زنكي الملقب بالشهيد ودار القرآن والحديث التنكزية / المدرسة الكاملية، ويحده جنوبًا خان الرز يفصل بينهما جادة سوق الصقالين، ويحده شرقا زقاق السلمي والبيوت العربية القديمة، ويحده غربًا خان العمود يفصل بينهما سوق البزورية الشهير.

الوصف المعماري لخان أسعد باشا العظم:
تُقدَّر مساحة خان أسعد باشا العظم الإجمالية بحوالي 2500 متر مربع، وتحتل واجهته الغربية المطلة على سوق البزورية بطول 47 مترًا، وتحتضن هذه الواجهة بوابة الخان الكبيرة الحجم ومسجد صغير ودكاكين مخازن تجارية. أما الواجهة الشرقية فهي سور أصم يطل على زقاق الحي المجاور.

وتحتل واجهته الجنوبية المطلة على خان الرز وسوق الصقالين بحوالي 52 مترًا تتوزع فيها المحال التجارية. أما واجهته الشمالية فيصل طولها الى 25مترًا ولكنها محجوبة بالمباني.

صمم بناء الخان من طابقين اثنين. استخدم الطابق الأرضي من الخان ليكون سوقًا للتجار يبيعون فيه بضائعهم وكمستودعات ومكاتب لسماسرة البيع، في حين خصص الطابق الثاني للنوم ولراحة الزوار وتجارة القوافل.

ويحيط بالبناء باحة مسقوفة بتسع قباب، يدخل إليها من الباب الرئيسي عبر دهليز واسع. تتألف البوابة من إيوان واسع يتقدم الباب، يحتوي في جانبيه على مقعدين من الحجر، معقود أعلاه بالمقرنصات، والدلايات الحجرية، تنتهي في أعلاها بشكل الصدفة على شكل نصف قبة.

يتكون هذا العقد من ثلاث أقواس متراكبة، القوس الخارجي الكبير مكون من سلسلة من المشربيات،

والقوس الأوسط مكون من حجارة مقولبة على شكل كعوب الكتب، أما القوس الثالث الداخلي، فيتألف من حجارة مقصقصة، يتناوب فيها اللونان الأبيض والأسود. والعقد محمول على ثلاث سويريات أي أعمدة صغيرة في كل من جانبيه، ومنحوته بأشكال حلزونية وضفائر، وتمثل هذه الواجهة أجمل وأضخم واجهات المباني الأثرية في دمشق وأغناها بالزخارف والتزيينات، إذ يصل طول الواجهة إلى ما يزيد على أحد عشر مترًا وبعرض يبلغ تسعة أمتار ونصف، وباب الخان.

وباب الخان مفتوح ضمن قنطرة تعلوها واجهة مؤلفة من خطوط هندسية تحتوي على نقش حجري، ما نصه:

(الله خان للخير يقصد)، (بالسعد واليمين قد تشيد)، (وسامت النجم في سمو) (فالزهر عقد له قد تجدد) (أنشأه صدر شهم كريم)، (خدن المعالي الوزير أسعد)، (تاريخه قد أتى ببيت) (باللؤلؤ الرطب قد تنضد) (بني خان بني بيمن)، (الأوحد الأسعد الممجد)، (سنة 1166)

وعلى طرفي هذه القصيدة التي هي بالأصل على شكل نصف دائرة بعض العبارات:

يا مفتح الأبواب *** افتح لنا خير باب

ويوجد لوحة رخامية على يسار الداخل إلى الخان ما نصها:

خان أسعد باشا

بناه والي دمشق أسعد باشا العظيم

سنة 1169- 1749

KHAN ASAD PACHA

DAMASC Batic dar le gouveneur

ASAD PACHA AL-AZEM

1749

أما الباب نفسه فيتألف من مصراعين كبيرين من خشب الجوز ومثبت عليها صفائح معدنية لحماية الباب من تحطيمه ومرسوم على تلك الصفائح أشكال خلية النحل وبداخل كل خلية نجمة كانت هذه النجوم وما زالت تغطي المسامير ضخمة المثبتة للصفائح المعدنية وهي شبيه بطراز أبواب جميع الخانات أو أبواب مدينة دمشق المصفحة بألواح الحديد.

يلي الباب الخارجي لخان أسعد باشا دهليز واسع، طوله عشرة أمتار وعرضه أربعة، مسقوف بعقود متقاطعة تزينها زخارف جصية، ويوجد في كل من جانبي الدهليز غرفة مسؤول الخان وبجانبه درج من الحجر يؤدي إلى الطابق العلوي.

يتوسط الخان فسحة مربعة طول ضلعها حوالي 27 مترًا، وهي مرصوفة مبلطة بالحجر البازلتي الأسود ويتوسطها بركة ماء كثيرة الأضلاع، في وسطها فسقية كانت تتغذى من مياه نهر القنوات، وهذه الباحة مسقوفة بكاملها بالقباب التسع الموزعة على ثلاثة صفوف، محمولة على أربع وعشرين عقدا، تستند على جدران الخان من ناحية، وعلى عضائد أربع في وسط الباحة.

وهذه القباب متماثلة يبلغ قطر كل منها ثمانية أمتار، وترتفع عن أرض الخان بحدود أثنان وعشرين

مترًا، وتتألف من أربع أجزاء، وتتكون من قاعدة مربعة: فيها أربعة عقود كبيرة يصل بينها أربع مثلثات كروية، تحتل الزوايا، يليها رقبة القبة والمكونة من ستة عشر ضلعا، في كل ضلع نافدة مستطيلة، ويلي الرقبة طاسة القبة وهي مبنية بالآخر ومزينة في الداخل بالزخارف الجصية، وفي قمة الطاسة منور يمد الباحة بالنور ويمنع تسرب مياه المطر. وهو عبارة عن فتحة مضلعة ذات عشرة أضلاع في كل منها نافذة، مغطى بسقف هرمي هذا هو الوضع الأصيل للقباب.

لكن الزلزال أصاب ثلاث قباب أو أكثر وأزال عنها عناصرها العليا: الرقبة والطاسة والمنور. ومرجعا إلى الصورة الفوتوغرافية الوثائقية التي التقطت للخان وما جاوره من المساجد والأسواق والمشيدات من جهة الشرق إلى جهة الغرب عام 1898م فتبدو قباب خان أسعد باشا العظم في أقصى يمين الصورة في كل قبة رقبة ونوافذ القباب وفي رأس القبة رقبة صغيرة حاملة لست نوافذ لإضاءة الخان وتنتهي بقلنسوة هرمية قريبة من شكل قلنسوات المآذن العثمانية.

يحيط بالصحن من كل جهاته مخازن في الطابق الأرضي، مصممة على شكل أجنحة مستقلة يتألف كل منها من غرفة أمامية تستخدم كمكتب، يليها من الداخل غرفة أكبر أو غرفتان للبضائع.

أما الطابق العلوي فيصعد إليه من كلا الدرجين المتقابلين في دهليز المدخل. وهو يتألف من رواق يحيط بجهات الخان الأربع، مسقوف بأقباء متقاطعة، ويطل على باحة الخان بقناطر حجرية، وهي نفسها قناطر القباب التسع، المطلة على باحة الخان، ويلي الرواق سلسة من الغرف والتي تزيد على الأربعين غرفة ، كل منها مزود بشباك مستطيل يطل على الرواق، ونافذة في جدار السور تمدها بالنور والهواء ليصبح عدد غرف في الخان 84 غرفة يتفرع منه خمسة ممرات ثانوية يؤدي أحدها إلى غرفة كبيرة مزودة بشرفة تطل على سوق البزورية.

تعرض الخان بعد بنائه ببضعة سنين إلى هزة أرضية ضربت دمشق ومعظم مدن بلاد الشام عام 1173هـ / 1759م، مما أدى إلى سقوط ثلاث قباب من أصل قبابه التسع بحسب رواية الشيخ أحمد البديري الحلاق، أو خمس قباب بحسب رواية أخرى للقساطي. وفي الثمانينيات من القرن العشرين بعد أن أصبح الخان فارغًا بدأ الترميم فتم تجديد الدعائم الأربع الوسطية وبناء القبب الوسطية الشمالية والجنوبية في عام 1984م, و من ثم دهن القشرة الداخلية للقبب.

بقي هذا الخان العظيم يؤدي وظيفته كخان رسمي حتى بدايات القرن العشرين عندما انتشرت الفنادق في ساحة المرجة وما جاورها من المشيدات، إلى أن انتقلت ملكيته إلى تجار سوق البذورية، حين بدأ التجار باستخدامه كمستودع للبضائع.

شهرة خان أسعد باشا:
صار لخان أسعد باشا شهرة عظيمة، وما زالت شهرته منتشرة في معظم أنحاء العالم إلى اليوم، وكان الرحالة وكل من زار دمشق لا بد له من العروج للجامع الأموي وإلى خان أسعد باشا، لمشاهدة هذه التحفة المعمارية الفذة، وعدم إخفاء إعجابهم بالفن المعماري المتمثل في هيكلية الخان.

ومن أشهر هؤلاء الرحالة. الشاعر الفرنسي (ألفونس دولا مارتين أحد زعماء المدرسة الرومانسية بفرنسا) عند زيارته لدمشق سنة 1833م، وذكر في كتابه (رحلة إلى الشرق) أن خان أسعد باشا من أجمل خانات الشرق، وأن قبابه تذكر بعظمة وضخامة قبة القديس بولس في روما، وكذلك وصْفُه بركة الخان، ونوه إلى أن غرف التجار كانت في الطابق العلوي من الخان، وأن في جانب الخان من جهة القبلة يوجد إسطبل لخيول القوافل التجارية وكذلك إسطبل آخر للدواب والجمال التي تأنف الخيول المبيت معها في نفس الإسطبل، وأبدى إعجابه الكبير بباب الخان، والذي قال عنه: "إنه قطعة من العمارة الإسلامية التي لا نظير لها في العالم".

من المباني الأثرية العالمية:
ظل استخدام الخان مستودعًا للبضائع الخاصة بالمنطقة، واستمر هذا الوضع حتى بداية ثمانينات القرن العشرين حين أخلى الخان من المستودعات العشوائية، وتم استملاك الخان في عام 1973م، وآل في نهاية المطاف إلى المديرية العامة للآثار للمتاحف بدمشق فقامت على صيانته وترميمه على أحسن وجه.

جرى توثيق الخان بالنص و الصورة عام 2006م ضمن المباني الأثرية العالمية في مدينة دمشق تحت اسم "خان أسعد باشا العظم - 127 / 128 –" في كتاب "العمارة والمجتمع العثماني في مدينة دمشق بالقرنين التاسع عشر و العشرين الميلاديين" للباحثين الألمانيين ويبر ستيفان تحقيق البروفسور الدكتور جودرن كريمر والبروفسور الدكتور دورثي ساسك الموجود والموثق في جامعة برلين بألمانيا.

إن أهمّ مميزات خان أسعد باشا العظم سعته وفنون صنعته الحجرية المُنفّذة بإتقانٍ، وقبابه التّسع التي تميزه عن بقية الخانات، إضافةً إلى ضخامة بوّابته الرّئيسية البديعة المُزّينة بالمُقرنصات والدلاّيات الجميلة، وحجارته المُكوّنة من اللّونين الأبيض والأسود، والأقواس التي تحيط بجميع أنحائه، فضلًا عن روعة توزيع الضّوء والظّل.

هذا وصف بسيط لخان أسعد باشا العظم، فصوَره الملونة تظهر مدى روعة العمارة الإسلاميّة، التي تنوَّعَتْ في تخَصُّصَاتِهَا وأبدعت في جمالِها، حيث ترك المعماريون المسلمون آثارًا تدلُّ عليهم، وإن خان أسعد باشا يستحق بحثًا مستقلًا، فهو آبدة معمارية تفوق نظائرها في جميع أنحاء البلاد التي انتشرت فيها الخانات الإسلامية.

المراجع:
- المديرية العامة للآثار والمتاحف - سوريا.
- عبد القادر الريحاوي: دمشق .. تراثها ومعالمها التاريخية، دار البشائر، ط2، 1996م.
- محمد عماد الأرمشي: خان أسعد باشا العظم.


قصة الإسلام