لما كانت ليلة الواحد والعشرين من شهر رمضان المبارك، جمع عليه السلام أولاده وأهل بيته وودعهم ثم قال لهم: الله خليفتي عليكم وهو حسبي ونعم الوكيل، وأوصاهم الجميع منهم بالخيرات.
ثم تزايد ولوج السم في جسده الشريف وقد احمرتا قدميه، وعرضوا عليه المأكول والمشروب فأبى أن يشرب، وكانت شفتيه تختلجان بذكر الله تعالى وجعل جبينه ـ يرشح عرقاً ـ كاللؤلؤ، وهو يمسحه بيده فقال: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إن المؤمن إذا انزل به الموت ودنت وفاته عرق جبينه وصار كاللؤلؤ الرطب وسكن أنينه. ثم نادى أولاده كلهم بأسمائهم صغيراً وكبيراً، وجعل يودعهم ويقول: الله خليفتي عليكم واستودعكم الله، وهم يبكون وينحبون.
فقال له الحسن عليه السلام يا أبة تتكلم كلام الآيس من نفسه.
فقال له: يا بني! اني رأيت جدك رسول الله صلى الله عليه وآله في منامي قبل هذه الكائنة بليلة، فشكوت اليه ما أنا فيه من التذلل والاذى من هذه الأمة، فقال لي: ادع عليهم، فقلت: اللهم أبدلهم بي شراً مني وأبدلني بهم خيراً منهم، فقال لي: قد استجاب الله دعاءك، سينقلك الينا بعد ثلاث، وقد مضت الثلاث.
يا أبا محمد! أوصيك بالحسين خيراً، فأنتما مني وأنا منكما، ثم التفت إلى أولاده الذين من غير فاطمة عليها السلام وأوصاهم أن لا يخالفوا الحسن والحسين عليهم السلام ثم قال: احسن الله لكم العزاء، الا واني منصرف عنكم، وراحل في ليلتي هذه، ولا حق بحبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله كما وعدني.
وهذه هي وصية امير المؤمنين عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم،
هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب:
أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، ثم إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين.
اوصيك يا حسن وجميع ولدي وأهلي ومن يبلغه كتابي بتقوى الله ربّكم ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتمصوا بحبل الله جميعاً، ولا تفرقوا، فإني سمعت أبا القاسم عليه السلام يقول: إن صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام.
انظروا إلى ذوي أرحامكم فصلوهم يهون عليكم الحساب.
الله الله في الايتام فلا تغيروا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم.
الله الله في جيرانكم فإنهم وصية نبيكم، مازال يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورّثهم.
الله الله في القرآن فلا يسبقنكم بالعمل به غيركم.
الله الله في الصلاة فإنها عماد دينكم.
الله الله في بيت ربكم فلا يخلون ما بقيتم، فإنه إن ترك لم تناظروا.
الله الله في شهر رمضان، فإن صيامة جنة من النار.
الله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم.
الله الله في الزكاة فإنها تطفئ غضب الرب.
الله الله في ذمة أهل بيت نبيكم، فلا يظلموا بين ظهرانيكم.
الله الله في أصحاب نبيكم، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصى بهم.
الله الله في الفقراء والمساكين فأشركوهم في معايشكم.
الله الله فيما ملكت أيمانكم، فإن آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وآله أن قال: أوصيكم بالضعيفين، نساؤكم وما ملكت أيمانكم.
الصلاة الصلاة، لا تخافن في الله لومة لائم، يكفيكم من أرادكم وبغي عليكم، وقولوا للناس حسناً كما أمركم الله، ولاتتركوا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فيتول الامر شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم، عليكم بالتواصل والتباذل وإياكم والتدابر والتقاطع والتفرق، وتعاونوا على البر والتقوى، واتقوا الله إن الله شديد العقاب.
حفظكم الله من أهل بيت، وحفظ فيكم نبيكم، أستودعكم الله، وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله