هل تعاني من مشكلات بالذاكرة.. إليك لعبة جديدة تساعدك على تأخير الإصابة بالألزهايمر
أنت تحدق في شاشة الكومبيوتر.
يومض شيئان أمام عينيك، أحدهما أمامك مباشرة والآخر على جانب الشاشة، وفي جزء من الثانية يختفي كلاهما.
الآن يوجّه لك الكومبيوتر سؤالاً: ما هذه الأشياء؟ وأين كانت؟ وهل حصلت على فرصة لرؤية كل منهما؟
إذا أجبت بشكل صحيح، فلا تسترخ بعد، سيكون المستوى القادم أكثر صعوبة، لكن أياً كان ما تفعله لا تستسلم.
أشار تحليل جديد أُجري على بيانات بحثية سابقة، أُعلنت نتيجته هذا الأسبوع في مؤتمر الجمعية الدولية لمرض الزهايمر، إلى أن هذا النوع من الألعاب قد يقلل من خطر حدوث أعراض الخرف إلى النصف تقريباً، مقارنة بعدم تدريب الدماغ على الإطلاق.
أما الدراسة المُقدَمة فمازالت تخضع للمراجعة والتدقيق، ولم تُنشر بعد، (تلفت مدونة PLOSهيلدا باستيان إلى أن الدراسات قد تتغير بشكل درامي بين عرضها في المؤتمر ونشرها على صفحات الدوريات العلمية، لذا يجب اعتبار هذه النتائج مبدئية حتى الآن).
تُدعى هذه اللعبة "مُهمَة سرعة المعالجة"، وهي إحدى 3 أنواع من التدريبات الإدراكية التي شارك فيها 2800 شخص خلال إحدى الدراسات الطويلة العشوائية حول التدريب الإدراكي المتقدم لكبار السن (ACTIVE)، والتي مولها المعهد الوطني للصحة.
بلغ متوسط عمر المشاركين في التجربة حوالي 74 عاماً حين بدأت، وتتبعهم الباحثون 10 أعوام، آملين في اكتشاف تأثير التدريبات الإدراكية على أداء كبار السن الأصحاء.
انقسم المشاركون إلى 4 مجموعات، لعبت إحداهن بألعاب سرعة المعالجة، بينما شاركت مجموعتان ثانيتان في صف للذاكرة أو التفكير، أما الأخيرة فلم تفعل شيئاً، وساهمت كمجموعة مرجعية.
قدمت صفوف الذاكرة حيلاً للحفظ، مثل أجهزة الذاكرة أو "قصر الذاكرة"، وهو أحد الأدوات المستخدمة لتذكر سلسلة من الأشياء عن طريق تصور كل منها في مكان مختلف.
أما صفوف التفكير فعَلَّمَت المنطق والتعرف على الأنماط، ودرَّبَت الأشخاص على كيفية اختيار الحرف التالي في سلسلة بالاعتماد على ترتيب الحروف التي سبقته.
نُشرَت الورقة البحثية الأحدث لـ(ACTIVE) في 2014 ، مستنتجةً أن التدريب الإدراكي المختلف قد يساعد قليلاً في القيام ببعض المهام الأساسية البسيطة مثل القيادة وموازنة دفتر الشيكات مع التقدم في العمر.
يوم الاثنين في تورنتو، أعلن فريق بحثي بقيادة جيري إدواردز بجامعة جنوب فلوريدا قيامه باستخدام البيانات الثرية الناتجة عن دراسة ACTIVE لطرح سؤال مختلف وأكثر إثارة: هل يمكن للتدريب الإدراكي تأخير ظهور الخرف أو التدهور الإدراكي المرتبط بالزهايمر؟
أظهرت نتائجهم أن المجموعة التي أتمت 10 – 14 ساعة من التدريب الإجمالي على مدار 10 سنوات باستخدام ألعاب سرعة المعالجة كانوا أقل عرضة للإصابة بالزهايمر أو غيره من أنواع الخرف بنسبة 48% مقارنة بأولئك الذين لم يتلقوا أي نوع من التدريب الدماغي.
قام هؤلاء المشاركون بعشر ساعات من اللعب بهذه الألعاب في العام الأول للدراسة، ثم انتُقي بعض
هم عشوائياً للحصول على جلسات إضافية وصلت إلى 4 ساعات على مدار الفترة المتبقية من الدراسة.
وقال إدواردز في بيان صحفي: "نعتقد أن هذه هي المرة الأولى التي ثبت فيها تدخل التدريب الإدراكي للوقاية من ضعف الإدراك أو الخرف في تجربة عشوائية كبيرة منضبطة (RCT)".
أثارت هذه النتائج نوعاً من الفضول الحذر أثناء عرضها، كما قالت بيني داكس، إحد الحاضرات وعالمة الأعصاب ورئيسة قسم الشيخوخة والوقاية من الزهايمر في مؤسسة اكتشاف أدوية الزهايمر.
كما طرحت أسئلة مثيرة: لماذا ظهر الارتباط الأقوى مع سرعة المعالجة وليس مع صفوف الذاكرة على سبيل المثال؟ وهل من المعقول أن يكون لـ10 -14 ساعة من التدريب هذا الأثر الكبير الممتد حتى بعد مرور سنوات؟ وفي حديثها لصحيفة "الواشنطن بوست" قالت داكس: "أعتقد أنه أمر مذهل، فهو يظهر لنا عدم تساوي أنواع التدريب الإدراكي، لا يعني هذا أن كل شيء ممكن، لكن إن كان بإمكاننا مساعدة ولو جزء قليل من السكان، فهذا يستحق التحية، وبالتأكيد المزيد من البحث".
وعلى الرغم من إظهار الدراسة لوجود علاقة ارتباط وليس علاقة سببية، يزعم الباحثون أن هذا هو الدليل الأول الذي قد يشير لقدرة إحدى ألعاب تدريب الدماغ على تغيير ظهور الخرف.
وقالت سوزان جايجي، مديرة معمل الذاكرة العاملة والمرونة بجامعة كاليفورنيا، لدان هارلي في إحدى مقالات صحيفة "نيويوركر": "لم يكن لدينا أدلة على التأثيرات الوقائية للتدريبات المحوسبة ضد الخرف، يمكنك الآن القول إن هذه الدراسة توفر دليلاً على إمكانية ذلك".
لكن حتى مع وجود هذا التحليل المقنع لبيانات ACTIVE، مازال الباحثون مترددين بشأن قبول هذه النتائج في الحال.
هناك سبب وجيه للشك، فبجانب حقيقة أن الدراسة مازالت تحت المراجعة، لم تُصمَم دراسة ACTIVE في 2014 لمتابعة الخرف، وفقاً لما قاله جوناثان كينج لـ"الواشنطن بوست".
كان كينغ هو مدير المشروع وأحد المؤلفين المشاركين في الدراسة، وهو مدير أحد البرامج في المعهد الوطني للتقدم في السن، والذي يهدف عمله إلى مساعدة كبار السن الأصحاء على القيام بأداء أفضل عن طريق صفوف وألعاب متعددة.
وبشكل عام، هذا ما حدث بالفعل، تحسّن تفكير أولئك الذين حصلوا على صفوف التفكير، كما تحسّنت قدرة الذين لعبوا ألعاب سرعة المعالجة في القيادة، غالباً نتيجة زيادة مجالهم البصري.
عمل إدوادرز مع ليزلي روس، إحدى مؤلفي الدراسة الجديدة، على جمع بيانات دراسة ACTIVE المقصودة، وحين رأوا التأثير الإيجابي لهذه الألعاب فيما يخص أداء البالغين، علموا برغبتهم في إلقاء نظرة أعمق على هذه البيانات.
وقالت روس لـ"الواشنطن بوست": "بالنظر إلى أحد التعريفات الأولية للخرف، والذي يشير إلى حالة الفرد الإدراكية وحالته الوظيفية أيضاً، وجدنا أنه ربما علينا العودة وإلقاء نظرة على هذه البيانات مرة أخرى".
أعادوا تحليل البيانات، وكم شخصاً قد أصيب بالخرف في المجموعات الأربع، أو عانى من تدهور إدراكي نتيجة لأحد الأمراض، وهو ما قادهم إلى اكتشاف العلاقة بين مجموعة ألعاب سرعة المعالجة وبين انخفاض حالات الإصابة بالخرف أو الألزهايمر.
وأضافت روس: "هذه النتيجة هي الأولى التي تشير إلى وجود ما يجري هنا، لكننا نحتاج إلى المزيد من الفهم، ولا أعتقد أن هناك من سيدَّعي أن هذا علاج".
كان الباحثون حاولوا اكتشاف طرق للوقاية من التدهور الإدراكي وأعراض الخرف المصاحبة لبعض الأمراض مثل الألزهايمر، يبلغ عدد الأشخاص المصابين بالألزهايمر (فوق 65 عاماً) في الولايات المتحدة حوالي 5.2 مليون نسمة، وما من علاج للمرض أو لأعراضه الجانبية الإدراكية.
شهد العقد الماضي طفرة في التطبيقات والألعاب الإلكترونية التي زعمت قدرتها على المساعدة على الرغم من ضعف الدعم العلمي.
زعم تطبيق Lumosity، الذي صدر عام 2007، قدرته على تحسين الإدراك والذاكرة والوظائف الدماغية، وبلغ عدد مستخدمي هذا التطبيق في 2015 حوالي 70 مليون مستخدم.
وتبلغ قيمة التطبيق 299.95 دولار لقاء السماح باستخدامه مدى الحياة، كما يذكر موقعه الإلكتروني أنهم يعملون مع "100+ باحث مستقل لاستكشاف مناطق جديدة متعلقة بالإدراك والتدريب الإدراكي".
لكن في عام 2014، غَرَّمَت لجنة التجارة الفيدرالية Lumosity غرامة قدرها مليوني دولار لأنهم استغلوا خوف المستخدمين من التدهور الإدراكي المرتبط بالعمر، مُدَّعين أن ألعابهم بإمكانها الوقاية من فقدان الذاكرة والخرف وحتى مرض الألزهايمر، وفقاً لما ذكرته جيسيكا ريش، مديرة مكتب لجنة التجارة الفيدرالية لجمعية المستهلك، في بيان صحفي.
وفي اجتماع عُقد في 2014 من قبل مركز ستانفورد لطول العمر ومعهد ماكس بلانت للتنمية البشرية في برلين، وقَّع ما يزيد على 70 باحثاً على بيان لإعلام الجمهور بأنه ما من دليل على استفادتهم من هذه الألعاب بطريقة مؤثرة.
وجاء في البيان: "يشعر العديد من العلماء بالسوء جراء تدفق الإعلانات التي تدعي تحسين سرعة وكفاءة المعالجة الإدراكية، وتحقيق مكاسب ضخمة فيما يخص الذكاء، خاصة حين تظهر هذه الإعلانات على أحد المصادر الموثوقة للأخبار الأخرى. يرى الموقعون أدناه أن هذه المزاعم المضللة والمبالغ فيها تزيد من قلق البالغين بشأن تقدم السن لأغراض تجارية، وربما الادعاء الأكثر خبثاً، والخالي من أي دليل علمي موثوق، هو أن ألعاب الدماغ بإمكانها الوقاية من الألزهايمر أو التغلب عليه".
تلى نشر ذلك البيان، بيان ثان في رد علماء آخرين، ذُكر فيه أنه على الرغم من اتفاقهم مع العديد من نقاط البيان الأول، إلا أنهم لا يؤمنون بعدم وجود أي علامات تشير إلى قدرة تدريبات الدماغ على تحسين الإدراك.
بقي الموقفان مثيرين للجدل منذ ذلك الحين، لكن ما لم يكن مثيراً للجدل، بحسب ما قالت داكس، فهو معرفة أن الأفراد الذين تلقوا قدراً مرتفعاً من التعليم أو لديهم وظائف فكرية لا تظهر عليهم أعراض الخرف والألزهايمر إلا متأخراً مقارنة بالآخرين.
ولكنها لا تعتقد بقدرة لعبة، لعبة لسرعة المعالجة على وجه التحديد، جعل الدماغ "أذكى".
بل افترضت أن تأكيد هذه النتائج وتكررها، قد يكون نتيجة غير مباشرة للعبة: عن طريق إطالة أمد الاستقلال.
على سبيل المثال، أظهرت دراسة ACTIVE فائدة أخرى لألعاب سرعة المعالجة، وهي تحسن مهارات القيادة والمناورة.
وقالت داكس أيضاً: "أتساءل عما إذا كان ذلك يؤدي لتغيرات في حياة الفرد مع انخفاض خطر الحوادث بالإضافة إلى قدرته على التجول ومن ثم الاستقلال لوقت أطول، وهو ما يؤدي بالتبعية إلى تحسن الأداء الوظيفي".
كما أضافت "هناك فرضية في علم الأعصاب بأن ما لا تستخدمه تفقده، لذا ربما المساعدة على استقلال أفضل مع مرور الوقت أو الوقاية من التدهور، هو ما يؤدي لذلك".
كما قالت روس للواشنطن بوست أنها تشك في مساهمة عامل آخر متعلق بالمرونة العصبية أو بقدرة الدماغ على صنع مسارات جديدة.
وأضافت "أحد الأمور التي تجعل تدريب السرعة مختلفاً عن التدريبات الأخرى، هو تكيفه، أي أن تحسنك في اللعبة سيعني أنها ستصبح أكثر صعوبة"، واستطردت "هناك مساحة متنامية من البحث حول المرونة العصبية، والأشياء التي تتكيف وتُسرع ويمكن توقيتها تظهر قدراً من الأمل".
هناك حقيقة لافتة أيضاً وهي أن المشاركين قضوا حوالي 10 -14 ساعة إجمالية من اللعب خلال النصف الأول من التجربة والذي استمر لعشر سنوات.
قال هوارد فيليت، الرئيس التنفيذي لمؤسسة اكتشاف أدوية الألزهايمر لـStat News "من العسير فهم كيف يمكن لهذا التدخل البسيط أن يكون له هذا التأثير طويل الأمد".
إنه أمر مماثل لكونك تدربت لعشر ساعات منذ عشرة أعوام، ومازال جسدك متناسقاً حتى اليوم.
وتتوقع داكس أن المشاركين في التجربة استمروا في لعب هذه الألعاب أثناء حياتهم العادية، ولم ينته استخدامهم لمهارات سرعة المعالجة بانتهاء التجربة، بل أصبحت طقوساً يومية.
ولكن إذا كان تحدي الدماغ بهذه الطريقة لعشر ساعات بإمكانه تحقيق هذه النتائج الجذرية، فإن الخطوة التالية هي التساؤل عما سيحدث لو زادت "الجرعة".
"10 ساعات فقط أدت لهذا؟"، هكذا تساءل كينغ: "هل ستحمل 50 ساعة 5 أضعاف الفائدة؟".
وقالت روس إن هناك المزيد الذي يجب القيام به، لكن النتائج قد توفر أخيراً دليلاً على نوع التدريب الدماغي الذي يحتاج إلى بحث أعمق ودراسة مستفيضة.
بعد نشر دراستهم، ترغب روس في دراسة تأثير ألعاب سرعة المعالجة على مجموعة من البالغين غير الأصحاء المعرضين لخطر الإصابة بالخرف والألزهايمر.
وتقول إن ألعاب سرعة المعالجة لن تكون حلاً سحرياً لكنها قد تكون مورداً للراغبين في اتخاذ تدابير وقائية، سواء كانوا عرضة للزهايمر أم لا.
أو كما قالت روس: "إنها مجرد أداة إضافية يمكن استخدامها في مواجهة التدهور الإدراكي" وأضافت "هدفي هو الذهاب لوالدي (في السبعينات من عمرهما) والقول بأن إليكما ما لدينا دليل عليه، أظن أن عليكما ممارسة هذا الأمر لبعض الوقت".
- هذا الموضوع مترجم عن صحيفة Washington Post الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا