قبل أن أختار بعض القصص من كتاب كليلة ودمنة أحب أن أكتب ملخصاً عنه :هو روزبة بن دازويه فارسي الأصل، ولد في البصرة (724-759م)
أعرف بداية بالمترجم الكاتب عبد الله بن المقفع وبالكتاب:ونشأمجوسياً مستعرباً بين آل الأهتم الذين اشتهروا بالفصاحة والعلم وقد أتقن اللغتين وآدابهما: الفارسية لغة قومه، والعربية ، لغة الدولة والبلاد التي نشأ فيها. ولما مات أبوه ( المقفع) أخذ يتكسب بصناعة الكتابة فكتب في خدمة آل هبيرة ، عمال الدولة الأموية ، وكان يومذاك في سن العشرين من عمره.
وعندما انتقل الملك للعباسيين اتصل بأعمام المنصور فكتب لعيسى أيام ولايته على " كرمان" وأدب بعض بني اسماعيل والي "الأهواز" وعلى يد عيسى أعلن روزبة إسلامه ، وسمي "بعبد الله" ، وكني "بأبي محمد"ومن صفات ابن المقفع أنه كانجريئاً صريحاً في إعطاء رأيه انتقد سير الحكم في البلادفزاد حقد "المنصور" عليه وكذلك حقد "سفيان" الوالي الجديد لأنه كان يكثر من الاستخفاف به والتندر عليه
واختلفت الروايات في قتل ابن المقفع وهو في السادسة والثلاتين ويقال أنه دخل دار سفيان في بعض مهام تخص مولاه عيسى بن علي، ولم يخرج منها .
وصفه بعضهم أنه كان ذكياً كريم الخلق شديد السخاء ، شديد الوفاء
وكما ذكرنا أنه كان متمكناً من اللغتين الفارسية والعربية وقد ترجم من الفارسية للعربية وأجاد الترجمة وكان يتصرف كثيراً في الترجمة فيزيد أو ينقص ما يشاء
ونلاحظ ذلك بوضوح في كتابه كليلة ودمنة ففيه عبارات تدل على أنه كتب بعد الإسلام مع العلم أن بيدبا الفيلسوف واضع الكتاب باللغة الهندية كان برهمياً عاش في الهند منذ عشرين قرناً أو أكثر على الترجيح
وقدسمي الكتاب "كليلة ودمنة" من باب تسمية الكل باسم الجزء ، نسبة إلى ثعلبين شقيقين يقومان بدور كبير في أحد أبوابه، وقد انتشر الكتاب انتشاراً واسعاً ، ويعد بحق أول كتاب عربي في الأخلاق لما فيه من نصائح وتوجيه بطريقة المثل المنقول غالباً على ألسنة البهائم.
وسأنقل باختصار وتصرف بعض قصصه تجنباً للتطويل والملل
ما السبب الذي دعا أصلاً الفيلسوف الهندي بيدبا هذا الكتاب لملك الهند دبشليم
كان دبشليم طاغية بغى وتجبر على الرعية ففكر بيدبا وهو الفاضل الحكيم بحيلة تصرفه عن ظلم الرعية ورده إلى العدل والإنصاف فدخل إليه ونصحه وقدم له الحكم والأمثال لإنصاف الرعية فسجنه ثم تبين له حكمته فأخرجه واستوزره فأخذ يرد المظالم ويحل مشاكل الرعية ويساوي بين القوي والضعيف ولما تم لبيدبا ما أراد من صرف دبشليم عن الظلم والاستبدلد تفرغ لوضع كتب السياسة وضروبها ودقائق الحيل فيها .. ومضى دبشليم الملك يعمل بما يشير عليه بيدبا فاستقام له الحكم وانقادت الرعية ..وتفرغ الملك للنظر بأمور الفلسفة والعلم فطلب من بيدبا أن يضع له كتاباً بليغاً يستفرغ فيه عقله يكون ظاهره سياسة العامة وتأديبها، وباطنه أخلاق الملوك وسياستها للرعية على طاعة الملك وخدمته؛ فيسقط بذلك عن الملك وعن الرعية كثيرٌ من المعاناة. وأرادالملك أن يبقى هذا الكتاب من بعد ه ذكراً له على غابر الدهور.قصة الفيل والقنبرة
ذكرأن قنبرةً اتخذت أدخيةً( وكراً) وباضت فيها على طريق الفيل؛ وكان للفيل مشرب يتردد إليه. فمر ذات يوم على عادته ليرد مورده فوطئ عش القنبرة؛ وهشم بيضها وقتل فراخها. فلما نظرت ما ساءها، علمت أن الذي نالها من الفيل لا من غيره. فطارت فوقعت على رأسه باكيةً؛ ثم قالت: أيها الملك لم هشمت بيضي وقتلت فراخي، وأنا في جوارك؟ أفعلت هذا استصغاراً منك لأمري واحتقاراً لشأني. قال: هو الذي حملني على ذلك. فتركته وانصرفت إلى جماعة الطير؛ فشكت إليها ما نالها من الفيل. فقلن لها وما عسى أن نبلغ منه ونحن الطيور؟ فقالت للعقاعق والغربان: أحب منكن أن تصرن معي إليه فتفقأن عينيه؛ فإني أحتال له بعد ذلك حيلةً أخرى. فأجبنها إلى ذلك، وذهبن إلى الفيل، ولم يزلن ينقرن عينيه حتى ذهبن بهما. وبقي لا يهتدي إلى طريق مطعمه ومشربه إلا ما يلقمه من موضعه. فلما علمت ذلك منه، جاءت إلى غدير فيه ضفادع كثير، فشكت إليها ما نالها من الفيل.
قالت الضفادع: ما حيلتنا نحن في عظم الفيل؟ وأين نبلغ منه. قالت: أحب منكن أن تصرن معي إلى وهدةٍ (هوة) قريبةٍ منه، فتنققن فيها، وتضججن. فإنه إذا سمع أصواتكن لم يشك في الماء فيهوي فيها. فأجبنها إلى ذلك؛ واجتمعن في الهاوية، فسمع الفيل نقيق الضفادع، وقد أجهده العطش، فأقبل حتى وقع في الوهدة، فارتطم فيها. وجاءت القنبرة ترفرف على رأسه؛ وقالت: أيها الطاغي المغتر بقوته المحتقر لأمري، كيف رأيت عظم حيلتي مع صغر جثتي عند عظم جثتك وصغر همتك؟