التعريف بالمكفوف
بقلم : حسن سعيد الموسوي
قرأت بالأمس موضوع عن المكفوفين ، نشره الأخ محمد البصراوي ، يسأل عن امكانية الزواج من المكفوف أو المكفوفة ، وقد لاحظت اختلاف في ردود الأعضاء عليه بين معارض ومؤيد .
وبالرغم من أنَّ البعض ردَّ بشكل يخلو من الموضوعية مما يستحق الانتقاد ، لكنني لن أنتقده فلست بصدد ذلك اذ أنَّ تشخيص المشكلة يتطلب معالجتها لا تعنيف من يقع بها ، ولعلَّ السبب في هكذا نوع من الردود يعود الى عدم معرفة مَن هو المكفوف وما هي إمكاناته ، مما جعلني أكتب هذا الموضوع .
في البدء يجب بيان من هو المكفوف ثم مناقشة الموضوع بطريقة تحليلية تأخذ شكل الأسئلة والإجابات .
من هو المكفوف ؟ المكفوف هو الذي فقد بصره بالكامل سواءً أكان منذ الولادة أم في فترة لاحقة ، ويلحق بالمكفوف الشخص المصاب بضعف البصر الحاد الذي يعيقه عن القراءة ولا يمكنه من الرؤية السليمة .
هل يستطيع المكفوف التحرك داخل المنزل ؟ نعم يفعل ذلك بل يستطيع الكثير من المكفوفين الخروج والسير في الطريق وحدهم .
هل يصطدم المكفوف بشخص أو شيء أثناء حركته داخل المنزل أو خارجه وكيف ذلك ؟ أغلب الأحيان لا يتعرض لأي صدمة حيث يستطيع تجنب الاصطدام بواسطة سمع صوت الشيء أو الشعور بالهواء الذي يرتطم بالشيء ويضرب جسم المكفوف ، حيث يمتاز المكفوف بمستوى عالي من فعالية الخلايا الحسية في جسمه تفوق ما يملكها الشخص المبصر ، كذلك يستخدم الكفيف العصا لاستشعار الأرض وتمييز الارتفاعات والانخفاضات فيها كي يتجنب السقوط وكذلك يتحاشى أي اصطدام بجدار أو ما شابه .
كيف يتحرك الكفيف خارج منزله ويعود اليه بدون أن يضل الطريق ؟ وكيف يستطيع الوصول الى المكان الذي يريده ؟ بما أن المكفوف يملك حاسة سمع أقوى مما يملكها غيره من كاملي البصر وبما أنه يملك خلايا حسية عالية فهو يعتمد على حاسة السمع لحفظ الأصوات ومعرفة الأفرع وكذلك الشعور باختلاف الهواء الذي يضرب جسمه ، وفي هذه الحالة ما عليه سوى حفظ كم فرع أو شارع يفصله عن المكان الذي ينوي الذهاب اليه فيسير وفق ذاكرته السمعية والحسية معن مع قليل من التركيز أثناء السير .
هل يقوم المكفوف بأعمال داخل المنزل وخارجه ؟ نعم .. ففي داخل المنزل يستطيع تأدية أغلب الأعمال التي يؤديها أقرانه المبصرين كالطبخ والتنظيف واصلاح الأشياء بل أن البعض منهم يستطيعون تأسيس نقاط التزويد بالطاقة الكهربائية ومد أنابيب المياه وحسب علمي لا توجد الّا القليل جداً مما لا نستطيع القيام به مثل كي الملابس بالمكواة العادية (غير البخارية) وتسوية أرضية المنزل بالبلاط (يعني فرش الكاشي) وغيرها القليل جداً , أما خارج المنزل فهناك أيضاً كثير من الأعمال التي يقدر الكفيف على القيام بها فبالإضافة الى العمل في دائرة حكومية أو شركة أهلية والتدريس كمعلمين أو مدرسين أو أساتذة جامعيين .. يوجد مكفوفون يعملون في مجال تأسيس شبكة أسلاك كهربائية للمنازل حديثة البناء أو مد شبكة أنابيب المياه لها والبعض يعمل في تصليح الدراجات النارية والهوائية وهناك من يعملون في نصب أجهزة الستلايت وقيل أن مكفوفاً كان يعمل نجّاراً وغيرها من بعض المهن , وفي الواقع يستطيع المكفوف القيام بأعمال التصليح والصيانة والمهن اليدوية بمسك الشيء ولمسه وتحسسه ثم التعرف على ما يجب فعله .
ما هو المستوى العلمي للمكفوف ؟ يملك عدد من المكفوفين شهادات بكالوريوس أو ماجستير أو حتى الدكتوراه وفي مختلف التخصصات اللغوية والإنسانية ، أما العلوم الصرفة فلا نجد مكفوفاً في أحدها نظراً لعدم إمكانية دراستها بسبب اعتمادها على النظر بشكل كلّي .
كيف يقرأ ويكتب المكفوفون ؟ الطريقة الأساسية التي يستخدمها المكفوفون في القراءة والكتابة هي (طريقة برايل) وهي عبارة عن بروز في الورقة يلمسها الكفيف فيتعرف على الحروف والكلمات ويكتب بآلة خاصة تعمل ثقوب في الورقة من جهة وبروز في الجهة الأخرى فيقرؤها بلمس البروز كما أسلفنا , لكن طريقة برايل معقدة وتتطلب جهد كبير في طباعة الكتب لهذا يلجأ المكفوف الى الطلب من ذويه أو آخرين تسجيل الكتاب على شريط (كسيت) أو قرص cd ثم يسمعه بواسطة المسجل أو جهاز video cd ، وفي الوقت الحاضر يمكن التسجيل على ذاكرة الحاسوب hard disk أو الهاتف المحمول أو بطاقة الذاكرة ram أي memory card .
ماذا عن المجالات الثقافية والرياضية ؟ ينشط بعض المكفوفين في المجال الرياضي خصوصاً لعبتي (جودو المكفوفين) (وكرة الهدف أي كرة الجرس وهي لعبة خاصة للمكفوفين أصلاً) ، وعلى الصعيد الثقافي هناك المفكرون والباحثون والكتّاب والشعراء من المكفوفين ، كما برع العديد منهم في تلاوة القرآن الكريم وحفظه وإقامة مجالس العزاء (أي العمل كرادود حسيني) والبعض يعزف الموسيقى ، وفي الآونة الأخيرة بدأ البعض بممارسة التمثيل لكن ما زال في نطاق ضيق وبمشاركة مكفوفين فقط .
سؤال كيف يستطيع الكفيف الطبخ بدون أن يتلف الطعام أو يصيب نفسه بمكروه ؟ الجواب أولاً يتحسس شدة النار بالاعتماد على قدرة الخلايا الحسية لديه بدون أن يلمس النار ، ويحفظ أزرار الطباخ ووظائفها وكيفية زيادة وخفض شدة النار ، ثانياً يضع قائمة تحوي على اسم الشيء والوقت اللازم لنضوجه ، ثالثاً يتأكد مِن نضوج الطعام أما بتذوقه أو شم رائحته أو بالضغط عليه بواسطة ملعقة أو شوكة والشعور بصلابة محتوى الطعام .
هل يستخدم المكفوفون الحاسوب والهاتف المحمول وكيف ذلك ؟ نعم يستخدمونها بمساعدة برامج خاصة تسمى قارئات الشاشة تقرأ لهم كل شيء مكتوب على شاشة الحاسوب أو الهاتف المحمول ، وأهم هذه البرامج الناطقة : برنامج nvda للحاسوب talk back لأجهزة نظام أندرويد voice over لأجهزة نظام IOS .
كيف يميز المكفوف بين الأشخاص ؟ يفعل ذلك عن طريق تمييز أصواتهم التي تتختلف بين شخص وآخر ، أكثر من ذلك البعض (منهم المتحدث سابقاً) يميز الأشخاص من رائحته ، وقيل أن البعض القليل يفعل ذلك بمجرد لمسه لجسم الشخص وتحسس بشرته .
هل يعرف المكفوف الألوان ؟ هنا نميّز بين حالتين : الأولى المصاب بضعف البصر ، هذا يستطيع معرفة بعض الألوان بمشاهدتها علماً أنها قليلة جداً لا تتجاوز الأحمر والأصفر والأسود والأبيض والأزرق , ثانياً فاقد البصر بشكل كامل : هؤلاء لا يميزون الألوان بالمشاهدة أبداً لكن البعض منهم يستخدم حاسة اللمس لتحسس حرارة اللون ومعرفته حيث أن لكل لون درجة حرارة تختلف عن غيره لكن تحتاج الى حاسة لمس قوية جداً لتستطيع معرفتها اذ ينبغي عليك تدريب حاسة لمسك بشكل مستمر ، وفي الوقت الحاضر تلعب التقنية دوراً في مساعدة المكفوفين (سواءً أكانو ضعفاء البصر أو فاقديه) بتمييز الألوان حيث توجد برامج يمكن تنزيلها على الهواتف الذكية وتوجيه كاميرة الهاتف الذكي والضغط على زر أخذ صورة فيقرأ الهاتف اللون .
هل توجد شخصيات مكفوفة بارزة ؟ نعم فالتاريخ حافلٌ بها من أمثال الصحابي جابر بن عبد الله الأنصاري وعقيل بن أبي طالب وأبي بصير رضوان الله عليهم ، وفي الوقت الحديث كان محمد مهدي البصير من خطباء وشعراء ثورة العشرين في العراق وطه حسين عميد الأدب العربي والشاعر عبد الله البردوني في اليمن .
أخيراً ما هي الحالة الاجتماعية للمكفوف ؟ الكثير منهم يملكون علاقات واسعة مع البيئة المحيطة بهم ، وهناك من له أصدقاء من خارج العراق ، كما لا يفوتنا القول أنَّ الكثير منهم متزوجون ولديهم أولاد وبنات وهم يديرون شؤون عوائلهم بشكل جيد .