المجاهد محمد سعيد الحبوبي
المجاهد السيد محمد سعيد الحبوبي 1849 - 1915
هو أبو علي السيّد محمد سعيد بن السيّد محمود الحسني الشهير بحبوبي، من أشهر مشاهير عصره، فقيه كبير، وأديب فطحل، وشاعر مبدع. ولد في النجف الأشرف في الرابع من جمادى الآخرة عام 1266 هـ ونشأ مطبوعاً على الخير، مثالاً للخلق الرفيع والنفسية العالية، فانطبع على حب العلم والأدب انطباعة كانت تشير إلى ذكاء ونبوغ. اتجه صوب المجتمع فكان ولوعاً بتكوين الحلقات الأدبية التي تصقل المواهب وتثيرها. والتحق ببعض رجال أسرته الذين عرفوا باشتغالهم بالتجارة بين نجد والنجف. كان يغرد بألوان من الشعر لم يعهد النجف لها مثيلاً، ويحف المحافل والأندية بقطع من قلبه الرقيق وروحه الكبيرة. واستطاع أن يتملك زمام إمارة الشعر، ويترأس الأندية التي ضمت النوابغ والفحول من أرباب الأدب، فانضوى تحت رايته أكابر الشعراء، وانتسب إلى حضيرته معظم الأدباء.
قبل أن يبلغ الخامسة عشرة من عمره . أي حوالي 1280هـ هاجر أبوه وعمه إلى (حـائـل) حاضرة نجد . بقصد التجارة وشأنهما في ذلك شأن كثير من الاسر النـجفية وبقي الصبي مع خاله مواظبا على الدرس .
ومـّر وقت على غياب الوالد فحّن ابنــه إليه وتاق إلى رؤية عمه ورغب في اللحاق به فسافر على الابل الى حائل وقد تركت به هذه السفره الطويله انطباع تفتقت معه شاعريته ومكث مع والده ثلاث سنوات عاد بعدها الى النجف عام 1284 وواضب على الدرس الفقهي .
تربى على يد أعلام لهم مكانتهم في عالم العلم والأدب، فقد أخذ الأخلاق والرياضيات على الأخلاقي الكبير ميرزا حسين قلي وأكثر من صحبته والحضور عنده مدة حياته، فاكتسب منه طريقته الأخلاقية التي جعلته وحيداً بفضيلتها بين كبار النجفيين، ودرس الفقه والأصول ردحاً من الزمن عند الأستاذ الكبير الشيخ محمد حسين الكاظمي ـ المتوفى 1308هـ ـ إذ كان هو المدرس العربي الوحيد في زمانه، وبعد وفاته اختص بالحضور والتلمذة عند فاضل عصره الشيخ محمد طه نجف فكان من أساطين من حضروا عنده، وقد أيده الشيخ بكلمات كثيرة رَقَت منزلته بين الفضلاء وجعلته في الطبقة الأولى منهم، وبعد وفاته ـ سنة 1323هـ ـ لم يحضر عند أحد من كبار العلماء، بل انقطع للتدريس والتأليف حتى أصبح يُعدّ في صدور العلماء المجتهدين، يُرجَع إليه في المسائل العويصة. وانقطع الحبوبی مدة من الزمن عند الآخوند الخراسانی
والاخوند الخراسانی الباعث الاصلی لترك الحبوبي الشعر حيث ان قصائد الحبوبي كانت مليئه بالغزل والتفسخ بما لا يليق بعالم مبجل
السيد الحبوبي مع المجاهدين بمعركة الشعيبه 1914
جهاده ضد الإنجليز
إنّ تاريخ الحرب العالمية الأُولى خصّص صفحة مشرقة لجهاد السيّد الحبّوبي، وأفرد فصلاً لبطولته وعزمه الملتهب في حفظ كيان الإسلام والمسلمين، فقد أعلن الجهاد ضدّ الاستعمار الإنجليزي في محرّم 1333ﻫ، وخرج هو بنفسه رغم كبر سنّه، والتحقت به الجموع المحتشدة من المؤمنين، ومعظم عشائر الجنوب العراقي ، وسار بهم إلى منطقة الشعيبة التي يتواجد فيها الإنجليز، وقاتل المحتلّين الإنجليز في معركة الشعيبة، إلّا أنّ تفوّق الإنجليز بالسلاح أجبر المقاومين إلى الانسحاب بعد أن قدّموا تضحيات جسيمة من الشهداء.
وبعد أشهر اتّصل به القادة الأتراك وطلبوا منه رسم خطّة لإعادة الكرّة للجهاد عن طريق كوت الإمارة، وهكذا كان، فخاض الحبّوبي مع بقيّة العلماء والعشائر والجيش التركي معركة أُخرى ضدّ القوّات البريطانية الغازية، وكان النصر حليفهم هذه المرّة، إذ استطاعوا محاصرة الجيش الإنجليزي وأسر جميع أفراده وعددهم اثني عشر ألف رجل، إضافة إلى قائده الجنرال طاوزند.
تُوفّي في الثاني من شعبان 1333ﻫ 1915 م في مدينة الناصرية عند عودته من المعركة، ودُفن في الصحن الحيدري للإمام علي(عليه السلام) في النجف الأشرف.
خلد النحات العراقي عبد الرضا كشيش تمثال للفقية والعالم والشاعر محمد سعيد الحبوبي في الناصرية حاملاً رساله ويقول انها رسالة الماضى والحاضر وققد تم الانتهاء منه فى الشهر السادس من عام 1972 بارتفاع 4 امتار من دون القاعده .
الحبوبي شاعراً
اقدم المجاهد الحبوبي على طباعة ديوانه الشعري عام 1912 فى بيروت وهو ما حفظ اجمل قصائده علماً بان قارئ المقام العراقي الفنان محمد القبنجي قد غنا احدى قصائده وهى شمس الحميا وذلك فى مؤتمر القاهرة عام 1932 وقد اشاد بها امير الشعراء احمد شوقي
يا غزال الكرخ
ياغزال الكرخ واوجدي عليك ... كاد سري فيك أن يُنتَهكا
هذه الصهبآء والكأسُ لديك ... وغرامي في هواك إحتَنكا
فآسقني كأساً وخُذْ كأساً اليك ... فلذيذ ُ العيش أن نشتركا
إترع الأقداح راحاً قرقفاً ... وآسقني وآشرب او آشرب واسقني
فلمُاك العذبُ أحلى مرشفا ... من دم الكرم ومآء المُزن
مِن طُلا فيها الندىُّ ابتسما ... إذ سرتْ تأرجُ في نشر العبير
أطلعتْ شمس سناها أنجما ... مِن حباب ولها البدرُ مُدير
والسما أرضٌ أو الأرض السما ... إذ غدتْ تلك كهذي تستنير
في ربوع ألبستها مطرفا ... أنملُ الزهر من الوشي السنى
وحمامُ البُشر فيها هَتَفا ... مُعربا في لحنه ِ لم يلحنِ
سائق العيس
سائقَ العيس هَلْ تُريح الرِكابا ... حيثُ رَبعي أُمَيمَة و رَبابا
فلتلك الرسوم تحكي خطوطاً ... ولتلك الديار تحكي الكِتابا
علَّنا ان نبِلٌ حَرٌ غليل ... زادَ بالبَينِ حُرقةً وألتهابا
حيثُ تغدو مدامعي كقطارٍ ... وجفوني تروح تحكي السحابا
سائلا ً والمجيب سائل دمعي ... هل ترى ويك سائل قد اجابا
مَن عذيري من العذول سحيرا ... اذ رأى الدمع ليس يفنى إنصِبابا
كيفَ أصغي لِعاذلٍ لَستُ أدري ... خطأً قال في الهوى أمْ صوابا
ليس يرجو بذاك قرب حبيب ... كيف ترجو من الحبيب إقتِرابا
سلبَ القلب طرفه إذ رَماني ... سهم عشقٍ مسدداً فأصابا
لا تلوماه سالباً ولتلوما ... اظلعي حيث أمكنَتهُ إستلابا
تبسٌم كالبرق
تبسَّم كالبرق لمَّا آئتلق ... رشاً خاتَل القلب حتى آعتلقْ
ولاحَ لنا مرسلاً شِعره ... فكانَ الضياء وكان الغسَقْ
كأنَّ سنا نوره صارِمُ ... اصيب الصباحُ به ِ فآنفَلَقْ
فما حاكَ من شعره مطرفاً ... من الليل ِ الاّ وفيه إنخَرَق
بدى والثريَّا بأفق السما ...كعنقود فاكهة في طَبق
فأخجل بدر السما وجههُ ... فذا الطلّ راشح ذاكَ العَرق
وجنَّ سهيل الى وجنتَيه ... فها هو في الافق ِ رهن القلق
يجورُ النطّاق على خصرهِ ... فها هو منذعر المنتطَق
بخَدٌيهِ وردُ زها زهرَهُ ... لِما قد سقَته القلوب العلق
أقام به خالّه حارساً ... يذود عن الزهر سحر الحدق
فصُنه بنهديك هب إنٌهُ ... صَلا نار خدّيك حتى احترق
فقد ماج ماء الصبا فيهما ...ألم تخشَ ان يعتريه الغَرقْ
رشاً خامر السكر إخلاقَهُ ... فبات يُرى فيه مثل النَزقْ
فيصل الطائي