الأميركيون الأصليون لم يأتوا من روسيا.. فمن أين جاءوا إذاً؟
كشفت دراسة أجريت على حمض نووي يرجع لعصور ما قبل التاريخ عن نظرية جديدة بشأن وصول أوائل سكان الأميركيتين إليهما وتشكك بالنظريات السابقة التي تزعم أن هؤلاء جاءوا من سيبريا شمال شرق روسيا إلى ولاية ألاسكا الأميركية.
تقرير نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية، الخميس 11 أغسطس/آب 2016، ذكر أن الدراسة تقول إن شعوب العصر الجليدي يستحيل أن يكونوا قد جاءوا إلى الأميركيتين من سيبريا عبر ممر من اليابسة بين نهرين جليديين لأن في ذلك "استحالة بيولوجية".
فالنظريات التقليدية السابقة كانت تعتقد بأن استيطان شعوب الأميركيتين جرى عندما بدأ السكان بالهجرة جنوباً عبر كندا حالياً بعدما بدأ نهران جليديان بالانحسار.
لكن تحاليل الحمض النووي المستخرجة من مناطق وبؤر تجمّع سكانية قديمة توحي بأن في ذلك استحالة لأن الموارد والمصادر الضرورية لبقاء الإنسان على قيد الحياة من غير الممكن توفرها عبر ذلك الممر الخالي من الجليد.
من روسيا إلى أميركا
الدراسة الجديدة والمنشورة في مجلة Nature الدورية ركزت على فحص جسر اليابسة الرابط بين سيبيريا الروسية وألاسكا الأميركية، حيث عمل فريق باحثين دوليين على استخراج الحمض النووي من أماكن هامة في ذلك الممر بغية الوقوف على الطريقة التي تطورت بها البيئة وأنظمتها في الوقت الذي بدأت الأنهار الجليدية بالانحسار والذوبان.
ثم توصل العلماء إلى بناء صورة شاملة للمشهد آنذاك تظهر اختلاف الغطاءين النباتي والحيواني حينها وكيف دبت الحياة بظهورهما بعدما ذاب الجليد وتحول قاع النهر إلى ممر سالك.
وهذه هي المرة الأولى على الإطلاق التي يتم فيها مشروع إعادة تصور وبناء لعصور ما قبل التاريخ.
العلماء استنتجوا أن الشعوب المستوطنة في الأغلب سلكت هذا المعبر قبل 12600 عام أو بعدها بقليل، كما استنتجوا أنه من المستحيل أن يكونوا عبروا ذلك الممر قبل ذلك التاريخ لاستحالة ذلك، فالممر كان حينها خاوياً من الموارد الأساسية لحياة البشر كالخشب للوقود وتصنيع الأدوات أو كحيوانات الصيد التي لها دور هام في نمط حياة البشر القائم آنذاك على الصيد وقطف الثمار.
طريق آخر
إن صحت الاستنتاجات فسيعني ذلك أن أوائل سكان الأميركيتين الذين من المحقق والمؤكد وجودهم جنوب الغطاء الجليدي قبل أكثر من 12600 عام لا بد أنهم سلكوا طريقاً غير هذا المذكور حتى وصلوا إلى هناك.
وهنا يقترح فريق البحث الذي أجرى الدراسة أن طريق الهجرة المتبع لعله كان عبر سواحل المحيط الهادي.
أما عن هوية تلك الشعوب بالضبط فهو محل جدل.
فعلماء الآثار متفقون على أن سكان المنطقة المعروفة بالولايات المتحدة حالياً كانوا من ثقافة تدعى "كلوفيس" وهي ثقافة أميركية أصلية من عصور ما قبل التاريخ تستمد اسمها من منطقة كلوفيس بولاية نيو ميكسيكو التي وجدت بها أدوات حجرية أثرية مميزة، كما أنها ظهرت في السجلات الأثرية لأول مرة قبل أكثر من 13 ألف عام.
خلاصة الدراسة الجديدة أن الممر الذي ذاب عنه الجليد كان يستحيل عبوره في تلك الفترة، وقد قاد فريق البحث البروفيسور إسكي ويليرسليف عالم الجينات التطورية وزميل كلية سانت جون بجامعة كامبريدج.
يقول ويليرسليف: "خلاصة القول إنه رغم كون المعبر سالكاً فعلياً قبل 13 ألف عام إلا أن بضعة مئات من السنين لا بد مرّت قبل أن يصبح صالحاً للعبور والاستخدام. هذا يعني أن أوائل من استوطنوا في المنطقة المسماة حالياً بالولايات المتحدة وأميركا الوسطى وأميركا الجنوبية لا بد أنهم سلكوا طريقاً آخر".
ويضيف البروفيسور ويليرسليف: "سواء أسلّمنا بأن تلك الشعوب كانت من الكلوفيس أم من سواها، فالأمر ببساطة أنه من المستحيل أن يكونوا قد جاءوا عبر ذاك الممر مثلما كان يقال من قبل".
خالٍ من الحياة
وقد جمع الفريق أدلته من على سطح بحيرة متجمدة خلال فصل الشتاء، واستخدموا تقنية تسمى "تسلسل المسدس".
يقول ويليرسليف: "بدلاً من أن نبحث عن عينات حمض نووي محددة من أنواع كائنات منفردة، ما فعلناه كان أننا رتبنا كل ما وجدناه هناك بالتسلسل من البكتيريا وحتى الحيوانات. النتائج التي تحصل عليها باستخدام هذه التقنية مذهلة جداً، فقد وجدنا أدلة على وجود أسماك ونسور وثدييات ونباتات".
وأهم ما عثر عليه من بين كل تلك الأدلة أنه قبل حوالي 12600 عام لم يكن هناك لا نبات ولا جنس حيوان في ذلك الممر.
- هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Independent البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.