المعالج النفسي "خورخي بوكاي" عنده كتاب لطيف إسمه "حكايات للتفكير" .. يتناول بيه بعض الأطروحات فلسفية الطابع ، مرفقاً بكل أطروحة حكاية رمزية مقاربة الها للشرح والتبسيط
من ضمن هذه الحكايات .. قصة تتكلم عن شخص جان مسافر لمكان معين .. بالطريق شاف حديقة بديعـة الهيئـة ، فـ قرر أنه ينزل يرتاح بيها شوية لأن جان مُتعب من السفر .. ولكن سرعان ما يكتشف أنه هاي الحديقة هي بالأساس (مقابر) . فـ ظل گاعد بيها وكلما توگع عيـنه على شاهد قبر ، يلـگه عبارات على غرار : "فلان ، عاش ثماني سنوات وستة أشهر / فلان ، عاش سبع سنوات وأربعة أشهر " .. هذا الأمر خلاه يشعر بالصدمة والأسى بسبب أنه لاحظ أن أطول المتوفين عمراً يكاد لا يتعدى الـ11 عام .
اجا حارس المقبرة بعد ما شافه بهذه الحالة المأساوية .. فـ سأله من باب التهوين إنو هل عندك أحد المتوفين بالمقبرة ، فـ أجابه بالنفي وسأله عن سر هذا المكان؟ وليش كل الموتى أطفال؟ .. و أي لعنة رهيبـة أصابت القرية وأجبرتهم على إنشاء مقبرة للأطفال؟ .
فـ الحارس هَدَّئْ من رَوْعُه وجاوبه أنو هم عدهم عادة وتقليد قديم يتمثل في أنهم لمن يصل أي شاب أو فتاة لـ سن الـ15 سنة ، ينطونـه دفتر صغير يكتب بية لحظات سعادته وإستمتاعه اللي يمر بيها ، (فقط لحظات سعادته وإستمتاعه) .. ولمن الشخص يتوفى يفتحون الدفتر مالته ويجمعون لحظـاته السعيدة ويكتـبوها على شاهد قبره .. وهذه بالنسبة الهم هو الزمن الحقيقي والوحيد اللي يعيشه الإنسان ع هذه الحياة التعيسة .
.
هذه القصة تذكرني بـ إحد قواعد مذهب سارتر الوجودي اللي تنص على أن قياس الزمن يكون كيفي وليس كمي ، بـ معنى أن العمر الحقيقي للإنسان هو اللي يقدم بيه شيء مفيد للبشرية .. مو هذا العمر العادي التافه اللي نحسبه بالساعات والأيام .
.
أغلبكم هسه لو دفعهم الفضول لعمل حساب تقريبي لناتج القياس الكيفي القائم على السعادة .. راح تلگـون أن أرقام الأعمار بالقصة هي كبيرة جداً مقارنةً بـ أعمارنا السعيدة لو قسناها بالفعل ! .
.
لذلك لا تفطر بـ أي لحظه سعيدة تمر عليك .. أستغلها أبشع أستغلال وسجلها وأخزنها بذاكرتك البديهية ... لأن متوسط الوقت اللي يعيشه الأنسان بصحة جيدة بهذه الدنيا هو 400,000 ساعة .. على الأغلب هسة صرفنا منها 150,000 ساعة بشكل عام .. يا ترى شلون راح تستغلون الساعات الباقية ؟
#