قد يظن البعض أن شخصية كولونيل ساندرز التي تشتهر بها سلسلة كنتاكي خيالية، ولكن على العكس من ذلك فالكولونيل ساندرز هو شخص حقيقي اتبع حلمه لصنع شركة عالمية يبلغ رأس مالها الآن مليارات الدولارات.
وقد أصبح الكولونيل طاهي محترف حين بلغ الأربعين من العمر، ولم يبدأ بتأسيس سلسلة كنتاكي إلا حين أصبح عمره 62 عام، ولكنه لم يصبح رمز عالمي إلا عندما باع شركته عندما بلغ من العمر 75 عام.
أهم أسباب نجاح كولونيل ساندرز
فطبقًا لتقرير كتبه “ويليام ويزورث” عام 1970 وأيضًا السيرة الذاتية له في جامعة هيوستن فإن اسم الكولونيل الأصلي هو “هارلند ساندرز”، وقد ولد عام 1890 وتربى في مزرعة في ولاية إنديانا.
وقد توفى والده عندما كان عمره 6 سنوات وتركه ليقوم برعاية أخوته الأصغر بينما تعمل والدته طوال اليوم، وكانت إحدى مهماته هي إطعام أخواته، لذا وعندما بلغ 7 سنوات كان “هارلند” طاهي ماهر.
تزوجت والدته عندما كان يبلغ من العمر 12 عام، وأرسل زوج والدته أخوته للعيش مع عمته وتم إرساله للعمل في مزرعة تبعد حوالي 129 كم عن منزله. وقتها أدرك “هارلند” أنه يفضل العمل عن الذهاب للمدرسة، لذا ترك المدرسة وهو في الصف السابع.
قضى “ساندرز” النصف الأول من حياته في العمل بمجموعة غريبة من الوظائف بالإضافة إلى مهمة فيكوبا مع الجيش، حيث عمل في تشغيل محركات بخار القطارات في الجنوب، بيع وثائق التأمين، بيع الإطارات، صنع أنظمة الإضاءة وتشغيل الزوارق والعبّارات.
وفي عام 1930 قام بشراء محطة تقديم خدمات (محطة بنزين) في مدينة كوربين بولاية كنتاكي، وبدأ بتقديم الأطباق الجنوبية الكلاسيكية للمسافرين. واشتهر الموقع بطعامه اللذيذ، فقام “ساندرز” في نهاية المطاف للتخلص من مضخة البنزين وتحويل المكان إلى مطعم متكامل.
وفي عام 1939 أدرك “هارلند” أن الدجاج المقلي مع خلطة الأعشاب والتوابل في جهاز القلي الجديد -الذي كان عبارة عن طنجرة ضغط مختلفة عن المستخدمة اليوم- أسفر عن صنع الدجاج المقلي المثالي الذي كان يحاول صنعه منذ البداية، وكانت هذه المرحلة انتقالية بالنسبة له. حيث حصل مطعمه على شهرة واسعة وأصبح رائجًا في السنوات اللاحقة، وفي عام 1950 أطلق عليه حاكم ولاية كنتاكي لقب “كولونيل” وهو أعلى لقب فخري تمنحه الولاية. بعد ذلك بدأ “ساندرز” بارتداء اللون الأبيض ورابطة عنق الكولونيل، الأمر الذي ساعده في أن يصبح أيقونة ثقافية شهيرة.
بدء بيع حقوق الامتياز للدجاج المقلي
في عام 1952 عقد كولونيل ساندرز صفقة مع صديقه “بيت هارمان” لبيع الدجاج المقلي Kentucky Fried Chicken بمطعمه في مقابل 4 سنت (حوالي 15 هللة) على كل قطعة تباع، وبعد أن أصبح الدجاج هو الصنف الأكثر مبيعًا قام “ساندرز” بعقد نفس الصفقة مع العديد من المطاعم المحلية الأخرى.
وكانت الأمور تسير بأحسن حال حتى تجاوز الطريق السريع موقع مطعمه، حينها باع الكولونيل مطعمه عام 1956 محققًا خسارة، وأصبح معاشه من الضمان الاجتماعي البلغ 105 دولار (حوالي 394 ريال سعودي) هو مصدر دخله الوحيد، ولكنه قرر أنه لا يريد التقاعد.
وبما أنه كان قد قام بإغلاق مطعمه قرر أن يكرس جهوده لمشروعه في بيع حقوق الامتياز الذي كان بدئه قبلها بأربع سنوات، وقام بالسفر مع زوجته بالسيارة التي حملها بعدد من طناجر الضغط، الطحين ومزيج البهارات. وكان يقوم بالذهاب للمطاعم وعرض طهي الدجاج الذي يصنعه، ثم كان يقوم بعقد صفقة مع صاحب المطعم إذا أعجبه مذاق الدجاج.
وفي عام 1963 كان “ساندرز” يقوم بعقد صفقات لمنح حق الامتياز دون الحاجة لطهي الدجاج لأصحاب المطاعم، وأصبح هناك أكثر من 600 مطعم في جميع أنحاء الولايات المتحدة وكندا يقوم ببيع دجاج كنتاكي المقلي. وفي شهر أكتوبر من نفس العام أراد “جون براون جونيور” وهو محام شاب طموح والرأسمالي “جاك جيم ماسي” شراء الشركة، ولكن كان “ساندرز” مترددًا في البداية. ولكن بعد أسابيع من الإقناع وافق على بيع الشركة بمبلغ 2 مليون دولار (حوالي 7.5 مليون ريال سعودي) أي ما يوازي 15.1 مليون دولار (حوالي 56.62 مليون ريال سعودي) في عام 2015، وتمت الصفقة في الفترة من يناير حتى مارس عام 1965.
شروط عقد بيع الشركة
وبموجب هذا العقد فإن شركة Kentucky Fried Chicken يمكنها إنشاء مطاعم خاصة بها في جميع أنحاء العالم بدون التفريط في وصفة الدجاج، وحصل “ساندرز” على راتب مدى الحياة 40،000 دولار (حوالي 150000 ريال سعودي) تم رفعه في وقت لاحق إلى 75،000 دولار (حوالي 281250 ريال سعودي)، مقعد في مجلس الإدارة، ملكية غالبية الامتيازات الكندية لسلسلة كنتاكي وكونه بمثابة سفير للعلامة التجارية للشركة.
وفي البداية لم يكن كولونيل ساندرز سعيد بتخليه عن مشروعه، ولكن قرر أن من الأفضل رؤية شركته تتوسع لمدى أكبر من إمكانياته وهو في الـ 75 من العمر. وأشار “ويليام ويزورث” في تقريره أن بعض أصدقاء “ساندرز” رأوا أنه قلل من حجم الصفقة، ويبدو أيضًا أنه رفض أسهم في الشركة ولم يتفاوض للحصول على سعر أعلى.
ومن الواضح أن حلم “ساندرز” لم يكن أبدًا أن يصبح غنيًا، ولكن كان حلمه أن يشتهر الطعام الذي يصنعه، وهذا هو السبب في أنه تذمر باستمرار من تقديم المرق الأقل جودة الذي كانت تنتجه الشركة على الرغم من الربحية المرتفعة.
وصرح متحدث باسم شركة كنتاكي أن الكولونيل ساندرز كان دائمًا له رأي مختلف، حيث كان يظن أنه إذا كان مطعم يملك حق امتياز ويصنع مرق مثالي ويحقق أرباح قليله للشركة أفضل من مطعم يحقق أرباح كثيرة ويصنع مرق أقل من الممتاز، وأضاف أن الكولونيل كان يهتم بالموهبة الفنية أكثر من الأموال.
وأمضى الكولونيل ساندرز باقي حياته يقوم بعمل لقاءات في البرامج الحوارية، وفي بعض الأحيان كان يظهر في الحملات الإعلانية مثل الإعلان الذي ظهر عام 1969.
وتوضح جامعة هيوستن -التي تكرم “ساندرز” بوضع صورته في قاعة أشهر رجال في مجال الصناعة-أنه حتى وفاته عام 1980 سافر كولونيل ساندرز 402336 كم كل عام لزيارة مواقع كنتاكي والترويج للعلامة التجارية في وسائل الإعلام.
بيع “جون براون جونيور” لحصته
وبعد أن باع “جون براون جونيور” حصته في الشركة مقابل 284 مليون دولار (حوالي 1065 مليون ريال سعوي) عام 1971 أصبح حاكم ولاية كنتاكي عام 1979، وعندما توفى الكولونيل العام الذي يليه صرح “جون” أن الكولونيل كان أسطورة حقيقية وأنه كان يُمثل روح الحلم الأمريكي.
قد يكون كولونيل ساندرز كان يفتقر إلى الدافع ليصبح ثريًا كما كان بإمكانه أن يصبح، لكنه الآن يشتهر في 115 دولة بوصفته المفضلة للدجاج المقلية، وهو الأمر الذي يعتبر أكثر مما كان يتمنى في أي وقت مضى عندما قرر أن يبدأ رحلته على الطريق في سن 65 عامًا بسيارة محملة بإمدادات الطهي.